هل حقا ما زال مبارك رئيسا لمصر، كما قال محاميه فريد الديب أمس، فى مرافعته؟ السؤال قد يبدو غير منطقى، لأن الثورة أسقطت النظام السابق بالكامل، وهو الأمر الذى أكده عدد من القانونيين. الفقيه الدستورى الدكتور إبراهيم درويش، وصف ما قاله فريد الديب، محامى المخلوع مبارك، بأنه كلام عبثى، لأن دستور 1971 سقط بحكم الثورة والشرعية الثورية، والساقط لا يعود، مضيفا أن المجلس العسكرى استمد شرعيته من الثورة وميدان التحرير، لا من خطاب التنحى الذى ألقاه عمر سليمان، والذى ترتب عليه تنحى مبارك عن السلطة ونقل سلطاته للمجلس العسكرى، وقال «صحيح أن المجلس العسكرى ارتكب خطيئة عندما قرر الإعلان عن إسقاط الدستور وهو لا يملك ذلك، إلا أن الأمر لا يغير شيئا، لأن الدستور كان ساقطا بالفعل منذ 11 فبراير بحكم الشرعية الثورية، وكذلك سقطت معه مؤسساته التشريعية». درويش أضاف أن المواد 82 و83 و84 تحدد وضع رئيس الجمهورية فى حالة العجز النسبى، وفى حالة الاستقالة والعجز الكلى أو الوفاة، ففى الأولى يتولى نائبه أو رئيس مجلس الوزراء، وفى الثانية يقدم استقالته لرئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية العليا، وفى الثالثة يتولى المسؤولية رئيس مجلس الشعب أو رئيس «الدستورية العليا». وبشأن خطاب تنحى مبارك بتخليه عن السلطة ونقل سلطاته إلى المجلس العسكرى، قال درويش إنه كان خطأ، ولكن الثورة تجب كل هذا بشرعيتها الثورية الجديدة المستمدة من ميدان التحرير، مضيفا أن مبارك سقط والساقط لا يعود، وأنه لا يجوز تفعيل مادة من دستور ساقط، وإذا ربطنا ما قاله الديب فى جلسة سابقة بأن مبارك فريق فى الجيش وفقا للقانون 3 لسنة 79 ومطالبته بمحاكمته أمام القضاء العسكرى، وفقا للإعلان الدستورى 45 لسنة 2011، وما قاله اليوم عن كون مبارك رئيسا للجمهورية نرى تناقضا وتضاربا شديدين، ونريد أن نسأل الديب «أنت عايزه فريق ولا رئيس؟». الدكتور جابر نصار، أستاذ القانون الدستورى، قال إن الدفوع التى دفع بها الديب الاتهامات عن مبارك غير صحيحة من الناحية الدستورية والقانونية، لأنها تصور أن حسنى مبارك كلف القوات المسلحة بإدارة البلاد وتنحى عن إدارتها طواعية لا بفعل ثورة شعبية كما هو حادث، مضيفا أن التصنيف الدستورى الصحيح لحالة مبارك، هو أنه قد طرد من رئاسة الجمهورية وخلع منها بفضل ثورة شعبية، وكانت تجب محاكمته من البداية أمام محكمة ثورية لا عادية، مشيرا إلى أن كل هذه التجليات التى قيلت، مردها عدم إعمال آثار الثورة بطريقة دستورية وواقعية، فليس فى النظام الدستورى المصرى ما يسمى «المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، وأن دستور 71 نظم كيفية انتقال السلطة فى حال غياب رئيس الدولة، وذلك بتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا أو نائب الرئيس المنصب مؤقتا، ولكن هذا لم يحدث. وتعليقا على ما قاله الديب عن أن الدستور ينص على أن يقدم الرئيس استقالة مكتوبة حين يترك منصبه، قال إن خروج مبارك من السلطة لم يكن وفقا للآليات الدستورية التى نص عليها دستور 1971، وإنما خرج بفعل القوة مطرودا مخلوعا، ومن ثم فلا شرعية له بعد هذا الخروج حتى فى تفويض غيره فى السلطة، مؤكدا أنه من الناحية الدستورية فإن تفويض القوات المسلحة غير صحيح، وأن التكليف القانونى لموقفها أنها سلطة فعلية منظمة قفزت على السلطة بعد فراغها، ومن ثم فمشروعيتها مرهونة بتحقيق أهداف الثورة، وهو ما لم يتحقق بعد، لذلك فوجودها غير شرعى. المستشار محمد حامد الجمل، الفقيه الدستورى ورئيس مجلس الدولة السابق، قال إن ما استند إليه الديب من مواد الدستور لإثبات أن مبارك ما زال رئيسا للجمهورية تجاهل تماما وجود ثورة شعبية ناجحة فى 25 يناير الماضى، مشيرا إلى أن تكليف مبارك لعمر سليمان بإعلان تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية لا يعنى سوى أن هذا التنحى هو نجاح للثورة، وأنه قد تم إجباره على التخلى عن وظيفته كرئيس للجمهورية بالشرعية الثورية، وهذا التنحى لا يدخل تحت باب الاستقالة، وإنما هو طرد من الوظيفة تنفيذا للإرادة الشعبية، مضيفا أنه طبقا للمبادئ الشرعية للثورة فإن هذه الحالة لا تسرى بالنسبة إليها الأحكام الدستورية والقانونية العادية، لافتا إلى أن المجلس العسكرى قد تولى حكم البلاد وأصدر قرارا بإسقاط دستور 71 كنتيجة حتمية لثورة يناير، وبالتالى لا أساس ولا سند إلى مواد هذا الدستور، التى تنظم مواده محاكمة الرئيس المخلوع، موضحا أن الشرعية الثورية الدستورية تخضع مبارك للمحاكمة كفرد عادى لأحكام قانون العقوبات المصرى. «شو دفاعى لا قيمة له»، هكذا علق نقيب المحامين ورئيس هيئة الدفاع عن المدعين بالحق المدنى سامح عاشور، مشيرا إلى أن سقوط مبارك أمر مفروغ منه، وأنه لا قيمة قانونية لما قاله الديب، والقصد منه خلق حالة من البلبلة لن تجدى مع المحكمة، مضيفا أن هيئة الدفاع عن المجنى عليهم كانت متوقعة أن تسير مرافعة محامى المتهمين على هذه الوتيرة، خصوصا أن الجريمة ثابتة تماما فى حق المخلوع سواء كان رئيسا للجمهورية أو مخلوعا، مما يدفع دفاعه إلى البحث عن ثغرات يستطيع من خلالها الخروج عن صلب التهمة. عضو مجلس نقابة المحامين السابق سعد عبود، قال إنه باندلاع الثورة تتغير جميع الأطر السابقة عليها وتحل الإرادة الشعبية محلها، والنظام قانونا وفعلا يستمد شرعية وجوده من المواطنين والشارع، وقد فقد النظام الساقط شرعيته بقيام الثورة، فلا توجد ذريعة أخرى يتمسك بها مبارك بعد فقدانه الشرعية ليعلن دفاعه أنه لا يزال رئيسا للبلاد، مما يعنى أن دفاع الديب مفرغ من المعنى، وغير سديد، وأبعد ما يكون عن القانون.