في 19 يناير وقف الرئيس "السادات" امام الكاميرات والغضب باد على ملامحه وقال.."فئة قليلة لا يحركها الا الحقد, وهو ما شكوت منه, وهو ما دعوتكم اليوم لكي نواجهه معا".. هكذا كان وصف "السادات" للمشاركين في انتفاضة 18و 19 يناير...فئة قليلة وحاقده!! بعد انتهاء حرب اكتوبر أجرى السادات تحولات إقتصادية من الإشتراكية الى الرأسمالية تزامنت مع تقارب جلي مع الولاياتالمتحدةالامريكية .. ارتفع سقف الآمال وباتت الأحلام بلا حدود بدولة الرفاهة ... وداعا لتقشف ناصر .. فلا مجال اليوم "لشد الحزام" فالسوق مفتوح .. وكلنا "كسيبه" لكن آمال المصريين سرعان ما ترنحت حتي اصطدمت بجدار قرارات 17 يناير 1977 للدكتور "عبدالمنعم القيسونى" نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية الخاصة برفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية والتي نجم عنها ارتفاع أسعار قرابة الخمس وعشرين سلعة أساسية. أسفر ذلك عن حالة سخط أفرزت هبة شعبية بدأت من حلوان (جنوبالقاهرة) حيث تجمع عمال المصانع هناك معلنين عن رفضهم للقرارات الاقتصادية الجديده, تحولت التجمعات لمسيرات فمظاهرات تجوب الشوارع , انضمت لها الحركات الطلابية وتعالى الهتاف بسقوط الحكومة بل والنظام. ياحاكمنا في عابدين فين الحق وفين الدين هما بيلبسوا آخر موضة واحنا بنسكن عشرة ف أوضة تصاعدت وتيرة الاحداث وتجاوز منسوب الغضب كل معدلات الأمان , الهتاف انقلب عنفا .. ومقرات الشرطه أهداف ثابته للهجوم.. ولم تمضي ساعات حتى امتلأت الشوارع بالبشر وتصاعد الدخان من أقسام الشرطة في إمبابة والسيدة زينب والأزبكية والدرب الأحمر وهوجمت مديرية أمن القاهرة ذاتها .... نيران العنف انتشرت في هشيم الفقر .. ولم تعد العاصمة فحسب هي المشتعلة بل ان استراحات الرئاسة بطول مصر وعرضها انتهكت وبيوت عدد من المحافظين اقتحمت. في اليوم الثاني للغضب (19يناير) توجه "السادات" بخطابه الشهير واصفا ما يحدث بانها "انتفاضة حرامية" متهما محركيها بانهم "فئة قلية حاقدة". لكن ذلك لم يمنعه من إلغاء القرارات الإقتصادية سبب الأزمة, بالتزامن مع نزول الجيش المصري للسيطرة على الوضع, وفرض حظر التجوال, وشهدت البلاد موجه اعتقلات موسعة زج على أثرها بالآف في السجون, وكالعادة تحدثت الجرائد عن مؤامرة تخريب مصر. تمر السنين ....قرابة الثلث قرن .. وتختفي وجوه وتبزخ اسماء ... تسقط أنظمة وتصعد قوى.... تتبدل مواقع ومواقف....ويظهر للمصريين بطل جديد , الرئيس "عبدالفتاح السيسي"... الذى اعده الكثيرون بطلا لا يقل اهمية عن "السادات" ... فاذا كان الاول استرد سيناء من اسرائيل .. فها هو الثاني يسترد مصر من مختطفيها على حسب وصف محبيه ومؤيديه. فمنذ ان صدر بيان الجيش الاول والذي عبر فيه عن وقوفه مع الشعب واصفا اياه "بالأبي الذى لم يجد من يحنو عليه" , تحول السيسي الي بطل شعبي بالنسبة للكثيرين حتى ان مجلة النيوزوييك الامريكية الشهيرة وضعت صورته على غلافها واصفة اياه "بالجنرال الهادئ" ومع ظهور السيسي وحديثة الدافئ للمصريين , ارتفع سقف الامال مرة اخرى , وتجاوز المطلوب منه الأمن والأمان الي حياة أفضل للجميع ... الرجل نفسه تحدث عن انحيازاته للفقراء وتعاطفه معهم قائلا "لازم اغني الناس الاول" قبل الحديث عن رفع الدعم. لكن شعبية الرجل لم تعد كما هي , والظهير الشعبي الذى ارتكن عليه في يوم التفويض التاريخي لم يعد متماسك كما كان , واليوم بادرة احتقان تلوح في الشارع بعد قرار رئيس الوزراء بزيادة اسعار البنزين والكهرباء والسجائر , وهو ما دفع الكثيرين لتذكر احداث 18و19 يناير 1977, متسألين عن امكانية تكراره؟ "التاريخ يعيد نفسه" ... العبارة الاشهر في تاريخ الشعوب, ليست دوما دقيقة.... فكما يقول "خالد عبد الحميد" احد ابرز وجوة ثورة 25 يناير "المناخ العام مختلف عن 18/19 يناير" فنحن نشهد حالة استقطاب حادة في البلاد, يصعب معها الحشد والتوحد حول مطالب محدده" وان كان عاد ليضيف ان "الحراك الجماهيري شئ يصعب التكهن بيه او توقع توقيته" "الناس اصبحت معادية للثورات" هكذا يستهل دكتور/ سيد صادق استاذ علم الاجتماع السياسي حديثه قائلا بعد ثلاث سنوات من العدو في الشوارع , الناس اجهدت وتتوق للاستقرار. يؤكد سيد صادق انه لا موجه ثالثة على الأقل الآن , مستدلا انه لم ينجح احد في الحشد لمليونية منذ 26 يوليو , فأخر من نجح في حشد الناس كان "عبدالفتاح السيسي" حين دعى الناس لتفويضه لمواجهة الارهاب, من يومها لم تنجح القوى الثورية أو التيار الاسلامي في حشد الناس. يختتم سيد حديثة قائلا ان التحالف الطبقي ل30يونيو مازال قويا , فالسيسي معه أجهزة الدولة ورجال الأعمال والدولة العميقة والإعلام ومدعوم بمال خليجي, في المقابل القوى الثورية مفككه ومنبوذة جماهيريا والاخوان تعرضوا لضربات قاتله فضلا عن خسارتهم لظهيرهم الشعبي....وعليه فلا مجال للحديث عن "إعادة التاريخ لنفسه" او عن تكرار لسيناريو 18/19 يناير اما رئيس الوزراء "محلب" والذي وصف حكومته بانها "حكومه حرب" فيؤكد انهم ماضون قدوما في مسار الاصلاح الاقتصادي, وانهم "مبيخفوش من الصوت العالي" على حد تعبيره بعيدا عن حديث المسؤل الواثق او الثائرالحالم والاكاديمي المنظر .... فالحاج "عرابي" بائع الفاكهة بشارع الفلكي يوجز الموقف في عبارة واحده ....... "اصبر خلينا نشوف السيسي حيعمل ايه"