مهما كان مشاهد الفضائيات العربية متسامحاً في إنفاق وقته والإسراف في تبديد ما بقي له من بصر أو تركيز، هل يمكن لهذا المشاهد أن يتجاهل أزمة جديدة تلوح نذرها علي هذه الفضائيات فيمن تستضيفه من الضيوف للحديث - ولا أقول الثرثرة تأدباً - في عملية إعادة انتاج ما سبق لهم قوله في القنوات تحت مسميات مختلفة، ولكنه نفس الذي يقولونه إجابة علي أسئلة بعض «الكسالي» الذين أصبحوا يفضلون لقب «إعلامي» وأخري «إعلامية» لحكي ما هو مجمله «مشوار حياة الضيف» الذي حفظناه عن ظهر قلب حيث لا جديد فيه إلا ما يخفيه صاحب المشوار حتي يوم الدين!، هي أزمة ضيوف إذن رغم كثرتهم التي تجعل الاستضافة حقاً لهم بحكم أن هذا «هو الموجود»!. وهذه الأزمة تذكرني بأزمة من السبعينيات في القرن الماضي، واجهتنا في مجلة اسبوعية فنية تصدرها دار صحفية عريقة، وكان رئيس تحرير المجلة من النقاد والأدباء اللامعين في زماننا وزمانه، وكان رحمه الله، وقد عملت شاباً معه يفضل أن يكون غلاف هذه المجلة الفنية المشهورة - كانت المجلات الفنية قليلة في مصر والعالم العربي - لنجمة سينمائية لها جمهورها العريض. وكان لابد أن تكون صاحبة الغلاف جميلة مغرية سواء كانت الصورة لها في مشهد إغراء أو لوعة غرامية، وكان لا يسمح بنشر غلاف لنجم سينمائي أيام أن كان أصحاب لقب «النجم» قلة!، فلم يعرف اللقب «مرمطة ورطرطة».. إلا في زماننا الحالي!، ولأن النجوم علي عهد رئيس التحرير كانوا قلة، فقد عانينا أزمة في الغلاف كل اسبوع!، ننشره لهذه أو تلك مرة سرعان ما تتكرر في صورة جديدة!، وبعض هذه الأغلفة المكررة كان نشره إجبارياً حيث هو في حقيقته إعلان عن فيلم جديد يحمل الغلاف موضوعاً داخلياً ملوناً عنه، يدفع ثمنه المنتج أو تدفع النجمة ثمنه، والاقبال علي نشر الغلاف يشهد منافسة بين النجمات!، حتي إذا أخذ التكرر مداه لم نعرف لنا منقذاً من هذه المشكلة - أو أزمة الأغلفة - إلا بالخروج من نطاق نجوم الفن وأغلفتهم إلا بنشر أغلفة لنجوم الكرة فرادي أو مجموعات، وذلك في أيام مباريات الكرة الساخنة التي استدرج التليفزيون الناس إليها ولم يكن ظهور التليفزيون في مصر قد مر عليه إلا أقل من عشر سنوات!. ولكن «أزمة الضيوف» علي فضائياتنا العربية حالياً يبدو أنها لا تجد لها مخرجاً حتي الآن!، بل ها نحن نري أن النجوم أنفسهم قد تركوا مقاعد الاستضافة للثرثرة مع المقدمين إلي تولي مهمة التقديم!، لكن الأطراف المستضافة ظلت علي حالها لا تبارح مقاعدها لتحكي «المشوار» الذي ضقنا به الي حد أننا ننصرف عنه حالياً إلي برامج أخري حتي لو كانت اخبارية مروعة!، أو نتابع برنامجاً يستضيف فيه صاحبه الضيوف الذين ليسوا من النجوم، لكنهم يحدثوننا عن «بلاوينا» ويفكون أسرار أزماتنا الخانقة حتي نقتنع - مثلاً - بأن بلدنا ليس له صاحب!، فقد تسرق فيه الأموال، أو تفسد الضمائر فساداً يظل الشهود عليه لا يمكن مثولهم أمامنا أو أمام محاكمنا!، ولأن لعبة الاستضافة للنجوم وحديثهم عن «مشاويرهم المملة» قد ضج منها مقدمو البرامج أنفسهم!، فقد انفتح الباب قليلاً أمام النجوم وأصحاب البرامج لتداول الآراء في كل شئ!، من موقع المحطة النووية المصرية في الضبعة، إلي تحليل فساد العملية التعليمية في عاليها وواطيها!، ولم يتحرك أصحاب القنوات في إطلاق حق «المعدين» لاختلاق «نجوم» يحكون «مشاوير» لم يقطعوها بعد!، وادعاءات في الحوار عن أن النجمة بنت امبارح لا تنام لأنها مقبلة علي أداء دور غازية هو جديد عليها تماماً!. هل من أحد يجد لنا ولهؤلاء جميعاً حلاً لأزمة الضيوف؟. أحدث أزماتنا!.