جميل أن يطل الدكتور عصام شرف علي الناس بوجه طيب نبيل , وجميل أن يبدي تواضعا فيتجه بأسرته الي مطعم شعبي لتناول الفول مع المصريين , ورائع أن تتجه الي مكتبه سيدة عجوز فيحمل لها الحذاء في أدب جم , كل ذلك عظيم ولكنه ليس يكفي . ان المتابع لقرارات رئيس الوزراء يجد مايريح الصدر وهومفترض بديهي ولكنه يجد أيضا مايزعج و مايشعل الصدر نارا , بل ويجد أمورا تستعصي علي الفهم . يعلم الدكتور شرف أن ثورة قامت علي ضفاف النيل , وأن مصريين استشهدوا وأن الوفا منهم أصيبوا بعاهات أبدية بعضها فقد ابصار احدي العينين , ويعلم أن المصريين مستعدون اليوم لفعل مايخطر ومالايخطر علي البال لنيل ماسلب من حقوقهم , ويعلم أن الناس في حالة يقظة دائمة وأن الظرف يوجب التحوط البالغ عند كل قرار. واذا كان الرجل يعلم فمابال بعض اختياراته كارثية حتي أننا لو فرضنا جدلا أن انسانا دخل في غيبوبة قبل يوم تفجر الثورة ثم أفاق اليوم وعلم ببعض الأسماء التي عهد اليها ببعض الملفات الهامة أو المناصب لماخالجه الشك في أن مبارك لا شرف هو من أصدر القرارات . الا يعلم رئيس الوزراء أن المصريين كفوا والي الأبد عن تفويض أحد كائنا من كان في أمورهم دون رقابة ومحاسبة ؟ ان بعض وزراء شرف كانوا أعضاء بارزين في لجنة السياسات , وكما أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن , فان من دخل لجنة السياسات فهو مؤيد للتوريث , لأن لجنة السياسات هي باب جهنم لدور الوريث أعني المتهم جمال مبارك أحد زعماء التشكيل الاجرامي لنهب مصر , وكما أنه لايعبد الانسان الله والمال معا , فانه يستحيل علي امريء أن يخلص الحب للوطن ويؤمن بالتوريث لشخص رائحة فساده تزكم الأنوف معا وليس بوسع أحد أن يدعي أنه كان يجهل فساد عائلة مبارك لأن الثعابين في الشقوق والطير في السماء وحيتان البحار كانت تعلم ! فهل عقمت مصر ولم يعد الا أعضاء لجنة السياسات يا حضرة رئيس الوزراء؟ ثم نأتي الي تعيينات المحافظين التي كانت نكبة من نكبات العهد الثوري , فالبعض ملاحق بقضايا فساد مالي والبعض ملاحق باتهامات بالتعذيب والقتل والبعض لفظه أبناء محافظته فنقل الي محافظة أخري هنيئا مريئا فهل عقمت مصر ياحضرة رئيس الوزراء فلم تجد محافظين يصلحون الا من تلاحقهم الشبهات؟ وربما قال قائل ان الأمر ليس سوي اتهامات لم يسجلها بالاثبات حكم قضائي ولكنه قول لايصمد للنقاش لأن الشرط البديهي للموظف العام ولو كان في أدني درجات سلم الوظيفة هو حسن السمعة وهو أمر يستحيل توافره مع اعلان مئات الألوف رأيهم ساخطين علي هذا أو ذاك , ثم اننا لسنا في مقام محاكمة أحد حتي ننتظر توافر الدليل لأن البلد زاخر بكفاءات لاتلاحقها أدني شبهة فلماذا لاندع مايريب الي مالايريب ؟ لقد صعقت لما قرأت خبر تعيين أحد خلصاء زعيم العصابة مبارك في موقع مهم , ورحت كغيري أضرب كفا بكف مذهولا متسائلاً تري من أشار بهذا الاختيار العجيب الذي يصح فقط في باب الكوميديا السوداء ! ونختم" بأم المصائب" , وبرغم أن من طبيعتي ولدواعي انتمائي للقضاء ما يجعلني أتحاشي ذكر أشخاص بعينهم فانني مضطر اضطرارا أن أقف عند ترشيح مصر للدكتور مصطفي الفقي كأمين عام للجامعة العربية . لا أحد يشكك في الأهلية العلمية للرجل , فهو متحدث واع ومثقف بارز ونزعته القومية مسلمة ولكن ذلك وحده لايكفي علي وجه الاطلاق , لأن هناك أمورا أحاطت بالرجل جعلت مروره الي المنصب أمرا باهظ التكاليف لأن ما أحاط به هو عبء ثقيل عليه وعلي مصر معا . ودعونا من أن الرجل كان موضع ثقة مبارك وأنه عينه في مجلس الشوري بقرار ممايقطع برضاه عنه , ودعونا من دوره في المجلس القومي للمرأة ومايقال من كتابته خطب زوجة زعيم التشكيل العصابي وأم اثنين من زعماء التشكيل الاجرامي لنهب مصر واذلال أهلها فضلا عما تحمله الأيام عنها هي أيضا ومالها وماتملك ومكتبة الاسكندرية وغيرها , دعونا من كل ذلك وماعلي شاكلته , لأن هناك جهيزة التي تقطع قول كل خطيب , وجهيزة هنا هي واقعة مقعد مجلس الشعب في انتخابات العام 2005 وماشهد به كل القضاة المشرفين علي دائرة زاوية غزال بالبحيرة من فجائع وفضائح بالجملة يندي لها الجبين منتهاها أن الرجل أحرز نحو ربع الأصوات التي أحرزها منافسه وبالتحديد حصل علي نحو سبعة الاف صوت فيما حصل منافسه الدكتور جمال حشمت علي نحو خمسة وعشرين الفا ومع هذا أعلن فوز الفقي وجلس علي المقعد ونال مالا وسلطة جراء ذلك وهو مالايحل له شرعا ولاقانونا ! تحاشيت اذن مايقبل القول والرد ممانسب الي المرشح للجلوس علي كرسي عبد الرحمن باشا عزام , ومن اللافت أن عزام باشا أمضي حياته محاربا ضد الظلم حتي أنه حمل السلاح ليحارب الاستعمار الايطالي في ليبيا معرضا حياته للخطر وقبلها دافع مع محمد بك فريد عن استقلال مصر وقد تم اختياره بالاجماع من أمة بني يعرب من محيطها لخليجها ليكون أول أمين عام للجامعة العربية , بينما لم يقل الدكتور مصطفي الفقي طوال حياته " لا " ولامرة واحدة حتي من باب ذر الرماد في العيون , وكان ذكاؤه المشهود بوصلته الدائمة لتحاشي مواطن الخطر , وعلي سبيل المثال فانه لم يقفز من سفينة مبارك الا بعد أن تحقق من هلاكها , وقفز ببراعة أشهد لها ويشهد الجميع ! وأقول للدكتور مصطفي الفقي ولمن رشحه أن المرء يخطيء أحيانا خطأ عمره في لحظة اختيار قاسية , وبعدها يمضي باقي العمر في محاولات يائسة للاصلاح دون جدوي , وللتذكرة وحدها فقد ترافع الهلباوي بك ضد شهداء دنشواي وبعدها أمضي باقي عمره في محاولة محو فعلته النكراء دون جدوي , ونصيحتي للدكتور الفقي أن يتنحي من تلقاء نفسه لأن كرسي جمال حشمت سوف يظل يلاحقه حتي لو جلس علي كرسي عبد الرحمن باشا عزام ! ونصيحة مخلصة للدكتور شرف دقق في اختيار من تختار ومن يشير عليك أصلا بالاختيار حتي لانجد اننا فى النهاية قد استنسخنا نظام مبارك فى ثوب جديد!