يملك السيسى ثلاث مزايا لا يملكها احد من المرشحين المحتملين للرئاسة: الشعبية والسيطرة والعسكرية. أولا: ألقى خطاب عزل مرسى، فجعل الجماهير التى انسالت فى الشوارع، تراه قائدا لبى رغبتها فمنحته شعبية لن تتكرر، وصلت قمتها 3 يوليو. ثانيا: يملك مقاليد القوة النظامية الأكبر فى المنطقة بما يجعله يقرر ما يخدم هوس تمنعه عن الحكم، فبات الحاضر فى عقول شغوفة بمعرفة قراره. ثالثا: يرتدى زيا يفرض احترامه على الجميع ويجعله يسكن صورة مثالية للقيادة فى العقل الجمعى، وهى بدلة بلغة السياسة تمنح كاريزما،وتضفى وأقار. لكن فى حقيقة الامر، لا يملك السيسى أيضا ثلاث مزايا: الجسد والخطاب والرؤية، وهى قد لا يشترط وجودها فى العسكرى، لكنها أساسية فى السياسى. أولا كثيرا ما يشبه بعبد الناصر فى حين انه لم يأخذ من جسد الرجل شيئًا، لا طول يمنحه الهيبة، ولا عين تمنحه الثقة، ولا شعر يمنحه الصورة. ثانيا: استخدم لغة فى خطابه تميل كثيرا للعاطفية تعكس صغر بنيانه الجسدى أكثر مما تعكس جرأة، فضلا عن تلقائية مهتزة فى اختيار كلمات خطابه المرتجل. ثالثا: بخلاف "مصر ح تبقى قد الدنيا" لم يقدم رؤية تذكر، وبات كل ما يخرج من تصريحات مجهلة عناوين منسوبة لثورة (يناير) لم يضبط يوما متلبسا بأفكارها. خلال الفترة الماضية خسر السيسى ثلاثة من اهم عناصر شعبيته، الشركاء، الاعلام، قطاعات من المؤيدين. أولا: كان الرجل على تواصل مباشر مع شركاء يونيو، لكنه قطع الجسور عقب «الفض»، فاعتقد البعض أنها شعور بذنب لم نحصل له على دليل. ثانيا: يعتقد البعض أن الاعلام كان المحرض على مرسى فى حين أن «العميقة» كانت صاحبة الامتياز وكان الاعلام الناقل الرسمى للتحريض (يتكرر الآن). لكن ما أن أعلن عن "عدم العودة إلى ما قبل 24 يناير" حتى تحول الاعلام تدريجيا، إلى خانة الحياد «المؤقت» مدعيا وجود مسافة مماثلة للاتجاه المعاكس. الحياد المؤقت، كان بمثابة رسالة إلى السيسى، نحن لدينا فواتير نريد تحصيلها، فامتنع السيسى عن الدفع، فرد الاعلام بهجوم أكثر ضراوة على الحكومة. ثالثا: منذ بيان العزل وحتى فض رابعة، كان منحنى شعبية السيسى يسكن قمته، وخلفه بسنوات ضوئية أقرب المرشحين المحتملين للرئاسة. لكن انخفاضا كبيرا حدث فى تلك الشعبية بعد الفض (العنيف) لرابعة والنهضة وحتى اقرار الدستور الجديد، فخرج تقريبا قطاع كان يراه مرشح الضرورة. بعد اقرار الدستور وتقديم موعد الرئاسية، تحول تمنعه إلى ظاهرة لا يستسيغها كبير المنافقين ذاته، فخرج قطاع آخر كان يراه مرشح الحسم. ورغم ذلك مازال الفارق كبيرا عن أقرب منافسيه، لكن هذه المرة لا تقاس بالسنوات الضوئية، وإنما ببضعة ملايين أمن به أغلبهم نتيجة «الكيد» السياسى. عدد كبير من الاخطاء وقع فيها السيسى خلال الفترة الماضية، القاتل منها ثلاثة عملية الفض العنيف، قانون التظاهر، اختراع علاج الفيروسات. أولا اتجه للدم كاختيار وحيد، وما يروى به ينتج انتقاما، لتستمر محاولات بائسة لتصحيح ما لا يصلح معه الاستمرار فى تعاطى علاج ثبت أنه المرض ذاته. ثانيا خرج «التظاهر» فى خضم دولة سيقت فى اتجاه هدم جماعة لا بناء وطن، وباتت كراهية الاخوان فقط الشرف والصلاح، ومعارضة النظام خيانة وضلال. ثالثا كان مفترضا أن يحول جهاز علاج فيروس سى والايدز العالم من متشكك لمحتفل، لكنه زاد تشككا، وفشل أطباء «الكفتة» أن يقنعوا العالم أن العلبة بها «فيل». وبات المحب «الاعمى» مصدقا على الدوام، وظل الكاره «الاعمى» مكذبا للابد، وفى المنتصف جماهير تنتظر دليلا علميا كانتظار الشيعة عودة الامام الغائب. تلك الاخطاء القاتلة تمنحنا صورة لوضع البلاد والسيسى رئيسا، هل هكذا ستدار الدولة التى يراد بها أن تكون «قد» الدنيا، فنصبح «أضحوكة» انصاف الرجال. أم نرتد عن الغى، والكبر، والجهل، والسطحية، إلى الحق والعلم والقيم والاعتراف بالخطيئة قبل الخطأ. نشر بعدد 690 بتاريخ 3/3/2014