يحمل مصطفي الفقي علي كاهله صورة نمطية ثابتة، رجل يضع قدمين في مكانين مختلفين، واحدة لدي دوائر السلطة، والأخري لدي النخبة والرأي العام، يحصد مناصب النظام، وينشط اجتماعيا يشارك في الاحتفاليات وجلسات نجوم المجتمع، ويكتب مقالاته مادحا في الاتجاهين. ما أن تقوي جبهة إلا ويسارع بسحب قدمه الأخري، فيحظي بمكاسب هائلة لكنه يظل بعيدا عن ثقة الجبهة الفائزة للتو، وتؤهله سماته الشخصية وأهمها " الكلام الكتير" بحسب اعترافه إلي الجلوس في المقاعد الخلفية. قبل ما يقرب من عام، لمح في الأفق انخفاضا في معدل الجدل المتعلق بالتوريث، فحن لدوره القديم كمحلل، يقول ما لا تقوله دوائر السلطة، فيكسب رضا شعبيا. وفي الوقت نفسه يؤدي خدمات لها. دعّم فكرة مجيء جمال مبارك كرئيس قادم، مؤكدا أن مؤسسات سيادية عديدة ستبارك ترشيحه، كما قطع الطريق علي البرادعي وعمرو موسي، مستعملا تعبيرات "العين ما تعلاش علي الحاجب" بالنسبة لعمرو موسي، وضاربا في شعبية البرادعي بتصويره أنه مقبول أمريكيا، وأنه سبق له أن جلس مع جمال لمدة ساعتين في لقاء بنّاء. كان الحوار وقتها دفعة منشطة لجدل التوريث، لكن الفقي وقع في المحظور عندما قال في سياق كلامه، إن رئيس مصر لا بد أن توافق عليه أمريكا وإسرائيل.. هنا التقط محمد حسنين هيكل المحظور.. واعتبر الفقي "شاهد ملك".. وكلمة شاهد ملك بالتعبير القانوني، تكون علي جريمة، لم يتحمل الفقي الصدمة وأرسل ردا إلي "المصري اليوم" قال فيه إنه خرج من مؤسسة الرئاسة منذ عقدين، وكلامه يحسب عليه كمحلل سياسي، وليس كفرد من السلطة يعبر عنها. اعتمد الفقي في رده علي هيكل علي منطق متهافت، فقوله إنه محلل لا يعفيه من المسئولية. ثم عاد وقال إن ما نُقل عنه في المصري ليس دقيقا! قبيل الثورة المصرية مارس هوايته، وفي تعليقه علي نجاح ثورة تونس قال لوفد مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إن مبارك ليس بن علي، وأن" مصر تتمتع بمساحة كبيرة جدا من الحرية التي لا تقارن بأي دولة عربية أخري وحرية الصحافة والتعبير متاحة للجميع". في نهاية كلامه للأمريكان قال الرجل: إنه يوجد فساد لكن المهم أن تحاربه الحكومة. يقول الفقي في تصريح شهير علي هامش انتقادات عديدة تناولت ترشيحه لمنصب أمين جامعة الدول العربية، إن "كل من اقترب من النظام السابق لا يعد فاسدا بالضرورة، وأنه دفع ثمن مواقفه المستقلة، وأن وضعه علي هامش النظام كان يضغط عليه. لكن يبدو أن الضغط كان أكثر من اللازم، لدرجة تورطه في الحصول علي كرسي برلماني بانتخابات 2005، شهدت الدكتورة نهي الزيني، وغيرها أنه بالتزوير، وتزوير الانتخابات جريمة عقوبتها أشغال شقة ( وهناك عنبر في مزرعة طرة للمزورين). والرجل ذاته هو من دافع مستميتا عن تمديد قانون الطوارئ، وقال في لقاء جمعه بطلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية إنه "يؤيد التمديد لأن الطوارئ تمنح الحكومة القدرة علي اتخاذ إجراءات استباقية تجاه قضايا الإرهاب والمخدرات"، وهو ذات مبررات حبيب العادلي، وفي منتصف الثورة طالب الفقي بإلغاء قانون الطوارئ مرة أخري!!. تجاوزات الفقي، وسواء كان ارتبط بفساد أم لا ليست موضوعنا، فقط الحيثيات السابقة تؤكد لنا أننا أمام رجل لا يعبر عن مصر الثورية، ومن العيب أن يكون مرشحها كأمين للجامعة العربية. يتحمس السفير نبيل العربي للفقي، وسر حماسه أنه دبلوماسي كفء، سبق له العمل تحت رئاسته في الهند، يتمتع بعلاقات قوية مع أطراف عربية، والدليل ترحيب السعودية وسوريا والأردن بالرجل، وهناك منافسة قوية مع المرشح القطري عبد الرحمن العطية، وضمان أصوات ثلثي ممثلي الدول العربية كفيل بنجاح المرشح المصري. فوز مصر بالمنصب عبر الفقي ضرره أكبر من خسارتها للمنصب كله، فما الرؤية الإصلاحية لرجل عاش عمره يدافع عن نظام مستبد وفاسد، حصل خلالها علي أعلي جائزة في الدولة، وهي جائزة مبارك للعلوم الاجتماعية، دون مؤهلات حقيقية لذلك، ومن يعترض عليه بإبراز مؤلف واحد للفقي خارج مصنع تعبئة المقالات الذي يملكه، وهل له دراسة اجتماعية واحدة غير الماجستير والدكتوراة. في الأحياء الشعبية تبرز مهنة شاويش الفرح، وهي مهنة تقتصر مهمة صاحبها علي التهليل للمهنئين في العرس، والتصفيق لأي قادم يدفع النقطة، وفي الوسط السياسي يبرز الفقي كشاويش دائم للفرح، يهلل للسلطة، فتعطيه هباتها، وبعد موتها يهلل للثورة، والنتيجة منصب أمين جامعة الدول العربية.