· يشكلون 50% من سكان الوطن ولا نذكرهم إلا حينما نرصدهم في إحصائية الفقر · هؤلاء يكتنفهم القهر يصارعون الحياة ولا يشغلهم سوي البحث عن لقمة تسد رمق جوعهم من أجل البقاء حول المدن الكبري، وفي ثنايا بعض أحيائها، وفي زوايا القري وجنايا النجوع، وعلي امتداد الكثير من المناطق الصحراوية الشاسعة والبعيدة، تقطن الأغلبية من مواطني هذا البلد، إما أن يراهم البعض منا صدفة حسبما تقتضي مصالحه، أو نلمحهم ونحن في طريقنا إلي مكان ما، يفرض علينا للوصول إليه الاقتراب من مناطقهم العشوائية، فمصر بمفهومنا هي القاهرة الكبري بأحيائها الراقية ومدنها الجميلة، نراهم كثيرا ولا نحاول الاقتراب منهم، نتعرف عليهم ولا نسعي لتفهمهم. هؤلاء المواطنون الذين يشكلون ما يقارب من الخمسين بالمائة من سكان هذا الوطن، لا نذكرهم إلا حينما نرصدهم من خلال إحصائية الفقر. هذه الفئة المهمشة بشرائحها، تعيش منكفئة علي ذاتها، تعاني شظف العيش، تلم أجسادها علب من الصفيح، أو قارب تطوحه الرياح، يتوالدون به، وغرف فوق مدافن الموتي يسكنونها، فربما يوفرون ثمن الأجرة في حالة موتهم، وحتي مناطقهم من الطوب الأحمر تفتقد الإمكانيات، ومنهم من تاهت أصواتهم بالصحاري. هؤلاء يكتنفهم القهر يصارعون الحياة ولا يشغلهم سوي البحث عن لقمة تسد رمق جوعهم من أجل البقاء، يلتقطون قوتهم من خلال عجلة اقتصاد غير مرئية دن رقابة أو اشراف من الدولة، مظهرهم الخارجي وتصرفاتهم توحي ب باللاوعي واللامبالاة، ولكن في حقيقة الأمر، هم يدركون ما حولهم ويعرفون أنهم الفئة المهمشة والمستبعدة من المجتمع، فبينهم وبين الطبقة الاجتماعية الأخري مسافات ممتدة، وبينهم وبين الحكومة فجوة شاسعة، لا تقترب من خلالها منهم: منهم من يقف صامتا علي الحياد مراقبا، ومنهم من يدفعه الظلم والاستبداد إلي تصرفات إجرامية وغير أخلاقية، وبعضهم تتسم صفاته بالعنف والعدوانية، معتقدين أنهم من خلال تصرفاتهم هذه يثبتون وجودهم ويقتنصون حقوقهم من أنياب المجتمع، وبالتالي من السهل التأثير عليهم، واستغلال بعض القوي السياسية والدينية لهم، كما النظام السابق، تبحث عنهم لشراء أصواتهم في الانتخابات لتحقيق مصلحة وقتية ثم لا تعرفهم، وبعض القوي الدينية تستقطبهم من خلال خطاباتها وتمنحهم الرشاوي المقنعة من أجل تحقيق أهدافها السياسية، وبعض القوي تستغل شبابهم لممارسة أعمال البلطجة مدفوعة الأجر، والنخبة الثقافية بعيدة كل البعد عنهم، إما أن تخاطب بعضها البعض، أو توجه خطابها لفئة محدودة من الشعب، حتي الأحزاب السياسية لم تحاول الاقتراب منهم لتعرفهم بنفسها ودورها بما يعود عليها بالفائدة، وإن عرفهم البعض من فئات المجتمع، كالجمعيات الخيرية، غالبا ما يكون في الأعياد والمناسبات الدينية، فتلقي لهم بعض الفتات من المواد الغذائية والملابس المستعملة، أما الإعلام فلا يعرفهم إلا من خلال تصوير العشوائيات التي يعيشون فيها، لإظهار ضعف أداء الحكومات. عندما قامت الثورة، كانت من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، أخذنا نطرح الكثير والكثير من القضايا والمشاريع والخطط المستقبلية، وتغاضينا عن القضية الكبري، والأهم، وهي الوضع الاجتماعي لهذه الفئة، والتي لن تقوم لدولة قائمة، لا اقتصاديا ولا أمنيا إلا من خلال هذه الفئة المسئولة عن انجاح كل المخططات، عندما يهيأ لها المناخ، ونحن في هذه المرحلة الحرجة والتي نحاول من خلالها استعادة الوطن للجميع، وبناء مصر جديدة، لابديل أن تدرج الحكومة هذه المشكلة الاجتماعية تحت بند أولوياتها، باحتواء هذه الفئة الصامتة والمهمشة بشرائحها والتي أرغمتها الظروف أن تقف علي الحياد، من خلال خطة استراتيجية واضحة ومدروسة بتكاتف جميع أجهزة الدولة من المسئولين والمحافظين ومجالس المحليات للعمل وفقا لهذه الخطة ومن الآن، لصالح المواطن والارتقاء بالوطن، ولا ننسي أن هذه الفئة نفسها التي كادت تقوم بثورة الجياع. وهذه الطبقة هي التي تشكل العمود الفقري والمؤثر علي نمو الاقتصاد والتي تسير عجلته من زراعة وصناعة وأيد عاملة في جميع قطاعات الدولة، سواء القطاع الخاص أو العام، هذا لن يتحقق إلا إذا نزلنا إليهم ونحينا ثقافة الوعود جانبا، من خلال احترامهم الفعلي الذي لن يتأتي إلا من خلال ارجاع كرامتهم المهدرة لعقود، نؤمن لهم أبسط سبل الحياة الكريمة، والتي هي حقوقهم المشروعة كمواطنين، من خلال الصحة والتعليم والمأكل والملبس والمسكن، لنقضي علي فقرهم وبطالتهم وأميتهم. وبدلاً من أن تستغلهم القوي السياسية والدينية وغيرها، لتسيرهم حسبما رغباتها وأهوائها في هذه الأوقات، كان الأفضل والأجدر لها أن تنتهز فرص تواجدها علي المنابر والمنصات وفي وسائل الإعلام لاختلاق معارك جانبية، أن تخصص لهم جزءا من المساحة الزمنية بنية خالصة وبعيدة عن أهدافها السياسية ومصالحها الوقتية لحاجتهم، بأن تبث روح الوعي لديهم، توجههم للطريق السليم، تبصرهم بحقوقهم التي لو حصلوا عليها، سيعرفون واجباتهم من خلالها «تعلمهم الصيد بدلاً من أن ترشيهم بسمكة». وبالتالي تعود المنفعة علي كل فئات الشعب وعلي مصالح المسئولين الذين أختيروا من قبلهم، فعندما يحتاجونهم سيجدونهم لخدمة الوطن. وعندما نضعهم علي أولي خطوات الطريق السليم، نتركهم لقناعاتهم، يختارون من يشاءون عن إدراك ووعي، بدلاً من أن نملي