في الوقت الذي تبحث فيه مصر عن مصادر للطاقة غير مكلفة وصديقة للبيئة تتبنى مافيا الفحم حملة دعائية موجهة للشعب المصري كي تقنعه بأن المستقبل في الفحم.. ومن المفارقات أن تلك الشركات التي لم تقم بعمل اعلان واحد منذ أن تم خصخصتها تضخ الآن حملات اعلانية تكلف الملايين من جيب دافع الضرائب لكي تقنع الناس بأن الحل الوحيد لأزمة الطاقة يتمثل في اللجوء للفحم وكأنها تتعامل بمنطق إقناع المصريين بأن يتناولوا دواء هى أول من تعلم أنه فاسد وأنه سوف يقضي على المريض لا محالة مهما رددت إعلاناتهم التي تسعى لاقناع المواطنين بأن اللجوء لهذا النوع من الطاقة. نحو الاستخدام الآمن للفحم.. قد يتساءل البعض وماذا تستفيد هذه الشركات من وراء هذه الحملات بعد أن اقتنصت قراراً وزارياً يسمح باستخدام الفحم.. الإجابة واضحة هي أن تتنصل من «ضريبة الكربون» وأن تمارس عملية ابتزاز جديدة للحكومة كي تفرج عن 7 تراخيص ل 7 مصانع أسمنت جديدة لا تدري الحكومة كيف تدبر لها الطاقة وبالتالي توقف انشاء هذه المصانع فإذا ما تم تعميم استخدام الفحم سيسارع أصحاب هذه الشركات بانشاء المصانع الجديدة والفحم المستورد جاهز.. وبدلاً من أن يكون لدينا نحو 11 مصنع أسمنت تعمل بالفحم سيكون لدينا 20 مصنعاً تعمل بنفس الطاقة، لذلك من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة حرباً ضارية جديدة ضد المصادر الجديدة والمتجددة للطاقة وسيخرج علينا من يتكلم عن ضخامة الاستثمارات المطلوبة في الطاقة الشمسية وآخرون يتحدثون عن المخاطر في الطاقة النووية حتى تظل مصر رهينة في أيدي مافيا الفحم التي ستكون أكثر شراسة في الاحتكار وتحقيق الأرباح الضخمة من أي جماعة احتكارية ظهرت من قبل لأن خطورة هذه الجماعات الاحتكارية الجديدة التي ستظهر أنها ستضمن في اليد اليمنى احتكار الاسمنت وفي اليد اليسرى احتكار الفحم.. ولا عزاء للشعب الذي سيدفع ثمن كل ذلك مرتين، مرة بمزيد من الإفقار عندما يذعن للأسعار الاحتكارية للأسمنت ومرة ثانية من صحته عندما سيضطر لاستنشاق ثاني أكسيد الكربون والغازات السامة في كل مكان يذهب اليه حيث تنتشر المصانع بطول البلاد وعرضها، ومن المؤسف أن الحكومة لم تعد تشغل بالها بالقضية واكتفت وزارة البيئة بتشكيل لجنة لتحديد مواصفات الاستخدام الآمن للفحم لتفاجأ الجماهير بقرار حكومي منذ يومين برفع أسعار الغاز للمنازل بنسبة 400٪ مرة واحدة وهو ما اعتبره المراقبون قراراً يدعم أباطرة الأسمنت والفحم وتناست الحكومة ما تمتلكه مصر من إمكانات غير محدودة في مجال الطاقة المتجددة نستعرضها خلال الملف التالي!! وافقت الحكومة على استخدام الفحم ضمن منظومة الطاقة في مصر مع الالتزام بوضع الضوابط والمعايير البيئية والحصول على موافقة دراسات تقييم الأثر البيئي في كل مراحل استيراد وتداول وتخزين واستخدام الفحم واتباع أحدث التكنولوجيات التي من شأنها تقليل الانبعاثات الى أقل درجة ممكنة كما تدعم التوسع في استخدام المرفوضات في المخلفات البلدية والزراعية في صناعة الأسمنت حتى 40٪ من الطاقة المستخدمة وذلك في أقرب وقت ممكن، كذلك التوسع في استخدام الطاقة المتجددة بحيث تصل الى نسبة حاكمة في مزيج الطاقة في مصر، الأمر الذي من شأنه خفض الانبعاثات الضارة خاصة في المناطق السياحية والآهلة بالسكان وأقر مجلس الوزراء الالتزام بإجراءات الوقاية الموصى بها في منظمة الصحة العالمية وإلزام الهيئات والشركات والمصانع التي تتعامل في تصنيع أو استيراد أو نقل أو تخزين واستخدام الفحم بجميع الاجراءات. كما تقرر العمل على تعديل قانون البيئة بزيادة العقوبات على الجهات المخالفة للضوابط والمعايير وفرض ضريبة على استخدام الفحم أسوة بالدول الأوروبية وكل الدول المستخدمة للفحم.. توجه حصيلتها لمواجهة المخاطر الصحية لانبعاثات حرق الفحم.. ومع ذلك لم تحدد قيمتها بل تعرضت لضغوط نفس رجال المال والأعمال، أباطرة الأسمنت لعدم إقرارها ولحين التفاوض في نسبتها المناسبة لهم ولو على حساب صحة جموع المصريين وتحت زعم مساهمة الفحم في حال أزمة الطاقة والكهرباء. الفحم ليس الحل! أزمة الطاقة والكهرباء والذي وصف الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة من يدعى أنها ستنتهي خلال عام بأنه يضحك على المصريين، فهى أزمة لن تنتهي قبل ثلاث سنوات من الآن ولكن يمكن تخفيفها دون أن يشعر المواطن بقطع التيار من خلال ربط محطات توليد الكهرباء المقرر ربطها بالشبكة قبل الصيف والتي ستوفر حوالي 3000 ميجاوات مما سيساعد على مواجهة الأزمة في الصيف المقبل وسوف تكون هناك حاجة من 1000 الى 1200 ميجاوات أخرى لسد النقص وتلبية الاحتياجات خاصة في فترات الحر الشديد التي تقلل من قدرة التوربينات على توليد الكهرباء.. ولذلك ووفقاً لتصريحات السيد وزير الكهرباء فهناك ضرورة لتشجيع القطاع الخاص للدخول في عمليات إنشاء المحطات الكهربائية سواء المحلي أو الأجنبي خلال السنوات المقبلة مع التفكير الجدي في بدائل أخرى بخلاف استخدام الغاز الطبيعي كوقود لمحطات الكهرباء وانشاء محطات نووية لتوليد الطاقة وأن نتيجة مصر لإنتاج الكهرباء من الفحم بتشغيل المحطات بهذا المصدر الأولى من الطاقة وبالتالي الاعتماد مع الوقت على خليط الطاقة الجديدة والمتجددة وغيرها. وبالفعل ووفقاً لتصريحات وزير الكهرباء تمت الموافقة على استخدام الفحم لأول مرة لإنتاج 13 ألف ميجاوات وأنه يجري استكمال دراسة انشاء أولى محطات الفحم وتوفير مصادره وتوقيع عقود لاستيراده ودراسة الموانئ التي يمكن أن تستقبله كما سيتم استغلال المساقط المائية من خلال الضخ والتخزين أعلى جبل الجلالة والعين السخنة وأسوان لإنتاج الكهرباء النظيفة بالاضافة للتوسع في استغلال طاقة الشمس والرياح وطرح العديد من المشروعات للتنفيذ عن طريق القطاع الخاص كما يجري دراسة انشاء محطات توليد باستغلال طاقة باطن الأرض بعد أن أكدت الدراسات وجود احتمالات كبيرة لهذه الطاقة بوسعها أن تسمح بإنشاء محطات بطاقة تصل لأكثر من 20 ميجاوات في العديد من المناطق. ونظراً لمحدودية الوقود الأحفوري - كما يقول وزير الكهرباء - فإن قطاع الكهرباء ينتهج سياسة تنويع مصادر الطاقة كجزء من استراتيجية أمن الطاقة ولذلك يقوم القطاع بإعداد دراسة جدوى اقتصادية لانشاء محطة كهرباء تعمل بالفحم ورشح لها موقع سفاجا باعتبار أن الخطة سوف تعتمد على استيراد الفحم لمحدودية وجود الفحم في مصر وهو لا يوجد في منطقة المغارة بسيناء وبكمية محدودة لا تكفي الا لمحطة صغيرة.. المعلومات السابقة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن النية كانت مبيتة لاستخدام الفحم لتعظيم أرباح رجال المال والأعمال في حكومة رجال المال والأعمال.. فالجميع يعزف سيمفونية واحدة ولتذهب صحة المصريين للجحيم!! تغير مواقف! الدكتورة ليلى اسكندر، وزيرة البيئة، والتي سبق ووقفنا معها في حربها ضد أباطرة الأسمنت، وحيتان المال والأعمال الرافعين لواء الفحم ولو على حساب صحة المصريين وبعد خسارتها المعركة والتي سبق وأعلنت نيتها تقديم استقالتها اذا ما تمت الموافقة على استيراد واستخدام الفحم، اعترفت بفشلها في اقناع مجلس الوزراء بحجم المخاطر المترتبة على استخدام الفحم وتأثيراتها على الصحة والبيئة والسياحة وأنها مضطرة للتعامل مع الواقع ووضع اشتراطات ومعايير بيئية لاستيراد الفحم تمهيداً لاستخدامه والعمل في جانب واحد كحكومة واحدة ولا يجوز أن يكون بها انشقاق ولذلك يقوم حالياً فريق عمل بوضع الشروط والمعايير البيئية لتنظيم عمليات الاستيراد والنقل والتخزين والتداول للفحم ولكي نتمكن وفقاً لرأيها من حماية المصريين وتلك الحماية من وجهة نظر وخطة وزيرة البيئة تتم من خلال 3 فرق، الفريق الأول يعكف حالياً على النظر في تعديل قانون البيئة فيما يخص استيراد الفحم والفريق الثاني الفني يضع الاشتراطات والمعايير البيئية المطلوب توافرها أما الفريق الثالث فيقوم بقياس الانبعاثات الضارة الناجمة عن استيراد الفحم وتداوله. ولم تكتف وزيرة البيئة باستسلامها لقرار استخدام الفحم بعد اعترافها بالهزيمة بل وجدتها تنفي أي ضغوط للمافيا أو حتى لنقص الغاز ورفع دعمه لمصانع رجال المال والأعمال. وبالفعل وبعد مرور أسبوع واحد على اعتماد مجلس الوزراء «الفحم» ضمن منظومة الطاقة في مصر سارع عدد من شركات الأسمنت بالتقدم الى وزارة البيئة بدراسات تقييم الأثر البيئي تمهيداً للحصول على موافقات استيراد واستخدام الفحم في مصانعهم. وفي نفس الوقت وجدنا السيد «عمر مهنا» عضو مجلس ادارة مجموعة السويس للأسمنت يشير لعدم وجود مخاوف من تعطيل وزارة البيئة لاستصدار الموافقات بسبب موقفها الرافض لاستخدام الفحم، بل ويدعو الى سرعة اقرار المعايير البيئية المنظمة لاستخدام الفحم وأكد أن مزيج الطاقة المتوقع اعتماده لتشغيل افران الاسمنت قد يعتمد في 75٪ منه على الفحم الحجري وفحم الكوك البترولي و5٪ غاز ومازوت و25٪ مرفوضات أو مخلفات استجابة لمطالبات مجلس الوزراء بزيادة الاعتماد على المخلفات.. جدير بالذكر أن عمر مهنا الذي أكد ثقته في عدم تعطيل وزارة البيئة لاستصدار موافقات استخدام واستيراد الفحم هو من كان يقود معركة أباطرة الاسمنت ضد وزارة البيئة، ولكن على رأي المثل اعداء الأمس أصدقاء اليوم ولو على حساب صحة المصريين والتي سبق وقالت عنها إن استخدام الفحم يدمرها وعلى وجه الخصوص يدمر المخ والأعصاب والرئتين علاوة على انبعاثاته التي تمتد لمسافة ال 1000 كيلو متر وتحمل جسيمات دقيقة مثل الزئبق والديوكسين وكذلك انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 70٪ ومخالفة ذلك لسياسات الدولة المعلنة في التنمية الاقتصادية الأقل اعتماداً على الكربون وإضعاف موقفها التفاوضي الدولي فيما يتعلق بتأثيرات التغيرات المناخية على الدلتا وارتفاع التكلفة المجتمعية الناجمة عن الآثار الصحية الناتجة عن استخدام الفحم. الفحم الذي يعتبر أكبر مصدر لانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم والمسئول الأول عن ظاهرة الاحتباس الحراري ويأتي انبعاث هذا الغاز المدمر من احتراق الفحم وذلك وفقاً لأحدث تقارير منظمة السلام الأخضر العالمية والتي أكدت مسئوليته في أربعة من خمسة أسباب تؤدي للوفاة في العالم وهى أمراض القلب والسرطان بأنواعه المختلفة والسكتة الدماغية وأمراض الجهاز التنفسي، الفحم المتسبب في موت 36 ألف أمريكي سنوياً بسبب تلوث الهواء من محطات توليد الطاقة بالفحم والذي يصيب أيضاً نحو 554 ألف انسان سنوياً بنوبات تنفسية! وكان أول رد فعل على قرار حكومة محلب باستيراد واستخدام الفحم في منظومة الطاقة الى رفع أول دعوى قضائية اقامها المواطن المصري هاني سمير علي وتضامن فيها خالد علي مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبعض منظمات المجتمع المدني ضد رئيس مجلس الوزراء والزامه بمنع استيراد خام الفحم لشركات الأسمنت وتأجلت القضية ل 10 مايو المقبل لاستدعاء وزيرة البيئة وسماع شهادتها، فهل سنرى تكرار مواجهة في ساحة القضاء بعد التغيير الذي طرأ على موقف الدكتورة ليلى اسكندر التي كنا نظن أنها ستقاتل لآخر نفس وتنفذ ما سبق وأعلنته باستعدادها للاستقالة اذا ما سمح بدخول الفحم الى مصر وبعدما وصفت قرار حكومة محلب باستخدام الفحم ب «الكارثة الاخلاقية»!!