كان الأزهر -ولا يزال- أحد الأهداف المركزية لسياسة الجماعة، وذلك لعديد من الاعتبارات ومنها: 1- إن الطالب والطالبة، يسهل مخاطبة كليهما من خلال تكوينهما الدينى الأصولى، ومن ثم تسهيل مخاطبة كليهما عن طريق تسييس الفكرة الإسلامية من خلال اللغة الشعارية الحماسية المفعمة بالأمل والممتلئة بالحيوية. 2- إن الطالب والطالبة عمومًا -إلا فى ما ندر- دُرِّب وتكوّن على أساس العقل النقلى، والذاكرة الحافظة، ومن ثم يسهل إدخاله/وإدخالها، فى نطاق مفهوم «السمع والطاعة العمياء». 3- نمط التعليم الذى تمارسه السلطة التعليمية الأزهرية يتسم بالنزعة الأبدية، وذهنية التلقى والترديد من الطالب أو الطالبة المستقبلة للمادة التعليمية، وفق منطق الشرح على المتون وبعض العنعنة، عن فلان.. عن فلان.. عن فلان، والذى لا يزال بعضه مستمرا فى منطق العملية التعليمية السائدة.. هذا التطويع البطريركى/المشيخى لذهنية الطلاب والطالبات، يشكل أرضية ذهنية وإدراكية تسهل عملية التجنيد، وتنفيذ الأوامر، ومنطق الطاعة. 4- من هنا كانت -ولا تزال- بيئة التكوين التلقينى الأزهرى ملائمة لسياسة التجنيد الناجحة لجماعة الإخوان، منذ إعادة إحياء التنظيم على أيدى الأستاذ عمر التلمسانى، ود. عبد المنعم أبو الفتوح، ومنذ ذلك الحين والأزهريون والأزهريات يشكلون أحد أبرز مكونات الهيكل التنظيمى للجماعة، والذى وصل فى بعض التقديريات إلى 30٪ من حجم التنظيم قبل 25 يناير 2011، والمرجح ازدياد هذا المكون المهم بعد أحداث يناير. 5- فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك تزايد الاعتماد التقليدى للنظام على الأزهر الشريف، فى دعم مواقفه إزاء جماعات الإسلام السياسى الراديكالى العنيف، لأن النظام وأجهزته الأمنية كانا فى حالة صراع ضارٍ مع جماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية، ومع المنظومة الأيديولوجية لكليهما، والتى اعتمدت على بعض الأفكار الرجعية ذات الطابع العقدى. 6- إحدى كبرى المشكلات التى واجهت الأزهر هى صورته أمام الرأى العام، والتى شارك فى تجريمها بعض الجماعات الإسلامية، وبعض الممارسات والآراء التى كانت تؤيد سياسات الدولة وقراراتها، ونقائضها، ومن ثم شكل هذا الدور التبريرى الذى مارسه بعض قادة المؤسسة أحد مصادر هذه الجروح التى مسَّت صورته وهيبته الداخلية والدولية، والأخطر بين بعض القطاعات الاجتماعية. 7- كان نقد الأزهر فى علاقته بالسلطة الحاكمة بمثابة هدف يرمى إلى التشكيك فى دوره التاريخى فى الدفاع عن الإسلام، ضد خصومه، وفى دعم حقوق الناس.. إلخ، لا شك أن ذلك كان يرمى إلى محاولات للتمدد على حساب دور ومكانة الأزهر. 8- من أبرز مشكلات الأزهر أن دوره الكبير تراجع نسبيا فى العالم الإسلامى والعربى، وذلك لأسباب موضوعية، على رأسها: ميل الدول الوطنية ما بعد الاستقلال، وثورة عوائد النفط إلى الأخذ بسياسة توطين المؤسسة الدينية الوطنية داخل غالب هذه البلدان الإسلامية، واعتماد النظم الحاكمة على رجال الدين المسلمين داخلها، فى دعم هذه النخب الحاكمة وسياساتها، وهو الأمر الذى أثر على دور الأزهر. 9- قامت بعض الدول النفطية الكبرى -كالمملكة العربية السعودية- بسياسة تمدد المذهب السلفى الوهابى على حساب الأزهر الشريف، حتى ولو لم يعلن عن ذلك. 10- أدت الإعارات إلى الدول العربية النفطية إلى بعض التأثر بالفكر الدينى والفقه والتعليم الدينى السائد فى هذه البلدان. 11- اعتمد الأزهر فى توسيع بعض كلياته على بعض المنح التى قدمت من بعض دول النفط العربية، ومن ثم اتسعت القاعدة التعليمية، دونما ميزانيات تكفى لتطوير العملية التعليمية ومناهج التدريس. 12- ظهرت تحديات كونية تواجه بعض أنماط التفكير السائدة وسط بعض الأزهريين التقليديين، وعلى رأسها الحوار بين الأديان وما يتطلبه من معرفة عميقة بالدرس الأكاديمى والفلسفى المتعارف عليه حول الأديان المختلفة، فى ظل تحدى التحول إلى الفكرة الإلحادية من بعض الشباب الذين وجدوا خطابات انتقادية حادة لنمط الفكر الدينى التقليدى السائد. 13- دخول بعض الأزهريين فى صراع مذهبى سنى/شيعى، ذى طابع سياسى يعود إلى الصراعات السياسية فى المشرق العربى والخليج وشبه الجزيرة العربية، وإيران وتركيا (غرب آسيا)، لا شك أن ذلك أثر على التقليد الأزهرى التاريخى فى التقريب بين المذاهب الفقهية على أيدى مشايخه العظام الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت، ود. محمد عبد الله بدران، والشيخ القمى الإيرانى، وآخرين. 14- غياب تصور للسياسة الخارجية للأزهر كمؤسسة، واعتماده على الدور التابع للسياسة الخارجية المصرية، بكل تقلباتها وتناقضاتها، وتراجع مستويات كفاءتها. ما سبق يشكل بعضا من مظاهر الأزمات البنائية للمؤسسة الدينية الرسمية، المتراكمة، والتى تواجه بعضا من النزعة الإصلاحية التى يرمى إليها الإمام الأكبر د.أحمد الطيب وبعض صحبته فى المشيخة العزيزة على قلب مصر والمصريين، وإحدى كبرى هذه المشكلات أن المرشحين للرئاسة يفتقران إلى رؤية إصلاحية شاملة للأزهر. والسؤال الذى نطرحه هنا: ما الرؤية التى ننطلق منها لتطوير وإصلاح الأزهر الجامع والجامعة فى ظل رئيس وبرلمان منتخب؟! وهو ما سوف نجيب عنه فى المقال القادم.