عزيزتى 2011.. استقبلناك بمأساة تفجير كنيسة.. أشلاء ودماء وجثث.. حزن وغضب، وحشد لثورة قررنا نحن موعد انطلاقها، ثم قررنا أيضا يوم غضبها.. المصريون جبارون حتى إنهم حددوا تاريخ غضبهم، والساسة فى كل مكان وزمان أغبياء حمقى حتى إنهم يستهينون بشعوبهم دوما. عزيزتى 2011.. كنت واضحة فى بدايتك.. ثورة نظيفة سلمية.. سقط فيها شهداء.. دمهم خير دليل على استشهادهم، وقتلة يتباهون بآثار الدماء فى أياديهم.. وأغلبية ثائرة يتكالب عليها قلة من اللئام، ثم انتصار واضح بإعلان لتنحى رأس النظام، استجابة لأغلبية لا تشاهد القناة الأولى ولا تقرأ الصحف الرسمية ولا تثق بمذيعى التوك شو المراوغين. عزيزتى 2011.. كنت مبهجة عندما علا صوتنا فيك لأول مرة بهتاف خرج من القلب: «ارفع راسك فوق.. إنت مصرى»، وكنت سخيفة عندما قررت كسر أعناقنا ورؤوسنا المرفوعة لتجبرينا على تنكيسها حزنا لا ذلا.. قهرا لا خزيا. عزيزتى 2011.. كنت باهرة عندما شهدنا فيك شعبا طيبا يعانق ويقبّل رجال الجيش ويتسابق مع أطفاله لالتقاط صور تذكارية مع الدبابة، وكنت سافلة عندما فاجأتنا بدهس الدبابة لمن احتفى بظهورها فى الشوارع لأول مرة فى حياته. عزيزتى 2011.. كنت خبيثة جدا عندما وثقنا بكرمك بسذاجتنا المعهودة، واستسلمنا لحنانك، حتى إن منا من ظل ساذجا بعد أن سقط شهداء منا الواحد تلو الآخر بعد ثورة أعلنا نحن بأنفسنا أنها انتصرت بسقوط رأس الأفعى أو بتنحى المتنحى، وسلمناك أنفسنا لأننا طيبون، فسلمتِنا لخدم المتنحى لتعاقبينا على سذاجتنا، لأنك ماكرة. عزيزتى 2011.. كم أسعدتنا عندما شاهدنا المخلوع وهو يعبث بأنفه خلف القضبان، كما كان يعبث ببلد كامل مدة ثلاثين عاما، وكم كان مبهجا مشهد رجاله و«حبايب مامتهم» وهم مقبوض عليهم متلبسين بشعرهم الشائب بعد أن آذوا أعيننا بصبغات شعرهم الرديئة، وكم كنت مفزعة عندما قررت الانتقام لنفسك من سعادتنا، بمشاهدة ثوار أحرار خلف القضبان، ثم بالجنزورى أحد رجال المخلوع ذوى الصبغة الرديئة وهو يترأس حكومة بلد أشعلت ثورة، وضحى فيها شباب فى عمر الزهور بأرواحهم، كى يأتى هذا العجوز مقتطفا ثمار ما ضحوا لأجله! عزيزتى 2011.. كم كنت ظالمة، لأن الثوار فيك، اتخذوا قرارا بالتسامح مع الماضى، وتجبرت أنت عليهم، واستحضرت كل رموز الماضى الذى ثاروا ضده، بل واستخدمتهم بمكر مفرط لهتك عرض الثوار والتشكيك فيهم، ورفعت الفسدة وقطاع الطرق وقطاع الأرزاق وعبيد السلطة على الأحرار الأنقياء. عزيزتى 2011.. كنت قاسية على الثوار واتهمتهم بأنهم عملاء خونة، وحاربتهم فى أرزاقهم، وطاردتهم فى الشوارع والميادين، وكنا نظنك حانية على من أهدوا شعبا مقهورا كرامة استحقها، لكنك كرمت من لا يستحق وعلا شأنه وحاولت التشبه بشقيقتك 2010، لتعود الحياة كما كانت فى أى سنة قبلك. عزيزتى 2011.. فقد طبيب الأسنان أحمد حرارة عينا من عينيه لأجل بلده فى بدايتك، وما أجهلك وما أوقحك وما أجبنك، عندما قررت أن تُفقِديه عينه الثانية فى آخرك. عزيزتى 2011.. أوشكنا أن نصدق أنك ستشهدين تكريما يليق بالشهداء وأهاليهم.. أوشكنا أن نصدق أننا سنضع أسماء المصابين على لافتات مقروءة بخط واضح فى الشوارع لأعلم وأدرب من خلالها ابنى على قراءة الكلمات، ففوجئنا بأن دماء الشهداء صارت مياها، بل أضفت لهم أنت بحمقك شهداء جددا كانوا من الفرحين بأولك، وضُربت فيك أم الشهيد وسُحل فيك المصاب وتمت تعرية الفتاة التى ساعدته، وهُتك عرض من ساندته، وتمت مطاردة من هتف لأجله، وفاز بالشهادة من تجرأ لاقتناص حق الشهيد والمصاب، متقدما الصفوف. عزيزتى 2011.. الدنيا اتغيرت.. ولى زمنك ونحن الآن فى بداية سنة جديدة.. تغيرنا.. والدماء التى شاهدناها تراق أمام أعيننا جرأتنا حتى على الموت، وجمدت قلوبنا، تحديدا بعد سب الشهداء وضرب أمهاتهم، ثم سحل مصابينا وتشويه ثوارنا وهتك عرض بناتنا. عزيزتى 2011.. الدنيا اتغيرت، وصار اتهام «طرف ثالث لا وجود له» بارتكاب جرائمك الغبية أمرا غبيا مثلك تماما. عزيزتى 2011.. ما عادت تحيتك للشهداء واعتذاراتك المتوالية على أخطائك المخزية تثير تعاطفنا.. عزيزتى 2011.. نحن كبرنا وصرنا أنضج.. حتى ملامحنا تغيرت، وصارت أقل براءة مما سبق.