طارق إسماعيل لجريدة الدستور المشهد السياسي في مصر يدعو للرثاء فما يحدث علي المسرح العام يدعونا للمتابعة الدقيقة لما يجري حاليا وإذا كان البعض يظن أن الأمور تسير بعشوائية وارتجالية أو أن مقالاً هنا أو هناك سيكون مؤثراً في الأحداث فكل ذلك وهم وخيال لأن المؤكد أن الإعلام المصري لا يحظي بأي اهتمام أو تأثير خارجي علي الأقل ولعل ماحدث مؤخرا في قضية الشاب خالد سعيد التي جعلت الإعلام المرئي والمقروء لا يحظي بثقة المواطنين خير دليل علي ذلك.. أيضا ما حدث مؤخرا من زيارة السفيرة الأمريكية للدكتور البرادعي جاء ليمر مرور الكرام وكأنه حادث عابر حتي من تحدث عنه أهال التراب علي البرادعي وتحدث في أمور لا تستحق الرد أو التعليق وبعيدا عما قيل عن الزيارة فإن المؤكد أن هناك أسئلة نحتاج لمراجعة وتمحيص وتدقيق أهمها، لماذا زيارة البرادعي في ذلك الوقت؟ وما هو انطباع السفيرة الأمريكية عن اللقاء؟ وهل تري الإدارة الأمريكية في الدكتور البرادعي المرشح المناسب لمنصب الرئاسة المصرية في حالة عدم ترشيح الرئيس مبارك نفسه في الانتخابات المقبلة؟.. بداية دعونا نتفق علي أساسيات وبديهيات بأن العالم الخارجي لا يشغله ما يقال من تحليلات ساذجة وسطحية عن البرادعي وابتعاده عن مصر وعدم إلمامه بالمشاكل المصرية فتلك أمور ليست في حسبان الجانب الأمريكي أو الغربي وإنما ما يشغل الغرب أموراً أخري أهم وأخطر في اختيار الشخصية التي تصلح للرئاسة وأتذكر أنه أثناء انتخابات الرئاسة الماضية كانت السفارة الأمريكية ترسل البعض سواء من الصحفيين أو المسئولين لمعرفة رؤية الفئات المختلفة بشأن الانتخابات وقتها تقابلت مع البعض من هؤلاء وقد وجه لي سؤالا مباشرا، من ترشح للرئاسة ؟ قالها السائل باستخفاف لأنه كان يشعر أن معظم المصريين يردون حسب الميول والأهواء لكنه فوجيء بإجابة غريبة جعلته يقول very good أي ممتاز أو رائع لأنني قلت أنني سأختار رجل الدولة فالمرشحون لابد أن ينطبق عليهم شرط رجل الدولة ففي دولة مثل مصر نحن نحتاج لرجل يدير دولة لأسباب عديدة وذكرت للرجل بأن الترشيحات لو شملت مثلا الرئيس مبارك والمشير أبو غزالة وقتها كنت سأفكر في اختيار واحد من الثلاثة باعتبار أن جميعهم يمثل رجل دولة يفهم في شئونها ويعرف أبعادها وكيفية إدارتها ومن هنا فإن اكتساح الرئيس مبارك الانتخابات الماضية بعيدا عن ظروفها وملابساتها وما قيل عنها كان متوقعا لأنه الوحيد من المرشحين رجل الدولة لم يكن هناك شخصية تستطيع أن نقول عليها إنها رجل دولة مع التقدير للمنافسين لذا فإن أهم ميزة جعلت البرادعي يحظي بهذا القدر من الاهتمام والتقدير هو ما يراه الغرب بالنظر إليه علي أنه رجل دولة أضف إلي ذلك علاقاته الدولية ومكانته وسط الرؤساء والمسئولين علي مستوي العالم وللأسف تلك الأمور لا يريد أن يفهمها البعض في مصر.. الغرب ينظر للدكتور البرادعي علي أنه الشخصية المصرية التي لها مكانة خاصة سواء كرجل دولة أو كشخصية لها مكانة دولية وهو أمر لم تحظ به شخصية أخري باعتبار أنه لا يوجد شخص بنفس المواصفات أعلن عن ترشحه أو دخوله المنافسة والواضح أن جهابذة الحزب الوطني بدلا من جلوسهم وقراءتهم لمعطيات الأمور ونظرة الغرب وأمريكا للرجل راحوا في إلقاء الاتهامات والتشهير به بينما هو ثابت لا يتحرك.. وبات المشهد العام في مصر أشبه بالعرض المسرحي الذي رحل عنه نجومه الكبار وأصبح يعرض من خلال كومبارس يظنون أنهم كبار لهم أدوار فعالة بينما الجمهور انصرف عن العرض ولا أمل إلا في حضور نجم قادر علي إنجاح المشهد المسرحي في وقت أبطال العرض من الكومبارس يريدون الهجوم علي النجم القادم والذي يري الكثيرون أنه يملك القدرة علي إنجاح المشهد بينما هم يصرون علي استكمال المسرحية بأي أسلوب أو طريقة حتي لو تم فرض نجم لا تنطبق عليه مواصفات النجومية أو الشروط التي يراها الكثيرون داخليا وخارجيا كافية لنجاح المشهد.. للأسف الشديد الساسة في مصر وأعضاء الحزب الوطني وقياداتهم الإعلامية أصبحوا يفتقرون للرؤية الموضوعية والفكر الاستراتيجي والنظرة البعيدة للأحداث ودائما ما يشغلهم هو محاولة طمس الحقائق أو تغييب الفكر معتقدين أن ذلك أسلوب سيحقق لهم ما يريدون والحقيقة أن مصر مقبلة علي أحداث مهمة وجسيمة وعلينا أن نتوقع المفاجآت.. إن مقابلة السفيرة الأمريكية للبرادعي لم تكن من فراغ أو للنزهة أو للاستماع لرجل يعرفونه حق المعرفة وإنما هناك أهداف أخري كما أن دخول الإخوان كلاعب فاعل فيما يحدث لا يتم بتنسيق ثنائي بين البرادعي وبينهم فهناك طرف ثالث يري أن وجود البرادعي والإخوان معادلة يمكن تطبيقها علي أرض الواقع.. يبقي أن أقول إن المفاجآت القادمة لن تكون في انتخابات مجلس الشعب المقبلة فهي انتخابات حددت أطرافها وعرفت نتائجها وأسماء لاعبيها المشاركين في مونديال الشعب بل أكاد أجزم أن أدوار الأحزاب معروفة وسيصبح حزب الوفد زعيماً للمعارضة وسيتم إبعاد الإخوان وسينال المستقلون جزءاً من المقاعد، كل ذلك سيناريو معروف للعامة لكن ماذا سيحدث بعد انتخابات الشعب تلك هي القضية فالمؤكد أن بداية الأحداث ليست أول الانتخابات إنما البداية مع نهاية الانتخابات والتي سيرتكب فيها الحزب الوطني أخطاء فادحة ربما تفجر أزمات ومشاكل غير متوقعة.. في جميع الأحوال فإن القراءة الموضوعية لما يجري يجعلنا نؤكد أن مصر مقبلة علي عام صعب للغاية وربما نشهد تغييراً جذرياً في المشهد المسرحي بأبطال جدد ونجوم حقيقيين بعيدا عن هؤلاء الكومبارس الذين أوشكوا علي إغلاق المسرح وهم يعتقدون أن الجماهير تصفق لهم.