كتب: علاء عزمي لا يمكن النظر إلى غلق حسابات مصرفية بريطانية لقيادى التنظيم الدولى للإخوان، البريطانى من أصل عراقى، أنس التكريتى، فضلا عن حسابات أسرته، وجمعيته الشهيرة، المريبة فى ذات الوقت، والمعروفة باسم قرطبة، إلا من زاوية تصاعد الضغط الغربى على أذرع الجماعة الخارجية. الإجراء المفاجئ، يمكن اعتباره الأول من نوعه ضد قيادى إخوانى بارز فى بريطانيا، منذ أن بدأت الأخيرة بحث مستقبل التنظيم وأنشطته على أراضيها، وعما إذا كانت ترتبط بجماعات العنف والإرهاب من عدمه. بينما يؤشر أيضا استهداف قيادى مؤثر فى جسد وعقل التنظيم الدولى للإخوان، ولو بإجراء مالى، ذى صبغة تجارية ظاهريا، إلى أن سلسلة من الملاحقات فى الطريق لأسماء أخرى مهمة للجماعة فى الخارج، انطلاقًا من أسباب سياسية بحتة، وهو ما عبر عنه التكريتى ذاته، بعد دقائق من غلق حساباته البنكية، بالإشارة إلى أن الأمر يبدو مرتبطًا بنشاطاته. شخصية كأنس التكريتى لن يصعب عليه، على أى حال أن يستشف ما وراء قرار تقويض حساباته، ولمَ لا وهو يشار إليه بصفته مسؤول «مخابرات الإخوان»، فى العاصمة البريطانية لندن. وأنس التكريتى هو نجل أسامة التكريتى، زعيم الحزب الإسلامى العراقى، واجهة الإخوان فى العراق، بينما تحاصره معلومات عدة لم ينفها، أن ثروته تجاوزت أربعة مليارات إسترلينى، رغم أن كل دراساته تنحصر فى مجالات الترجمة والعلوم السياسية، فضلا عن أن أنشطته الظاهرة لا تتجاوز محاولات دمج المسلمين فى العمل السياسى بأوروبا بشكل عام، وبريطانيا بشكل خاص. لكنه وعلى مدار العام الماضى تكشفت له أدوار أخرى، فعلى سبيل المثال قاد بنفسه مظاهرات الإخوان فى الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير أمام السفارة المصرية فى لندن، ناهيك برفعه شارة رابعة الشهيرة، خلال حفل حصوله على درجة الدكتوراه مطلع العام الجارى، فضلا عن أنه يقف خلف الدعوة لمعظم المظاهرات المساندة لمرسى ورفاقه فى عاصمة الضباب. وبينما يقود التكريتى بعض المؤسسات كمنظمة قرطبة لحوار الحضارات فى لندن، والتى تقود حربا شرسة لتشويه مصر منذ فترة لحساب الإخوان، فإن الميديا الغربية تنسب إليه خطة تعرف بالمريض الإنجليزى، لتحريض القارة العجوز على عدم الاعتراف ب30 يونيو. الرجل يشار إليه، ومع تكرار حضوره فاعليات واجتماعات التنظيم العالمى للإخوان، بأنه الذراع المخابراتية له بأوروبا. بحيث إن جميع أنشطته ومؤسساته ومشروعاته التى يشرف عليها، تقوم بالأساس على دعم التنظيم ومساندة فروعه حول العالم، وفى مقدمتها «حماس»، والآن الفرع الأم فى مصر، وذلك بجمع المعلومات لصالحه تارة، أو لترويج ما ينفع من معلومات عنه فى أوساط دوائر الحكم الغربية تارة أخرى. المفاجأة الكبرى التى ارتبطت باسم التكريتى نهاية يناير الماضى، كانت حضوره ضمن وفد برلمانى عراقى للقاء خاص مع الرئيس الأمريكى، باراك أوباما فى البيت الأبيض. كان من المستحيل بالنسبة إلى التكريتى تحقيق أى من خططه وخطط التنظيم العالمى للإخوان الذى ينتمى إليه، بشأن تقليب الخارج ضد القاهرة، لولا أنه لا يجلس على رأس مؤسسة كقرطبة للتقريب بين الحضارات، التى أسسها فى لندن فى عام 2005. كما أن النوافذ الإعلامية المفتوحة له منذ سنوات، مثل المواقع الإلكترونية لإسلام أون لاين والجارديان والأهرام ويكلى، فضلا عن قناة الحوار التى تبث إرسالها من لندن أيضا باللغة العربية على القمرين عرب سات والهوت بيرد (والنايل سات حتى 2008)، كان من الصعب أن يصل إليها من دون إدارته كيانا مؤثرا كقرطبة. الرجل الذى يقود كل الفاعليات المناوئة للنظام المصرى الحالى، يتحرك وفق حزمة محددة من الأهداف، لعل أهمها قيادة الجهد العالمى والإقليمى الإخوانى لمقاضاة من يصنفهم التنظيم بقادة الانقلاب العسكرى على شرعية محمد مرسى (حضر فى هذا الإطار اجتماعا لفريق الدفاع الدولى للجماعة فى إسطنبول نهاية العام الماضى)، فضلا عن تضمين نشاطاته -أى التكريتى- التى بذلها خلال الأعوام الماضية لإقناع العالم الخارجى بتمويل الجماعة كبديل معتدل عن تنظيم القاعدة، بمزيد من طلب المساعدات للأخيرة، بزعم أنها باتت بعد 30 يونيو كيانا مضطهدا فى بلاد النيل، ومن ثم فإنها تستحق المساندة. مرسي إن إطلالة سريعة على إسهامات قرطبة، منذ الإطاحة بالإخوان ومندوبهم خارج قصر الاتحادية، وكذا فى أثناء اعتصام رابعة العدوية، وبعد فضه، يكشف بالدليل القاطع مدى الخسائر التى كبدتها للقاهرة طيلة الأشهر السبعة الماضية بسبب كيان واحد فقط مقره لندن. فالمؤسسة «قرطبة» التى تعتبرها الصحافة والميديا البريطانية، المتحدث الرسمى باسم الإخوان حاليا فى لندن. بعض اللقاءات السرية التى جمعت مسؤولين من الاتحاد أو البرلمان الأوروبى وغيرهما من المؤسسات الرسمية والحقوقية فى القارة العجوز بقادة الإخوان بالقاهرة، وفق تسريبات بالصحافة البريطانية، تمت بترتيب كامل من قبل مسؤولى «قرطبة». وعلى ما يبدو أن التكريتى كان حريصا على أن تتماهى أنشطة قرطبة مع تحركات التنظيم الدولى للإخوان، بحيث تدعم كل منها الأخرى، فانهالت اتصالاته ولقاءاته برموز مهمة بالتنظيم العالمى من أمثال إبراهيم منير ومحمود الإبيارى، وكذا مسؤولى الرابطة الإسلامية فى بريطانيا قريبة الصلة بحماس (عمل التكريتى متحدثا باسمها لفترة)، واتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا، من أجل التنسيق بشأن إنقاذ الجماعة فى مصر.