· تناول الأزمة السيناوية ينبغي أن يكون شاملا جامعا للجوانب الاستراتيجية والأمنية والتنموية · يجب أن نقلع عن ثقافة عزل سيناء وعن معاملة أهلها معاملة غير متوازنة وضع العدوان الإسرائيلي الأخير علي السيادة المصرية باختراق الحدود وقتل جنود ومواطنين مصريين دون أدني اعتبار أواحترام لمصر وجيشها وشعبها ، وضع سيناء علي قمة الاهتمامات والمطالب الرسمية والشعبية ، وأفصح رد الفعل الشعبي الشديد وغير المسبوق عن حنق مكتوم داخل صدورنا للممارسات الإسرائيلية العدوانية التي تشوبها البلطجة والغطرسة منذ قيام دولة إسرائيل قبل أكثر من سبعة عقود ، كما وضعنا أمام حقيقة هامة هي أن الشعب الذي استعاد حريته بثورة 25 يناير قد أدان سياسة النظام السابق بالتوافق مع السياسة العدوانية الإسرائيلية ولن يقبل السكوت عليها . وفي المقابل كان رد الفعل الحكومي دبلوماسيا وتقليديا لا يردع عن تكرار العدوان ولكن من الإيجابيات التي تضمنها رد الفعل الرسمي هوتشكيل لجنة أوكيان لمتابعة تنمية سيناء وحل الصعوبات التي تشوبها. وعلي خلاف رد الفعل المصري الرسمي الحريص ، كان رد الفعل الشعبي شديدا وقاطعا يتطلع ويصمم علي إعادة صياغة علاقاتنا مع الدولة العبرية ، لوضعها في حجمها الحقيقي وكسر حاجز الخوف من عدوانها. يضاف إلي ذلك أن ثورات الربيع العربي أجبرت إسرائيل علي إعادة النظر في نظرتها للعرب وساد القلق لدي قياداتها وشعبها عما يخبئه المستقبل لها. ولا بد لنا من التخلص من فزاعة اتفاقية السلام وخطر الردع العسكري الإسرائيلي. غير أن تناول الأزمة السيناوية ينبغي أن يكون شاملا جامعا للجوانب الاستراتيجية والأمنية والتنموية ونعرض لذلك في اتجاهين، الأول: معطيات وخطوات تحرير سيناء، والثاني: هوخطوات استعادة الاقليم الي أرض الوطن وجعلها جزءا لا يتجزأ من الأرض المصرية. اما عن تحرير سيناء واستعادة سيادتنا كاملة عليها فهوحق لنا بموجب أحكام القانون الدولي، وفي واقع الأمر فن مسمي اتفاقية السلام، حيث الغي هذا المسمي بعد ميثاق الأممالمتحدة، حيث حرم استخدام القوة لحل الخلافات بين الدول فلم يعد هناك ما يسمي بإعلان حالة الحرب ولا اتفاقيات صلح اوسلام ، والحقيقة ان الاتفاقية أمنية تضع قيودا علي سيادة مصر علي أرضها وعلي تحركات قواتها العسكرية علي زعم ان إسرائيل تحتاج لتأكيد عدم شن مصر لحرب جديدة ضدها والواقع ان ذلك يتنافي مع سلوكيات إسرائيل العدوانية وحروبها المتواصلة ضد مصر وفلسطين وغيرهما من الدول المحيطة بها، وفي كل الأحوال فبعد مرور اكثر من ثلاثة عقود لم تلجأ فيها مصر لاستخدام القوة ضد إسرائيل وبعد ان وضح بشكل مؤكد ان مصر ليست لديها إمكانيات عسكرية واقتصادية لشن حرب ضد إسرائيل خاصة مع الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعاني منها في الفترة الحالية ، اصبح من الضروري إجراء مراجعة شاملة للعلاقات المصرية الإسرائيلية وخاصة أحكام تلك الاتفاقية وهوما يتفق مع أحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي تنظم حق كل دولة بموجب اعتبارات سيادتها طلب مراجعة نصوص اتفاقياتها مع الدول الأخري اوحتي إلغائها من طرف واحد كما فعلنا في معاهدة 1936 مع بريطانيا ، كما تعطي لكل دولة الحق في فسخ اتفاقياتها اذا حدث من الطرف الآخر إخلال جسيم في التزاماتها المتقابلة وهوما ارتكبته إسرائيل من انتهاكات جسيمة لاحكام الاتفاقية منذ قيامها مما يخل بتوازن الالتزامات بين الطرفين. وعلي ضوء العدوان الإسرائيلي المتكرر وانتهاكاتها لاحكام الاتفاقية فان لمصر ان تطلب الدخول في مباحثات لتعديل أحكامها بما يحقق مصلحة وأمن الطرفين معا بطريقة متناسية لا يتميز بها طرف عن الآخر. ونقول لمن ترتعد فرائصهم من رد فعل عسكري إسرائيلي كما يلمح بذلك اويصرح سياسيون إسرائيليون ووسائل الاعلام الإسرائيلية ، ان يتغلبوا علي فزعهم وذلك لان قراءة الموقف الدولي والإقليمي من شأنها أن تحد كثيرا من إقدام إسرائيل علي مغامرة عسكرية ضد مصر ، وأنه حتي إذا أصابها الغرور والصلف لشن الهجوم لأن مصر ليست أقل من حزب الله ولا غزة في قدرتها علي صد أي هجوم ، ولا تحتاج مصر لصد أي هجوم بري عبر حدودها معنا ان تستعين بجيشها الرسمي اذ يكفي ان يقوم مواطنون مدنيون في شكل كتائب شعبية مسلحون بسلاح ال«آر بي جي» المضاد للدروع وآخرون بالكلاشينكوف والصواريخ المحمولة أرض جوبتدمير وصد أي هجوم عسكري بالمدرعات والدبابات والمشاة . ويبقي ان تستخدم إسرائيل بهجوم جوي وصاروخي وهوخيار خطير لا تتحمل فيه إسرائيل الرد المصري والعربي. وفي النهاية فان صحوة الشعوب العربية بما يسمي بالربيع العربي تضع قيودا ثقيلة علي أي محاولة للقيام بمغامرة عسكرية تخل بالتوازنات الحالية في الشرق الأوسط ، ومن هنا أقول للخائفين والمرتعشين نحن لا نسعي للحرب ولا نخشي حربا تشنها إسرائيل ولذلك فان طلبنا مراجعة الاتفاقية واستعادة سيادتنا لا يمثل أي تهديد ولا يجد مبررا للرفض.. وأما عن المطالبة بضم سيناء بمعني معاملتها علي قدم المساواة مع مدننا ومحافظاتنا في الوجهين البحري والقبلي ، أعود هنا إلي استشراف مسار تناول القاهرة للمسألة السيناوية ، فأشير إلي أنني لم أسمع طوال ما يقارب أربعة عقود في السلك الدبلوماسي عن دولة تقوم هي بإرادتها الحرة بفصل جزء من إقليمها عن أراضيها ومعاملته معاملة مختلفة غير متكافئة في عدد من الحالات كما فعلت الدولة المصرية في شبه جزيرة سيناء ، ولم استطع أن افهم أسباب هذا التصنيف المزعج، رغم الحديث المتكرر عن تعمير سيناء والمعاملة المتساوية لسكانها ووصلها بالوطن الأم شمالا وجنوبا ، ولكننا سنحاول إلقاء بعض الأضواء علي جذور ومبررات هذا النهج . وفي البداية أبدي اعجابي واندهاشي أمام الإصرار الغريب غير المبرر من الحكومة ووسائل الإعلام والكتاب علي التمسك بالمسمي الجغرافي التوراتي لشبه جزيرة سيناء مما يكرس مفهوم أنها لا ترقي إلي أن تكون جزءا لا يتجزأ من مصر ومن شأن ذلك أن ينعش الأطماع الصهيونية باعتبارها أرض التوراة وهي الأطماع التي لا تخفيها إسرائيل ويصرح بها قادتهم من بن جوريون إلي مناحم بيجين. وكان الأولي بنا أن نقلع عن المسمي الجغرافي ونعرفها باسم إداري يوحدها مع باقي الإقليم المصري وأتطلع واقترح أن نسميها الوجه الشرقي أوالإقليم الشمالي الشرقي كما نطلق علي الشمال وجه بحري وعلي الجنوب وجه قبلي . أما المحافظات داخل وجه شرقي فتسمي بأسماء المدن مثل محافظة العريش وشرم الشيخ والغردقة مع حذف نسبتها إلي سيناء . إن هذا النهج في نظري يحقق هدفين هامين الأول نفسي يزيل جدار التفرقة بين سيناء الجغرافية وبين باقي الإقليم المصري ، والثاني هوعدم الاحتفاظ بالاسم التوراتي حتي لا يصبح سندا لتوسع إسرائيلي علي أساس ديني .. وترجع جذور هذا التصرف إلي العهد العثماني ولكنه نما وتجذر أثناء الاحتلال البريطاني، حيث فرضت بريطانيا قيودا كبيرة علي تنقل المصريين في الوادي إلي اقليمهم الشرقي فقد كان دخول سيناء أوالخروج منها يتطلب إذنا من المخابرات وإذناً مكتوباً كأنه جواز سفر. والعجيب أن الأجهزة المصرية المنية والإدارية سارت علي ذات النهج رغم موقف أبناء شبه الجزيرة الوطني إبان الاحتلال الإسرائيلي .. وليس في هذا من جديد بل إن الكتب والدراسات الغربية أبرزت هذا التناول المزدوج لشبه الجزيرة مقارنة بالوضع في الوطن الأم ، وأكتفي هنا أن أشير إلي دراسة أعدتها لجنة الأزمات الدولية International Crisis Group في 2007 التي تناولت عدة جوانب للوضع السيناوي أولها أن المنطقة تاريخيا تتجه إلي جيرانها المشرقيين أكثر من ارتباطها بوادي النيل ولسكانها علاقات اجتماعية وثيقة بالفلسطينيين اكثر من سكان الوادي وثانيها المضمون العنيف brutal context للوضع الحدودي رغم جلاء إسرائيل عنها أن العمليات التفجيرية تتم بواسطة أفراد من شمال سيناء ، كما لاحظت الدراسة افتقاد المساواة الاجتماعية والاقتصادية ليس فقط بين سكان سيناءوالوادي ولكن بين سكان شمال سيناء التي تعتبر من أفق محافظات مصر وبين جنوبها الذي يحظي بالمنتجعات السياحية . وأشارت الدراسة - وهي دراسة طويلة ومفصلة لا مجال لها في هذا المقام - إلي الصعوبات التي تعترض الاندماج مع أقاليم مصر الأخري وبينت صعوبة إدماج سيناء في الإقليم المصري Sinai's problematic integration وانتقدت المعاملة الخشنة للبدووإعادة توطينهم. نخرج من كل ذلك بأننا يجب أن نقلع عن ثقافة عزل سيناء وعن معاملة اهلها معاملة غير متوازنة ، وأن نتناول شئونها من منظور سياسي واجتماعي وتنموي ، وألا نتركها نهبا في عباب التفكير الأمني الصرف الذي تسبب في عزل سيناء لاعتماده علي الخشونة المفرطة في معاملتهم دون اعتبار لتركيبة السكان البدوية