هل ندخل سنة جديدة من سنوات الزمن بالذقن والعباءة والزبيبة والجلباب والسجادة والسبحة والطرحة والنقاب؟! هل التيارات الدينية إخوان وسلف وجماعات التى تمهد لإقامة الخلافة الإسلامية هى إنجازاتنا مع صفحة جديدة من الألفية الثالثة؟! هل تمصير نسخة من هيئة وهابية الصنع مثل «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» هى هديتنا لسنة 2012؟! هل نستقبل بدايات عام جديد بأجندة تغطية النساء وتحريم عمل المرأة وتحريم الغناء والرقص والسينما والمسرح والتماثيل والآثار والسياحة وكل شىء فى الحياة يؤدى إلى البهجة والمرح والتسلية؟! إن أبشع الأمور أن يحاول إنسان له مثل باقى البشر وعليه ما عليهم أن يحكمهم ويتحكم فى عقولهم وأرواحهم وأجسادهم ومصيرهم وأحلامهم وطعامهم وشربهم وملبسهم وضحكاتهم وكيف يمضون النهار وكيف يقضون الليل باسم «الدين». ذلك الإنسان الذى يعطى لنفسه حق أن يكون حاكما باسم الدين ليس أفضل عقلا وليس أسمى خلقا من الذى يريد أن يوقع عليه حكمه الخاص. نقول حكمه «الخاص» لأن «الدين» له ألف حكم وله ألف تفسير وله ألف وجه وله ألف معنى ظاهر وله مليون معنى باطن. كما أن الدين حين ينتقل من مرحلة الإيمان الخاص الصامت إلى مرحلة الدعوة المنظمة والتبشير المخطط نكون أمام فعل «سياسى» وليس فعلا «دينيا». الدين إذا تحول من علاقة شخصية بين الإنسان وربه وأصبح علاقة «مجتمعية» بين مرشح وناخب نكون أمام الدين ليس من أجل التقرب من الله، ولكن أمام السياسة من أجل التقرب من الحكم. بمعنى آخر تحول الدين إلى أيديولوجية سياسية. ويشهد التاريخ فى كل عصوره على أن الدين منذ بداياته كان دائما وأبدا أيديولوجية سياسية لتغليب سلطة سياسية طامعة فى الحكم على سلطة سياسية منافسة. وتلعب التيارات الدينية السياسية اللعبة السياسية كما هو متفق عليها. كونها تحت اسم الدين لا يمنعها مثلا من التضحية بأخلاقيات جوهرية موجودة فى جميع الأديان مثل النزاهة قولا وسلوكا، الأمانة، الصدق، نظافة اليد، نظافة اللسان، عدم إكراه الآخرين، عدم إيذاء الآخر المختلف، وعدم تلقى الأموال لتدعيم الدعاية والتحرك السياسى. وغيرها. وهذا منطقى ومتسق مع أهداف تلك التيارات ومع أهداف لعبة السياسة التى تدوس على كل الأشياء من أجل الجلوس على كرسى السيطرة والهيمنة والتنفيس عن العقد النفسية المختلفة. هكذا هى لعبة السياسة فى العالم كله. الدين إذن عند التيارات الدينية لا بد أن يتبع قواعد اللعبة. الدين أصبح مكونا سياسيا متغيرا تكتيكيا. الدين يتسيس. هو ليس معاملة، وليس محاسن الأخلاق، وليس مكارم السلوك. لكن الدين هو آلية من آليات كسب الأنصار وأداة سياسية مضمونة للفوز بأصوات البسطاء عقلا ومالا. الدين عند تلك التيارات هو فرصة لإتقان اللعبة السياسية أكثر وإقصاء التيارات المدنية التى تراها مجتمعات مثل مجتمعاتنا مرادفة للكفر والإلحاد واللا دين. تلقى المعونات، الغش، الكذب، إكراه الناس، غسيل العقول، الافتراء على الآخرين، التصريحات الزعامية، السطو على جهود الآخرين، شتائم واتهامات وإدانات بدون دلائل فى حق التيارات الأخرى، التضليل، تعمد إثارة البلبلة وغيرها من أسلحة السياسة التى تستخدمها التيارات السياسية الطامحة إلى الحكم، سواء دينية أو لا دينية. إن لعبة السياسة تبيح استخدام جميع الأسلحة، طالما أنها قد تؤدى إلى الاقتراب من كرسى الحكم. ولذلك نجد أن الكثير والعديد من خيرة الناس يبقون بعيدا عن لعبة السياسة التى لا تعرف قانونا يعدلها، أو خلقا يردعها أو ضميرا يؤنِّبها. السياسة هى فن «كيف تلعب بالذى يمكن أن تغلب به؟» هذا هو القانون الأوحد فى لعبة السياسة. وإذا كانت لعبة السياسة لا ضمير لها إلا كيف تربح وكيف تفوز وكيف تنتصر حتى على جثث البشر وهذا ينطبق على جميع اللاعبين فى السباق؟ لكنه يصبح أكثر نفورا حينما يتستر وراء أشياء تخفى وتنفى هذه الحقيقة العضوية الجوهرية. ويصبح النفور أشد فجاجة حين يتستر اللاعبون بالأديان. لكن التيارات الدينية السياسية لا تدرك هذا التناقض، كيف تتكلم باسم الأديان وهى تلعب لعبة لا دين لها؟! لا خلق لها، لا ضمير لها إلا «ورقة الفوز على جثة الآخرين وبفلوس الآخرين؟! والناس أيضا لا يبدو أنهم يدركون أن هذا التناقض يستحق وقفة تأمل. لأنهم يجارون الوضع كما هو دون تساؤل، وكأن الأصل هو السياسة الميكيافيلية الانتهازية. وأن السياسة النظيفة النزيهة وهْم ومحال وأيضا سذاجة وفشل. المفروض عند الناس البسطاء خاصة أن الكلام فى الدين يؤدى إلى إنسان أعلى خلقا. وبالتالى تكون التيارات ذات المرجعية الدينية هى تيارات أكثر تقوى، أكثر عدلا أكثر خلقا أكثر مودة أكثر حبا للناس، وللحياة أكثر دعوة إلى الحرية أكثر ترحيبا بالبهجة وأكثر احتفاء بالجمال، أكثر نزاهة أكثر صدقا أكثر أمانة أكثر رحمة. عندما أسمع وأقرأ تصريحات التيار الإسلامى والسلفيين وظهور «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر». وحين أرى الشارع المصرى وقد تحول إلى الذقون والجلاليب والعباءات والنقاب. وعندما أشاهد البرامج التليفزيونية الدينية فى التليفزيون المصرى أو المواد الدرامية التى تقطع لرفع الأذان، وحينما تواجهنى مشاهد من تراجع النساء المصريات عن حقوقهن وحريتهن وكرامتهن لإرضاء الذكور، وكيف أن الرجل المصرى يؤيد ثورة الوطن ويكره ثورة المرأة، عندما أستعيد الشريط الحياتى الكامل لمصر سنة 1960 وأقارنه بالشريط الحياتى الكامل لمصر سنة 2012 أشعر أن التيارات السياسية بمرجعية الحكم الإسلامى عندها كل الحق فى أن لا تعتبر هذا الزمن فرصة ذهبية. أليست الشعوب -فى النهاية- تستحق حكامها؟! من واحة أشعارى أطوى صفحات الزمن كأنها صفحات من ورق اليوم أبدأ مع البدايات أحزان.... وأمنيات ولكن لماذا الحزن؟ ولماذا التمنِّى؟ وأنا لم يعد شىء يحزننى أو يفرحنى