مثلما لم تعرف كيف كان إلغاء السنة السادسة من التعليم الابتدائى مفيدًا لتطوير التعليم، لم تعرف كذلك كيف كانت استعادتها تصحيحًا لخطأ، لأن أحدًا لم يناقشك فى هذا الخطأ من الأساس. أستقبل عادة التغييرات الوزارية بمنطق سنة سادسة، ربما لأنى كنت من الدفعة المزدوجة التى تم تجريب الأمر عليها، فأنتجت فى النهاية تكدسا هائلا فى الأماكن داخل الجامعات بعد عبور الدفعتين معًا نفق الثانوية العامة. لن تعرف–حتى لو اجتهدت–معايير اختيار الوزراء فى مصر، كما أنك لن تعرف أسباب استبعادهم، ولا مغزى إجراء التغيير والهدف منه، حتى لو حدثوك بالعبارات الإنشائية «سابقة التجهيز» حول الحكمة من ورائه. مثلما كانوا يحدثونك عن حكمة إلغاء سنة سادسة، ثم عادوا ليحدثوك عن حكمة استعادتها، وإلغاء الإلغاء. كيف تعرف كل ذلك إذا كان الوزراء أنفسهم لا يعرفون لماذا يجيئون بهم، ولماذا يطيحون بهم أيضا بشكل مفاجئ، دون أن يحصل أغلبهم على فرصة «العلم بالشىء» قبل حدوثه فيفاجأ به فى الصحف مثله مثل أى قارئ، وكأنه الموت الذى يأتى بغتة. وعندما تنظر إلى التشكيل الوزارى الثانى الذى يقوم عليه المهندس إبراهيم محلب ستجد فلسفة سنة سادسة حاضرة، فالرجل هو الرجل الذى دمج وزارة الاستثمار مع التجارة والصناعة، ثم خرج عارضا فلسفة مهمة من وراء عملية الدمج، وأهمية أن يضطلع وزير واحد بملفات التجارة والصناعة والاستثمار وقطاع الأعمال، وعاد الرجل نفسه ليشكل حكومة جديدة، ويبادر بفصل ما سبق ودمجه. لا تحاول أن تسأل عن فلسفة الفصل، لأنك لم تعرف من قبل فلسفة الدمج. هو نفسه المهندس محلب الذى دمج وزارة التنمية المحلية مع وزارة التنمية الإدارية، وبرر ذلك بالربط بين ما تضطلع به الوزارة الأولى من عمل تنموى يتطلب قدرًا واسعًا من إعادة تأهيل الجهاز الإدارى للدولة باعتباره المشكلة الأهم فى عملية الإصلاح، لكن محلب الثانى، أعاد وزارة التنمية المحلية وزارة منفصلة، وألغى وزارة التنمية الإدارية تماما، بينما كلف وزير التخطيط بمهام الإصلاح الإدارى. هل ما زلت مصرًّا أن تعرف الفلسفة من وراء التعديل الوزارى، أو الحكومة الجديدة التى يديرها الرجل نفسه بغالبية وجوه حكومته القديمة؟ هناك وزير على سبيل المثال قال إنهم أبلغوه أنه غير مستمر، لكن بعد تداول بدائل كثيرة له، تم إبلاغه مرة أخرى أنه مستمر. هل تعتقد أنه كانت توجد أى فلسفة وراء محاولة تغييره، أو توجد أى فلسفة وراء الإبقاء عليه. قد تكون هناك فلسفة فى استبعاد د.ليلى إسكندر من مكانها كوزيرة للبيئة، فالسيدة وقفت ضد قرار الحكومة استخدام الفحم، وتمسكت بمعارضتها داخل مجلس الوزراء، واستبدال وزير مؤيد لاستخدام الفحم بها مفهوم فى ظل حسم الحكومة لأمرها فى هذا الشأن وعدم اكتراثها بالاعتراضات البيئية والفنية. لكن ما فلسفة تكليفها بوزارة جديدة اسمها التطوير الحضارى والعشوائيات، وقبولها أداء اليمين دون أن تعرف مهام وزارتها ولا صلاحياتها؟ والأهم: هل ينسجم التطوير الحضارى مع استخدام الفحم؟ وهل موقف ليلى إسكندر وهى فى «البيئة» سيكون مختلفًا وهى فى التطوير الحضارى من استخدام الفحم الذى لا يعبر سوى عن ردة حضارية؟ الفلسفة الأهم ربما تكون ظاهرة فى إلغاء وزارة الإعلام، القرار منسجم مع فلسفة الدستور وليس إلزامه، فلا توجد دولة متطورة فى العالم لديها وزير إعلام، لكن إذا كان ذلك كذلك، ألا يسرى الأمر ذاته على وزارة الثقافة؟ لماذا يكون لدينا هيئات إعلامية مستقلة تدير ملف الإعلام، ولا تقوم الهيئات والمجالس الثقافية بإدارة ملف الثقافة، طالما أن الأمر يستجيب لروح الدستور وأهدافه؟! الخلاصة أنه لا توجد فلسفة واضحة من وراء هذا التشكيل، تجعلك تفهم ما تريده هذه الحكومة، وبأى أدوات ستحقق ما تريد، إلا إذا كانت الفلسفة هى إن «مفيش فلسفة».