تحتاج تجربة حكم الإخوان، وتمهيداتها فى الأساس، إلى قراءة تسترجع علاقاتهم التاريخية، وتقلباتها، بعواصم المحيط الحيوى للدولة المصرية، وجغرافيتها السياسية، كجزء من منظومة غربية أجادت اللعب بأوراق «تتلوّن» بالدين، كأحصنة طروادة. الدين، دائما، هو اللعبة. توظيف الدين، الإسلام، تحول إلى لعبة الغرب منذ تجربة محمد على، وربما مع انتهاء موجات الحروب الصليبية، مع إخراج المسيحية من ساحة اللعب السياسى، المباشر، فى القارة العجوز. وتعبير «الصليبية».. غربى، فالأزهر، مثلًا، كان يسميها حروب الفرنجة، حتى ثلاثينيات القرن الماضى. الأزهر، عُقدة الغرب فى صُنع أحصنة طروادة إسلامية. ثلاثينيات القرن الماضى شهدت، أيضًا، حسم راسم الخرائط البريطانى موقفه من ثلاثة مشاريع دول كانت تتنافس فى قلب شبه الجزيرة العربية، لصالح أكثرها قدرة على تحويل الدين إلى عائق للتقدم. وثلاثينيات القرن الماضى شهدت، أيضًا، ميلاد جماعة الإخوان، عقب لقاءين لعامين متتاليين، بين حسن البنّا والسفير الأمريكى فى الرياض. هكذا أُضيف البنّا إلى أحصنة طروادة الإسلامية، وهكذا استقرت المعادلة، حتى النصف الأول من تسعينيات ذات القرن. دخلت المعادلة مرحلة جديدة مع تداعيات الحرب على إرهاب «القاعدة»، الأسباب والخلفيات كثيرة، ومتداخلة، ومؤكَّدٌ أن بعضها صُنع فى الغرف المُحكمة الغلق، التى رأت أن المرحلة الجديدة تقتضى نسخة مختلفة من اللاعبين.. شكل جديد من أحصنة طروادة الإسلامية. لكننا يمكن أن نبدأ من تمهيدات نقل مركز الثقل العسكرى الأمريكى، مشاة البحرية.. المارينز، القوة الضاربة لمنظومة «اليانكى»، من قاعدتى «الظهران» و«سلطان» السعوديتين، ل«العيديد» و«السيلية» القطريتين. والبَلَدَان ينفردان، إسلاميا، باعتماد الوهابية مذهبا رسميا. من قبل كانت معادلة «آل عبدالوهاب + آل سعود»، الآن معادلة «آل إخوان + آل حمد بن خليفة»، الذى افتتح، منتصف ديسمبر 2011، أكبر مسجد فى المشيخة، يستوعب 30 ألف مصل، باسم جامع «الإمام محمد بن عبد الوهاب»، متعهدا بنشر الدعوة «الوهابية»، وخلفه شريك انقلابه حمد بن جاسم الذى عبَّر مرارا عن فخره بوهابيته. الوجود العسكرى الأمريكى فى قطر لم يكن حديثا، لكنه حقق نقلة نوعية باتفاق عام 1991، الذى مهَّد لضرب العراق عام 1993، بالتزامن مع تحول حمد بن خليفة إلى حاكم فعلى للمشيخة، وشهد قفزات فارقة بعد انقلاب حمد على أبيه، 27 يونيو 1995، بفتوى شرعية من يوسف القرضاوى، الذى احتضنه الأب، المقلوب، ثلاثين عامًا. فورًا، بدأت الدوحة تستضيف قطاعات جوية أمريكية مكلفة بتنفيذ حظر طيران سلاح جو صدام حسين فى جنوبالعراق، وبنت قطر على نفقتها، كخطوة تحفيزية لتكثيف وجود «المارينز»، مجمعًا يضم 27 مبنىً لتخزين الآليات وتسكين القوات، كان واضحا أنها ضمن استعدادات ضرب العراق، مارس 2003، وفى ما بعد أسعف مخزنوها الحربى إسرائيل، خلال عدوانها على لبنان، يوليو 2006. تدريجيا أصبحت المشيخة الصغيرة حاضنة أكبر قاعدة ل«اليانكى»، خارج الولاياتالمتحدة. وُرسخ وجود المارينز، قانونا، قبلها بعام، بسلسلة اتفاقات «تعاون عسكرى»، على هامشه ما سُمى «المحيط الأمنى»، لقاعدتى العيديد والسيلية، الذى يمتد ل40% من مساحة المشيخة، ويضم كل قصور أسرة آل ثان، ومقرات مؤسسات الدولة، وتوابع بلاطهم، منها قصر يوسف القرضاوى، المقر الفعلى ل«اتحاد علماء السلمين»، وقناة الجزيرة. وفى أبريل 2003، أعلن رسميا انتقال مركز القيادة الوسطى، التى تمتد من وسط آسيا إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، من قاعدة «سلطان» إلى «العيديد»، المُرمَّزة عسكريا بشخصية الكارتون «Scooby». بالتوازى، فى ساحة القوى الناعمة، أغلقت لندن القسم العربى لتليفزيون «بى بى سى» المُنشأ بالاشتراك مع السعودية، أبريل 1994، وانتقل العطاء لتأسيس «الجزيرة»، لينطلق بثها 1 نوفمبر 1996. ثم تأسس المجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث فى لندن، بقيادة يوسف القرضاوى، مارس 1997. وقرّر فرع إخوان قطر، عام 1999، حلّ نفسه تلقائيا. وبحلول 2003، كان الحلّ قد اكتمل، وبرّر مراقبه جاسم سلطان، القرار بأنّ «دولة قطر تقوم بواجباتها الدينية». جاسم هو من تولى، فى ذات التوقيت، مسؤولية إدارة بوزراة الخارجية القطرية فريدة من نوعها دوليا، هى إدارة «النهضة»، لرعاية مشروعات التغيير والإصلاح العربية! أبرز أذرعها «أكاديمية التغيير»، التى ترأسها هشام المرسى، زوج ابنة القرضاوى، وتأسست منتصف عام 2004 فى لندن. وفى ذات التوقيت ومن نفس العاصمة البريطانية، تحول المجلس الأوروبى للإفتاء، إلى «الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين»، وأُعلن القرضاوى رئيسا له لستّة أعوام، قابلة للتجديد مرّة واحدة، وفق لائحة الاتحاد التى وضعها بنفسه، وكان أول أمين عام له محمد سليم العوا. مقر الاتحاد الرسمى دبلن، عاصمة أيرلندا، لكن النشاط كله يُدار من مكتب القرضاوى بالدوحة. دوائر تأثير ناعمة، أحصنة طروادة متوازية، يتداخل فيها الإعلام بتوظيف الدين بمال الغاز السياسى، الجامع بينها القرضاوى.. وفى ذيله التنظيم الدولى للإخوان. دوائر جُهزت جيدا، لا لصُنع الربيع العربى، كما يدّعى قطاع من كارهيه، ولكن لخطفه، و«قطرنته»، لحساب منظومة «العيديد».