ذكرى اليوم الثانى لانتفاضة جماهير الشعب 18 ، 19 يناير 1977 عندما تراءى لحكومة الرئيس الراحل أنور السادات أنه يمكنها رفع أسعار كافة المواد الاستهلاكية للشعب من الوقود إلى مفردات غذاء فقراء مصر!، بل ظنت حكومة وقتذاك أن مصر التي حاربت فى أكتوبر عام 1973 وانتصرت يمكنها أن تتحمل هذا الرفع المفاجئ للسلع وأخذ الشعب على غرة!، خاصة وأن الحكومة قد قررت صرف علاوة للعاملين بالدولة فى مستهل العام!،لكن حشود جماهير مصر فاجأت السلطة بما لم تتوقعه من غضبة جماهيرية عارمة رافضة تجويعها والاستيلاء على ما تملكه من دخل مربوط يكفى أقواتها بالكاد!، وليس أدل على فزع السلطة وقتذاك من المفاجأة التي حملتها غضبة الجماهير فى شبه عصيان مدنى عام من أن الرئيس الراحل أنور السادات كان وقت اندلاع «ثورة جياع مصر» فى أسوان، فما أن بدت الصورة أمامه واضحة من حيث خطورتها حتى بادر إلي طائرته تحمله إلي القاهرة وكان بصحبته الكاتب الراحل د. مصطفى محمود، الذى حكى لى شخصيًا فيما بعد أنه لما حاول أن يهدئ من غضب الرئيس وروعه أن الرئيس الراحل قال له بالحرف الواحد: لا يا مصطفى.. لا أقل من رقبتنا هذه المرة!!، وكان الرئيس يعنيها فيما يبدو!، خاصة وأنه ظل يحاول الاتصال بوزير داخليته وقتها دون أن يفلح فى ذلك!، وكان الجيش قد نزل بقواته إلى الشوارع لمساندة قوات الأمن التى لم يكن يمكنها صد موجات المتظاهرين ومحاولا التحطيم والإتلاف لبعض ما يصادفها من المبانى والسيارات الحكومية، ولعل عجز الرئيس عن الاتصال بوزير داخليته كى يتعرف منه على صورة دقيقة للموقف هو ما جعله لا يخفى غضبه على الوزير قائلا له: كنت فين يا..!، ولم يكن الرئيس يتوقع عنف هذه «الانتفاضة الجماهيرية» التي سماها فيما بعد وفى أول خطاب له «انتفاضة الحرامية»!، وأكد فى هذا الخطاب علي اتهام «الشيوعيين واليسار فى مجمله» بأنه وراء هذه الترتيبات الجماهيرية التي جعلت الحشود تشمل مصر من أقصاها إلي أقصاها!. وأصر الرئيس علي اتهامه!، فى حين أن فصائل اليساريين وقتها قد أصروا علي تبرئة أنفسهم من هذه التهمة!، وأكدوا علي أن غضبة المواطنين العارمة هى «انتفاضة شعبية» دون «حرامية» كما سماها الرئيس الراحل!، وكانت تقدير السادات أنه لابد من العدول عن الزيادات فى الأسعار التى أعلن عنها، والإبقاء علي الدعم الذى تقدمه الدولة لكثير من المواد وأولها الوقود، وبالفعل أعلن التراجع عن الرفع والإبقاء علي الدعم، لكن السادات رأى أن الشيوعيين والناصريين لم يقدروا له أنه قاد أول حرب منتصرة علي إسرائيل فى 1973، وأنه لابد أن يستعين بالإخوان المسلمين والتيارات التى تدور فى فلكها للعمل العنيف داخل الجامعات ضد طلاب وأساتذة اليسار والناصرية!، واستعان السادات بتنظيم الجهاد الذى كان «راديكاليا» فى عداوته لنظام الحكم وفقًا لمعتقداته التي لا ترى وجهًا للولاء لحكم بشر، حيث إن الحاكمية لله!، وقد انتهى الأمر إلي اغتيال السادات بواسطة تنظيم الجهاد على النحو الذى عرفته مصر فى أكتوبر 1981!، وقد كان السادات ذكيًا عندما تعامل مع الانتفاضة الشعبية بحزمٍ شديد عندما طلب إلي الجيش التدخل، والحسم الواجب فى إلغاء رفع الأسعار، مما جعل السادات يتغلب على أول أزمة عنيفة تواجهه من خلال ثلاثة أيام من وقوعها، فقد ألغى حظر التجول الذى فرضته قوات الجيش ليرفع الحظر يوم 21 يناير، وظنى أن السادات كان يرتب لعمليته الكبرى بقفزته إلى القدس مفاجئًا الشعب المصرى والعالم العربى بأسره، فقد أجرى الكثير من التغييرات التي هيأت الأجواء لهذه القفزة، وفى مقدمتها الإعلام المصرى الذى سانده بالكامل، وسفر بعض القيادات الاعلامية التي اختارها معه إلى القدس، ولكن ما تخلف عن انتفاضة يناير أن الحكومات المتعاقبة قد كفت عن إعلان رفع الأسعار، بل يتم هذا فى هدوء، وباسم التحريك لا الرفع.