«هناك 500 مليون مسلم يعيشون فى انظمة ديمقراطية ولا يوجد سبب يجعل الإسلام معوقا للديمقراطية كما يظن البعض» وفى أى انتخابات حرة ونزيهة «لن يحصل الإخوان المسلمون ومجمل الإسلاميين على اكثر من 25٪ من أصوات الناخبين» وبالتالى فإن القلق من صعود إسلامى عنيف وسيطرة الإخوان المسلمين على الحكم امر مبالغ فيه، وبناء الديمقراطية بعد الثورة فى مصر، كما فى كثير من دول العالم، هو التحدى الاصعب من «اسقاط رأس النظام». هذه هى بعض الأفكار الرئيسية التى طرحها ألفريد ستيبان، استاذ العلوم السياسية الأمريكى المتخصص فى دراسة التحولات الديمقراطية فى العالم، خصوصا فى دول العالم الثالث. لقرابة 30 عاما تنقل ستيبان بين بلدان العالم يقتفى أثر الثورات الباحثة عن الديمقراطية، من شرق آسيا وشرق أوروبا إلى جنوب أمريكا والآن فى المنطقة العربية، حيث «بدأت» كل من تونس ومصر السير على طريق الديمقراطية، كما يقول ستيبان الذى صدر له اكثر من 15 كتابا وعشرات المقالات حول قضايا التحول الديمقراطى وبناء الانظمة بعد الثورات وكذلك علاقة الإسلام بالديمقراطية ونماذج النجاح المتكرر التى حققتها الشعوب الإسلامية فى انتهاج الديمقراطية «حسب المفهوم المدنى الحقيقى للكلمة... فى إندونيسيا كما فى تركيا »، وتلك التى حققتها التجمعات السكانية المسلمة فى البلدان متعددة الثقافات والاعراق كما الهند والتى يقول ستيبان ان دراسات اجتماعية وسياسية اجريت بها أثبتت ان الرغبة والالتزام بالديمقراطية تتزايد عند الهندى المسلم كلما ازداد ارتباطه بالحفاظ على تعاليم الدين وشعائره. ستيبان وصل إلى القاهرة منذ ايام «للبحث فى الحالة المصرية ولقاء ومحاورة الشباب الذين صنعوا الثورة وهؤلاء الذين يسعون لبناء الديمقراطية فى مصر»، كما قال ل«الشروق» فى حديث مساء الخميس من فندقه المطل على نيل القاهرة. بالنسبة لستيبان فإن مصر هى «الدولة رقم 15» من بين الدول التى تابع تحولها للديمقراطية، وبعد عشرة أيام من اللقاءات مع ممثلى مختلف الاطياف السياسية فى مصر، فإنه يقول ان أسباب التفاؤل بامكانية نجاح التجربة الديمقراطية فى مصر تفوق اسباب الفشل «لكن اسباب السير فى أى من الاتجاهين واردة ولا يجب التقليل من الاهتمام بالأسباب التى قد تؤدى إلى فشل تجربة التحول للديمقراطية». أول الأسباب التى قد تؤدى لإجهاض التحول نحو الديمقراطية، كما يقول أستاذ العلوم السياسية الأمريكى، هو الافتراض الخاطئ ان ذهاب رأس النظام يعنى ببساطة ان الديمقراطية قد حلت، الأسباب الأبرز الأخرى لما قد يحول دون اكتمال حلم الديمقراطية فى مصر بعد ثورة 25 يناير هو تقاعس مختلف القوى السياسية عن حشد المواطنين نحو المشاركة والإعراب عن الرأى والاكتفاء بالإعراب عن القلق من تيار سياسى معين حالى أو سابق. «إن الديمقراطية تنجح بالمشاركة الواسعة وبحشد هذه المشاركة»، حسبما يقول ستيبان. وعلى هذا فإن ستيبان يرى ان ما تحتاجه مصر اليوم لدعم الحراك نحو الديمقراطية هو وجود احزاب وتجمعات سياسية فاعلة لديها افكار محددة وواضحة حول مستقبل التحول السياسى مع الاخذ فى الاعتبار كما يقول ان مصر بلد يمثل فيه الإسلام امرا مهما لكثير من المواطنين وبالتالى فعلى الأحزاب الجديدة والحالية ان تتحدث ضمن ما تتحدث عن رؤيتها لكيف يمكن للإسلام ان يخدم الديمقراطية «كل حسب رؤيته» بحيث لا تكون المنافسة فى هذا المجال مقصورة على أصحاب التيار الدينى وحدهم بما فى ذلك «الإخوان المسلمين». ويقول ستيبان ان هذه التجربة نجحت وبشدة فى أكبر بلد إسلامى من حيث التعداد وهى اندونيسيا والتى يرى انها تتفوق اليوم فى معايير الديمقراطية حسبما تطبق فى بلدان العالم الثالث عن بلد كاثوليكى الأغلبية مثل الفلبين. ويضيف أن نجاح تجربة الديمقراطية فى الدول الإسلامية يتكرر مع اختلاف الثقافات، مشيرا إلى نموذج السنغال الأفريقى ونموذج تركيا فى الشرق الاوسط. كما يشير ايضا إلى ان سيطرة المتشددين «حتى فى إيران» ليست بالمرة أمرا محسوما بصورة تلقائية، وهناك «ميل متزايد» من قبل الإيرانيين نحو السياسات الانفتاحية. ويصر ستيبان ان نجاح هذه التجارب جاء لأن الأحزاب والتجمعات السياسية فى هذه البلدان عرفت بالأساس كيف تطرح نفسها بصورة لا تجعل من يريد ان يتحدث باسم الإسلام يحتكر الساحة، واليوم «فلا أحد فى السنغال سيذهب للناخبين ويقول لهم انتخبونى لأننى انا من يمثل الإسلام»، حسبما يضيف. وبحسب ستيبان فإنه من المتوقع «ولا يجب ان يكون من المقلق» ان تحظى الاحزاب الإسلامية بنسبة لا بأس بها فى «أولى جولات الديمقراطية» ربما لأنها تخاطب الناخبين على ارضية قريبة من أذهانهم ومن انفسهم ولكن هذه النسبة تقل عادة مع الجولات التالية للديمقراطية عندما تعتاد الشعوب فكرة تداول السلطة وحق المحاسبة وطرح الأسئلة حول «ما الذى يعنيه هذا الحزب أو ذاك الحزب بالنسبة لتطبيق الشريعة» وما هو انعكاس تطبيق الشريعة أو غيرها من الأفكار على الحياة اليومية والخدمات وما إلى ذلك. ويقول ستيبان ان التجربة الاندونيسية بدأت بحصول الأحزاب الإسلامية فى اولى جولات الديمقراطية الحقيقية فى 2001 على نحو 22٪ من أصوات الناخبين ثم تداعت هذه النسبة إلى 12٪ ثم إلى 7٪. «بعد ثلاث جولات كانت مفاهيم وممارسات الديمقراطية قد ترسخت وأصبحت الحكم فى الاختيار»، ويضيف بحسم انه لا يوجد ما يدعو احدا ليظن ان التجربة المصرية لن تكون بنجاح التجربة الاندونيسية. المهم الآن، كما يصر، هو ان يتحرك الجميع من كل الأطياف السياسية نحو «الاتفاق على انه لا يحق لأحد حسب المفهوم المدنى للديمقراطية ان يفرض افكار الأغلبية على الاقلية أو ان يستغل كونه ينتمى للاغلبية ليحرم الأقلية حقوقها الكاملة لأن ذلك يخالف مبادئ الديمقراطية»، ويضيف «يجب على من يتحدثون عن الإسلام دوما ان يتذكروا ان مفاهيم العدالة ورفض قمع الآخر هى مفاهيم حاسمة بالنسبة للإسلام». وبالتالى، كما يقول ستيبان، «فأن يأتى البعض ليقول انه لا يمكن للنساء أو الاقباط تولى هذا المنصب أو ذاك هو امر لا يمكن فهمه بالأساس فى سياق إسلامى، لأن الإسلام يرفض التمييز، كما ان هذا الامر لا يمكن فهمه فى اطار فكرة المساواة بين الجميع التى هى ايضا فكرة حاسمة فى مفهوم الدول المدنية الحديثة». فى الوقت نفسه يشير ستيبان إلى أن أفكار وأداء الأحزاب السياسية «تخضع حتميا لعملية ارتقاء وتطور» فى ظل الديمقراطية فتختلف المفردات والاراء المطروحة فى ظل الديمقراطية عما كان عليه الحال فى ظل الانظمة الشمولية وبالتالى تختلف تقديرات الناخبين لهذه الاحزاب سواء الإسلامية أو اليسارية أو غيرها. الشباب، كما يضيف ستيبان، هم أيضا قوة حاسمة فى تحديد مسار الاختيارات السياسية للأمم المتحولة نحو الديمقراطية، مشيرا إلى ان فى مصر للشباب دورا أساسيا ليس فقط لأنهم صنعوا الثورة ولكن ايضا لأنهم القوة السكانية الغالبة، ويضيف انه بالتالى عندما يتم الحكم على الأداء المحتمل لحركة سياسية ما يجب الاخذ بعين الاعتبار دور الشباب فى هذه الحركة. على هذا فإنه يرى ان الإخوان المسلمين ربما ستكون من اكثر الحركات القابلة للتطور لأن بها نسبة كبيرة من الشباب «ونحن نعلم ورأينا كيف تصرف شباب الإخوان المسلمين فى الثورة ونعلم ونرى كيف انهم يدعون لمزيد من الشفافية والتطوير داخل صفوف الحركة نفسها». وبحسب ستيبان فإن من يقول ان الإخوان المسلمين والحركات السلفية يمكن ان تحصل على اغلبية حاسمة فى أى انتخابات تشريعية قادمة يبالغ لأن ذلك لم يحدث حتى فى إيران. ولكنه يضيف «أن احدا لا يستطيع ان يقول على وجه الدقة كيف ستسير الامور فى الانتخابات التشريعية القادمة لأنه لم تجر بعد استطلاعات رأى بصورة علمية ونزيهة وشفافة» خاصة بعد تغيير نظام الحكم. ولأن التنبؤ الدقيق بالنسبة لأستاذ العلوم السياسية يتطلب قدرا من المعلومات غير المتاحة فإنه يذهب فى إطار «التقدير العام» إلى صعوبة حصول أى ائتلاف إسلامى يجمع الإخوان وغيرهم من الإسلاميين فى أى برلمان قادم لأكثر من 30٪ على وجه الاجمال ومن هذه النسبة يفترض ان 25٪ ستذهب للإخوان وليس للسلفيين. ويرى ستيبان ان التركيز حاليا لا ينبغى ان يقتصر على المفاضلة بين الإخوان المسلمين وغيرهم من الأحزاب بل يجب ان يتركز بالأساس على المفاضلة بين النظم السياسية المختلفة التى يمكن لمصر ان تتخذها فى سيرها نحو الديمقراطية. المفاضلة هى بين النظام الرئاسى الصرف، على الطريقة الامريكية والذى عادة ما يتطلب وجود حزبين أساسيين لهما قوة كبيرة على الأرض وان يكون الرئيس منتميا لأحد هذين الحزبين حتى تكون له أغلبية تمكنه من تسيير الحكم، أو نظام شبه رئاسى كما فى الحالة الفرنسية الذى يبحث فيه الرئيس ان تكون له الأغلبية أو ان تكون لدى رئيس وزرائه، أو النظام البرلمانى الذى يتناسب، كما يقترح ستيبان، مع البلدان التى بها قوى سياسية متعددة الاتجاهات وليس لأى منها ان يحصل على أغلبية حاسمة وبالتالى يمكن لها ان تؤسس ائتلافا متنوع التوجهات «وهذا هو النظام الذى اختارته معظم دول شرق أوروبا فى تحولها إلى الديمقراطية». ويقول ستيبان انه ليس واضحا بعد أى الطرق ستختارها مصر وان لقاءاته مع مختلف القوى السياسية فى مصر توضح انه حتى اليوم هناك اسئلة أكثر مما هناك اجوبة حول التحرك القادم. أهم هذه الاسئلة، حسبما يستشعر ستيبان من مقابلته مع الساسة المصريين بمختلف الاجيال، هو السؤال عمن سيكتب الدستور القادم وكيف ومتى سيتم ذلك. ويقول ان التجارب المماثلة تقول بأنه لا يمكن لمائة شخص كما تشير التعديلات الدستورية التى تم اقرارها اخيرا فى مصر ان ينفردوا بكتابة الدستور وان المعتاد هو ان تتم كتابة الدستور من جمعية تأسيسية، عادة ما تكون موسعة، وبالضرورة تكون منتخبة. ويضيف ان «الشعوب التى عاشت لسنوات طويلة فى ظل انظمة شمولية تحتاج لتأكيد مبدأ توسيع المشاركة» خاصة إذا ما تعلق الأمر بالقضايا الأكثر حيوية ومنها كتابة الدستور الذى سيعبر عن واقع الحال فى البلاد كما الآمال والطموحات. «إن التجربة المصرية هى بالتأكيد تجربة متميزة، لقد كانت كذلك فى الثورة التى لم تكن مجرد ثورة عادية بل كانت سياقا يجمع الكثير من المفردات السياسية والثقافية والابداعية،» كما قال ستيبان ل«الشروق». ويضيف ان الخطوة القادمة من السير نحو الديمقراطية فى مصر ستكون ايضا لها طابع مصرى محدد ستجتمع فيها مفردات سياسية للشباب والتيارات الإسلامية والاحزاب السياسية القديمة. جريدة الشروق