بعد استقراء مشهد الانتخابات يمكن تخمين ما سيكتبونه. سيكتبون أن مصر شهدت فى فترتى الثمانينيات والتسعينيات ومطلع الألفية حالة من الركود السياسى الشديد التى ارتبطت ببقاء نفس الحزب ونفس الأشخاص فى السلطة لفترة طويلة من الزمن، بما أثر سلبا على رؤية المواطنين لمستقبلهم السياسى وبانفجارات عنيفة باسم الدين من قبل الجماعات الإسلامية (فى الثمانينيات) ثم من قبل عدد من المسيحيين (فى مطلع الألفية الجديدة) دون مواجهة جادة من الحكومة. سيكتبون أن مصر شهدت تحولا اقتصاديا لا يقل فى خطورته عن تحولات الستينيات من اقتصاد يعتمد على القطاع العام إلى اقتصاد يعتمد على القطاع الخاص، ولكن هذا التحول صاحبه نكوص واضح عن أهداف الجمهورية المصرية التى نشأت مع الثورة بالقضاء على الإقطاع وأعوانه والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم بأن عاد الإقطاع فى ثوب جديد نجد من خلاله عددا من رجال الأعمال المتنفذين داخل مؤسسات الحكم والتشريع. سيكتبون أن مصر تحولت من ملكية شبه دستورية قبل الثورة إلى تسلطية مطلقة ذات أهداف شعبية بعد الثورة مباشرة إلى جمهولوكية (تجمع بين الجمهورية والملكية) رأسماكية (تجمع بين الرأسمالية والاشتراكية) برلماسية (لا هى برلمانية مثل إنجلترا ولا هى رئاسية كالولايات المتحدة) يختلط فيها الحابل بالنابل وانتهت إلى عملية تزويث (أى تزوير انتخابى من أجل توريث سياسى) أفضت إلى أن فقدت مصر روح النهضة والتطور السياسى. سيكتبون أن مصر شهدت حالة من التقدم المظهرى والتخلف الهيكلى: التقدم فى السيارات والتليفونات المحمولة وتوصيلات الدش، لكنها لم تسهم فى إنتاج أى من هذه المظاهر لأن أسباب التقدم كانت بعيدة عنها. سيكتبون غدا ما نكتبه اليوم عن مذبحة القضاء فى أواخر الستينيات، وعن أن مصر التى كان يحلم بها أجدادهم أن تكون دولة مؤسسات، أصبحت دولة مؤسسات أمنية وضعت مصر تحت الحراسة. معظم المشاكل تحل من خلال وزارة الداخلية سواء كانت مشكلات تتعلق بالأقباط أو مشكلات تتعلق باتحادات الطلاب أو النقابات أو الانتخابات. سيكتبون أن الأخلاق الشخصية (مثل احترام الوعد والالتزام بالإتقان) والمدنية (مثل النظافة العامة أو احترام حقوق الغير) تهاوت، وتهاوى معها الكثير مما يبعث على الأمل. سيكتبون أن طموح وقدرات قطاع من المصريين الكاسح لا بد أن ينتصر فى النهاية على نظام حكم كسيح غير قادر على الاستفادة من طاقات أبناء وطنه، فيهربون منه . بقلم: معتز بالله عبد الفتاح - الشروق