ما زالت آثار انتفاضة الشعب فى 18و19 يناير عام 1977 علامة بارزة فى فرض الشعب المصرى لإرادته ضد محاولات السلطة التنفيذية الجائرة، لرفع أسعار السلع الأساسية، رغم معاناة الدولة الشديدة، جراء خوض مصر لحربين هى 1967 و1973، الأمر الذى دفع الشعب للخروج فى انتفاضة شعبية عفوية فى كل محافظات مصر، للتصدى لهذه الهجمة من جانب السلطة الحاكمة، وهو الأمر الذى تعامل معه السادات بحنكة سياسية عالية، ساهم فيها الفريق الجمسى، بحرصه على عدم اصطدام الجيش بالشعب، لأن الجيش هو جيش الشعب، ما دفع السادات للتراجع عن قراره، فهدأت نفوس الشعب المصرى.. "ڤيتو" تحاور المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، الأمين العام للحركة المصرية للتغيير، وأمين عام الحزب الاشتراكى، وأحد رموز هذه الانتفاضة - كشاهد عيان، حيث كان المتهم السابع فى هذه الأحداث - لكشف الكثير من الحقائق حول هذه الانتفاضة، وتتكرر هذه الانتفاضة مرة ثانية الآن.. وهل مصر مقبلة على ثورة جياع، بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية بصورة كبيرة، ورفع أسعار السلع الأساسية بصورة مبالغ فيها؟.. فإلى نص الحوار: - نريد أن نتعرف منك على الأسباب الحقيقية لانتفاضة 18 و19يناير 1977؟ * هناك مجموعة من الأسباب كانت وراء هذه الانتفاضة، منها الأزمة الاقتصادية الخانقة، التى ترتب عليها خوض مصر لحربين فى 1967، والتى انتهت بهزيمة مروعة، تطلبت حشد إرادة كل مصرى لخوض حرب 1973، الأمر الذى تسبب فى إنهاك الاقتصاد المصرى، وحمل الطبقات الفقيرة أعباء ضخمة، جعلتها غير قادرة على تحمل المزيد من الضغوط الاقتصادية، بالإضافة إلى تضاعف معاناة الجماهير من قرارات الانفتاح الاقتصادى، التى كانت البداية لمخطط الخصخصة، وبدء تخلى الدولة عن مسئوليتها الاجتماعية، مكثفة وعودها عن الرخاء الاقتصادى والرفاهية، خصوصًا بعد زيارة ريتشارد نيكسون لمصر عام 1975، وما أحاطها من مبالغات فى حجم المساعدات الأمريكية لمصر، والرخاء المصاحب لها، أضف إلى ذلك تنامى الوعى بقضية الحريات السياسية، بسبب الجهود التى بذلتها قوى اليسار فى المجتمع المصرى والجامعات، والدعاية الواسعة لتوفير الحرية والديمقراطية، بعد أن خاض الشعب معركة ناجحة، قدم فيها آلاف الشهداء والمصابين، ففى ظل مناخ الدعاية المكثفة عن الرخاء إلا أن الجماهير فوجئت فى 17 يناير 1977 بإعلان حكومى صادم، يتضمن رفع الأسعار للسلع الأساسية، التى يتعايش عليها الفقراء ومحدودى الدخل مثل الدقيق والأرز والسكر والسجائر والبنزين والبوتاجاز، وجميع الأساسيات الضرورية، هذا التناقض بين الوعود والمتحقق، أدى لانفجار الأوضاع فى 18 يناير، وخرجت الجماهير بشكل عفوى من جميع المناطق الفقيرة والمحافظات، من أسوان لإسكندرية فى وقت واحد، وتركزت المطالب فى ضرورة تراجع النظام عن مسلسل رفع الأسعار، والعودة لدعم السلع الأساسية فى المجتمع، وعلى مدى 48 ساعة جرت حرب طاحنة فى الشوارع انهزمت فيها قوات الأمن، التى لم تستطع مواجهة حوالى 10 ملايين مصرى، نزلوا للشوارع وهم يقدرون بربع عدد سكان مصر فى تلك الفترة، الأمر الذى اضطر معه الرئيس السادات للاستعانة بالقوات المسلحة، بعد سحب قرارات رفع الأسعار، ما أدى إلى هدوء الأوضاع، واستعادة السلطة لزمام الأمور، بعد أن كاد السادات يغادر البلاد من أسوان، حتى لا تصل الثورة إليه، وظلت هذه الانتفاضة ذكرى كئيبة، ومصدر هلع للسادات، لدرجة أنه كان يصفها بانتفاضة الحرامية، رغم أنها انتفاضة شعبية رائدة، أكدت إرادة الشعب على مواجهة إرهاب الدولة. - هل يمكن سرد تفاصيل ما حدث فى هذه الثورة، باعتبارك شاهد عيان عليها؟ * نزل الجماهير للشوارع بشعارات كان يرددها اليسار فى الجامعات وفى الشوارع، تطالب برغيف الخبز والحياة الكريمة، فاصطدام الشعب بالأمن الذى اعترضها، ودارات حروب فى الشوارع، سقط خلالها 300 شهيد وآلاف الجرحى، وتحطمت عشرات السيارات، التى كانت تقل جنود الأمن المركزى، ومجنزرات الشرطة وغيرها، وأدى هذا الوضع - بعد استتباب الأمور للسادات وإحكام قبضته على الأمر - لشن حرب لقمع قوى اليسار المصرى، التى كانت قد حققت تواجدا كبيرا لها فى الجامعات ووسط العمال والفلاحين، كما ترتب عليها أيضا الانفجار الذى حدث، ما دفع السادات لحسم الخيارات الاجتماعية ضد الطبقات الفقيرة فى المجتمع، ومع رأس المال المسيطر، ومع الولاياتالمتحدة وإسرائيل، حيث تصور أن هذه الخيارات تحميه من غضب الشعب، وهو ما نتج عنه زيارته للقدس، وتوقيع معاهدة "كامب ديفيد"، واستمرار مسلسل التنازلات الاجتماعية وغيرها، وتحولت فيما بعد إلى تبعية كاملة للولايات المتحدةالأمريكية والغرب. - وكيف تعامل السادات مع الانتفاضة؟ * السادات تعامل مع الانتفاضة بحرفية سياسية بارعة، فقد أدرك سريعا أنه من رابع المستحيلات الاستمرار فى العناد، فتراجع فورا عن قرارات رفع الأسعار، واستفاد من هذا الدرس فى تقسيط قرارات رفع الأسعار، وعدم الإعلان عنها، حى لا تثير زوابع أخرى، مثلما حدث فى 18 و19 يناير 1977. - وكيف تعامل الجيش مع هذه الانتفاضة؟ * الجيش فى 1977 كان يمثل جيش الشعب المصرى المنتصر فى 1973، وعلى درجة عالية من التواصل مع الجماهير، وقد اشترط الفريق الجمسى آنذاك ألا ينجرف الجيش لاستخدام السلاح فى مواجهة الجماهير، وحافظ على نظافة سلاحه، ولم يستخدمه ضد الشعب، وهذا كان سبب هدوء العاصفة، بعد اصطدام الشعب مع جهاز الشرطة والأمن المركزى فى بداية الانتفاضة، وهذا التكتيك افتقده المجلس العسكرى عقب ثورة 25 يناير، حيث استجاب المتظاهرون لضغوط الداخلية من محمد محمود إلى ماسبيرو، ما خلق جفوة لم تكن موجودة فى 18 و19 يناير. - ولماذا لم تنجح انتفاضة 18 و19يناير إلا فى تخفيض الأسعار فقط؟ * لأن هذه الانتفاضة لم تكن ثورة بالمعنى العلمى للثورة، إنما انفجار عفوى، احتجاجا على زيادة الأسعار، وعندما تراجع النظام شعرت الجماهير بالانتصار، فهدأت خواطرها، وعادت إلى منازلها، وهذه الانتفاضة افتقدت لنفس ما افتقدته ثورة 25 يناير، وهو القيادة المنظمة، التى تقود الجماهير، وتنظم وتخطط لها، لمواجهة مؤامرات الثورة المضادة، وهو ما كان سبب امتصاص الزخم القائم للجماهير فى 18 و19 يناير، وكذلك سرقة ثورة 25 يناير، على النحو الذى نعيشه الآن. - هل تتذكر أبرز قادة الانتفاضة فى ذلك الوقت؟ * نعم.. لأنه صدرت أوامر بالقبض على 176 مناضلا يساريا وصحفيين وعمال ومهنيين، وكانوا رموزا نضالية، منهم المهندس كمال خليل والشاعر أحمد فؤاد نجم والشاعر زين العابدين فؤاد والصحفى صلاح عيسى وحسين عبد الرازق وأمين سالم المحامى، وعشرات آخرين، وأذكر هنا أن المستشار منير صليب حبيب أصدر حكما تاريخيا فى هذه القضية أدان فيه السلطة التى تعاملت باستهانة مع الشارع، ومطالب الجماهير الشعبية الفقيرة، وأعطى البراءة لجميع المتهمين، فيما نسب إليهم من اتهامات بالتخريب، وحرق الممتلكات العامة، ومحاولة قلب نظام الحكم، وكنت المتهم رقم "7" فى هذه القضية. - وهل تتوقع اندلاع ثورة جياع فى مصر، فى ظل التردى الحاد فى الأوضاع الاقتصادية؟ * نعم هذا وارد جدا، فى ظل الأوضاع المتردية، وما يشهده حال المواطن المصرى من نقص شديد فى احتياجاته، نتيجة غلاء الأسعار، وتزايد معدلات البطالة، خاصة أن الشعب المصرى كان ينتظر الكثير من وراء ثورة 25 يناير؛ أولها وضع حد لمعاناته، التى عاش فيها على مدار 30 سنة، إلا أنه فوجئ بأن الأوضاع تزداد سوءا، بعد أن أصبح الشغل الشاغل للإخوان هو كيفية الهيمنة على مفاصل الدولة، وهو ما يجعل ثورة الجياع قادمة لا محالة، بل إنها ستقتلع كل من يواجهها. - وما هو الشكل الذى ستكون عليه هذه الثورة؟ * أعتقد أن الاضطرابات ستكون نقطة البداية، اعتراضا على الفشل الحكومى فى معالجة مشكلات المواطنين، وتبخر حلم الرخاء الذى كان يتطلع إليه الشعب، فضلًا عن عدم تحقق أهداف الثورة "عيش – حرية – عدالة اجتماعية"، وهذا ما أدى إلى غضب الشعب، ودخوله المرحلة الثانية للثورة، وهى العصيان المدنى، ومع تزايد الضغوط والأعباء، ستندلع ثورة الجياع فى كل محافظات مصر فى وقت واحد، بالتنسيق بين القوى السياسية وبعضها البعض، وسيحاول الإخوان استخدام العنف فى مواجهتها، الأمر الذى ربما يتسبب فى انحياز الجيش للشعب، وسقوط حكم الإخوان فى النهاية.