طغى القرار السياسي على التطورات الميدانية في العراق أمس، حيث أطلق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وسط الأنباء عن زيارته مدينة سامراء الرمزية، عملية «تطهير المدن» من المسلحين، في وقت تركز معظم الاشتباكات في محافظة ديالى في شرق البلاد، في عملية يهدف من خلالها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الى فرض سيطرته على مركز المحافظة، مدينة بعقوبة، وتطويق بغداد من جهة الشرق. وفي بيان تعكس لهجته تخوف السلطات من انتشار حال القلق في البلاد، أعلن نوري المالكي أنّ القوات العراقية «الباسلة وبإسناد وطني شامل وإجماع دولي واسع استعادت المبادرة وبدأت عملها لتطهير كل مدننا العزيزة من هؤلاء الإرهابيين»، داعياً في الوقت ذاته العراقيين إلى «عدم الالتفات لحرب الشائعات التي يبثها الطابور الخامس وتنتشر بين الناس عن قصد أو غير قصد في محاولة لإضعاف معنويات المواطنين والقوات المسلحة كما حدث في مؤامرة الموصل العزيزة». وقال إن «العراق يمر الآن بمنعطف خطير ومؤامرة كبرى تستهدف وجوده وتسعى لجعل بلاد الرافدين ومهد الحضارات قاعدة للتكفير والكراهية والإرهاب»، مضيفاً أنّ «أمة تمتلك كل هذا التاريخ العظيم وشعباً ورث كل هذه الحضارات واحتضن كل هذه المقدسات لا يمكن أن يخضع لسيطرة مجموعات من الظلاميين والتكفيريين». وجاء في التقرير الذي نُشِر في جريدة «السفير اللبنانية»، في إشارة إلى دور المرجعية الدينية الأساسي في تحديد وجهة التطورات في البلاد، قال رئيس الوزراء العراقي «لقد وقفت المرجعية الدينية العليا كما عودتنا دائما إلى جانب العراق وشعبه استشعارا لحجم الخطر الداهم وعمق المؤامرة الخبيثة، فدعت كل المواطنين العراقيين القادرين على حمل السلاح إلى التطوع في القوات المسلحة والانخراط في تشكيلاتها ومساندتها بكل ما تستطيع، معتبرة ذلك واجبا شرعيا، فضلا عن كونه واجبا وطنيا، وقد وجهنا باستيعاب جميع المتطوعين». وتابع «تضافرت النداءات من المرجعيات الشيعية والسنية بضرورة الاندفاع لمساندة القوات المسلحة في جهادها لدحر الإرهابيين ورد كيدهم إلى نحورهم»، مضيفاً «نأمل أن يكون ذلك مثالا يحتذى لجميع المرجعيات الدينية والسياسية والزعامات العشائرية والقوى المدنية وكل الحريصين على هذا الوطن ووحدته وتاريخه ومستقبله». في غضون ذلك، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية - وعدد من المواقع الإخبارية - عن محافظ صلاح الدين أحمد عبد الله تأكيده أنّ رئيس الوزراء العراقي زار مدينة سامراء أمس، الواقعة على بعد نحو 110 كيلومترات شمال بغداد، والتي يحاول مسلحون متطرفون اقتحامها والسيطرة عليها. وكان عبد الله قد أشار في حديثه إلى وكالة الصحافة الفرنسية إلى أنّ المالكي سيجتمع مع قادة أمنيين وعسكريين في المدينة، بينهم قائد عمليات سامراء الفريق الركن صباح الفتلاوي. وتحوي سامراء «مرقد الإمامين العسكريين»، الذي أدى تفجيره العام 2006 إلى اندلاع نزاع طائفي قُتل فيه آلاف الأشخاص. وبشأن التطورات في سامراء ومحيطها، ذكرت مصادر أمس، أنّ «المقاتلين الجهاديين»، الذين سيطروا على مناطق واسعة من شمال العراق خلال الأيام الأخيرة، أرسلوا تعزيزات كبيرة الى محيط مدينة سامراء التي حاولوا دخولها أمس الأول قبل أن تصدهم القوات الحكومية. وأوضح شهود في قضاء الدور الواقع بين مدينة تكريت، مركز صلاح الدين التي يسيطر عليها المسلحون، وسامراء، أنّ «أعداداً لا تُحصى من السيارات التي تحمل المقاتلين توجهت منذ مساء أمس (أمس الأول) وحتى صباح اليوم (أمس) نحو محيط سامراء»، في ما يبدو عملية حشد قبيل هجوم محتمل على المدينة. وسجلت أبرز التطورات الميدانية أمس في محافظة ديالى في شرق البلاد، المحاذية للحدود الإيرانية. وواصل الجيش العراقي خوض اشتباكات مع المسلحين الذين يحاولون السيطرة على قضاء المقدادية بعدما مروا في ناحيتي السعدية وجلولاء القريبتين، في طريقهم إلى مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى، وفقاً لمصادر أمنية وعسكرية. وفي بعقوبة، قالت مصادر إنّ القوات الأمنية والعسكرية أجرت عملية انتشار كثيف في أنحاء متفرقة من المدينة تحسبا لاحتمال وصول المسلحين إليها. ولم تؤكد المصادر الامنية والعسكرية الجهة التي ينتمي اليها المسلحون في ديالى، لكن تنظيم «داعش» أعلن على حسابه الخاص بمحافظة ديالى على موقع «تويتر» عن اشتباكات يخوضها في المقدادية. وفي بغداد، وضعت السلطات العراقية خطة أمنية جديدة تهدف إلى حماية العاصمة ومحيطها من أي هجوم محتمل، بحسب ما أفاد المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن، أمس. وقال معن «وضعنا خطة جديدة لحماية بغداد»، مضيفا «اليوم الوضع استثنائي وأي عملية تراخ قد تسمح للعدو بأن يحاول مهاجمة بغداد ... ويجب أن يكون هناك استعداد». وذكر أنّ الخطة تشمل «تكثيف انتشار القوى وتفعيل الجهد الاستخباراتي و(زيادة) استخدام التقنية مثل البالونات والكاميرات والأجهزة الأخرى، إضافة إلى التنسيق مع قيادات العمليات في محافظات أخرى، ورفع الروح المعنوية للمقاتلين». وعن إمكانية استقدام قوات من أماكن أخرى، قال معن «القوة الموجودة في بغداد كافية، ولكن هناك رغبة في الشارع للتطوع» استعدادا لأي هجوم محتمل. في موازاة ذلك، أمرت وزارة الاتصالات العراقية الشركات التي توفر خدمة الانترنت في البلاد بحجب مواقع وتطبيقات للتواصل الاجتماعي بينها «فيسبوك» و«تويتر» و«واتس آب». في غضون ذلك، قال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان روبرت كولفيل، في إفادة صحافية في جنيف أمس، إنّ «حجم الخسائر بين المدنيين ليس معروفاً بعد ولكن التقارير التي تلقتها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق حتى الآن تفيد أن عدد الذين قتلوا في الأيام الأخيرة قد يصل إلى المئات ويقال إنّ عدد المصابين يقترب من ألف». وتابع أنّ لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق شبكة اتصالات خاصة بها وأجرت مقابلات مع عدد من الذين نزحوا من الموصل وعددهم 500 ألف. وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن هناك أيضاً تقديرات بأن 40 ألفا آخرين نزحوا من مدينتي تكريت وسامراء.