· بمرور الوقت تحول الحصار إلي مجرد تفصيلة صغيرة لا يتذكرها أحد.. لكن أبطال الأسطول أعادوا القضية للواجهة وسلطوا الضوء علي جريمة الفصل العنصري في غزة الخميس الماضي كنت علي الهاتف مع بعض أبطال أسطول الحرية.. كان بعضهم في قبرص ينتظر وصول بقية السفن عند نقطة الالتقاء للتحرك إلي غزة..لكسر حصار مستمر منذ العام 2007.. وكشف جريمة فصل عنصري تخرج لسانها للقانون الدولي لسنوات.. وكعادة إسرائيل فرضت أمرا واقعا.. وتواطأت معها القوي الكبري وبعض الأنظمة العربية حتي أصبحت جريمة العزل العنصري مجرد تفصيلة صغيرة في المفاوضات.. تتكلم أصوات كثيرة عن نموذج رام الله في التنمية الاقتصادية والانتعاش المالي كطريق للتهدئة والسلام.. شاع ربط زائف بين الفقر وما أسموه التطرف في غزة.. كانت عملية مفضوحة لتلويث المقاومة وربطها بالإرهاب.. استغلوا سذاجة حماس ونزقها السياسي أحيانا..راهنوا علي سقوط غزة مع التضييق الاقتصادي ولمعان رام الله في ظل حكومة فياض. لم تسقط غزة.. حتي مع تحول التضييق إلي خنق تترجمه أرقام مرعبة ارتفع معها معدل الفقر إلي 70%، وفقدان أكثر من 150 ألف وظيفة بعد توقف الورش والمصانع وتراجع معدلات الإنتاج في المصانع المتبقية إلي حدود 10% .. منعت إسرائيل الوقود والدواء ومواد البناء .. فرضت حصارا علي الموانيء والمعابر والطرق.. وبين الحين والآخر تكثف غاراتها وتشن ضرباتها. زادت مصر من أوجاع غزة ببناء الجدار الفولاذي .. وسد الأنفاق.. وفي تبرير ذلك قالت مصر الرسمية إنها تمارس سيادتها علي حدودها .. كما أكدت أن قرار فتح معبر رفح ليس فرديا. مع ازدياد الخنق والتضييق والفصل العنصري .. كان لابد من حل.. توجه فتية من النشطاء الأجانب والعرب إلي غزة لكسر الحصار .. تحرشت إسرائيل مرة بعد أخري .. ومع تكرار المحاولات عن وجهها القبيح وهددت وتوعدت. هذه المرة تعلم الناشطون الدرس.. حصنوا أنفسهم بنفوذ 32 دولة مختلفة.. كان عددهم أكبر من كل مرة .. فقد بلغ مجموعهم 750 فردا.. كان الأتراك في المقدمة .. تبنوا الحملة ودعموها وتحمسوا لها مع دعم غير مباشر من حكومة العدالة والتنمية المتجهة شرقا..كان علي متن السفن عشرات الصحفيين من أطقم يورو نيوز والجزيرة والتليفزيون السويدي.. كان منهم 44 برلمانيا أوربيا. كان الجميع علي استعداد لمعركة كسر الحصار وكشف الفضائح.. قال لي رامي عبده عضو الحملة الاوربية وهو علي متن مركبه في قبرص قبيل الضرب:"إسرائيل خياراتها محدودة إزاءنا، عتقالنا أو قمعنا أو السماح لنا بالدخول .. ونحن لن نسمح للاحتلال بالسيطرة علي السفن .. نحن نشطاء سلميون غرضنا إنساني .. ولدينا ما يكفينا للاعتصام طويلا في البحر". في حين شدد أمين أبو راشد منسق الحملة الأوربية لمواجهة الحصار علي غزة وهو فلسطيني الأصل يحمل الجنسية البريطانية علي استعداد نشطاء أسطول الحرية للصمود لأشهر في المياه الدولية، حتي يتسني لهم كسر الحصار علي غزة، وقال لي وهو علي متن قارب متجه إلي قبرص:" درسنا إجراءات السلامة جيدا ومستعدون للتحرشات الإسرائيلية المتوقعة، بعد أن وصلتنا تهديدات غير مباشرة عبر وسائل الإعلام.. نسعي لفضح الجرائم الإسرائيلية وخنق الدولة العبرية لغزة منذ أربع سنوات .. برفقتنا أطقم إعلامية محترفة.. معنا ممثلون للتليفزيون السويدي وقناة يورو نيوز والجزيرة .. سنوثق جرائم إسرائيل ونفضحها أمام العالم". بينما أكد لي في الوقت ذاته الدكتور عرفات ماضي رئيس الحملة الأوربية لمواجهة الحصار ":هدفنا تسليط الضوء علي معاناة أهلنا في غزة.. وإظهار كيف تخترق إسرائيل القانون الدولي.. ونحن مستعدون لكافة الاحتمالات بما فيها مصادرة القوارب". توجه الجميع ومعهم ما يقرب من 10 آلاف طن مساعدات طبية ومواد بناء إضافة إلي 100 منزل جاهز و500 عربة كهربائية لمساعدة المعاقين صدق ما توقعه عبده وماضي وأبو راشد.. قمعتهم إسرائيل.. وأطلقت الرصاص بعد استدعائها لاحتياط وتدشين جريمتها المسماة رياح السماء .. لكن رغم مقتل ما يقرب 16 شهيدا وجرح العشرات .. إضافة إلي سحب السفن لميناء أسدود الإسرائيلي والتحقيق مع النشطاء، رغم ذلك كله خسرت إسرائيل نقاطا عديدة، أولي الخسائر عودة قضية الحصار إلي الواجهة ..رغم قرب ضياعها إلي الأبد..بل وإهمالها تماما خلال مباحثات ميتشل في الشرق الأوسط. من بين خسائرها أيضا قرب خسارة حليفة استراتيجية مهمة وهي تركيا.. مع تراكم الخلافات .. تراشق في منتدي دافوس وتقريع أردوغان لبيريز.. ثم الازمة الدبلوماسية الناتجة عن جلافة نائب وزير الخارجية الإسرائيلي بحق السفير التركي.. والخلاف علي مسلسل تليفزيوني أساء للصهاينة.. ومن بين بنود الخلاف ضرب غزة العام الماضي.. أما اليوم فقد سالت دماء تركية برصاص إسرائيلي.. تم علي إثرها إلغاء مناورات عسكرية «تركيا كانت مجالا للتدريب العسكري لإسرائيل خاصة سلاح الطيران المحروم من الأجواء الواسعة» وسحب السفير التركي.. كما هددها أردوغان قائلا:"إن صداقة تركية متينة لكن عداوتها قاسية" واصفا ما ارتكبته إسرائيل بالعمل الدنيء. وتركيا رغم كونها حليفا استراتيجيا مهما لإسرائيل كانت في الماضي طرف كماشة علي سوريا هي أيضا شريك اقتصادي مؤثر للدولة العبرية.. كان التبادل بينهما العام الماضي فقط 2.5مليار دولار. مثلت الضربة الأخيرة فرصة كي يتذكر العالم أن إسرائيل دولة نازية.. لها ماض عريق في رفض قرارات الشرعية الدولية.. وقادتها مجرمو حرب .. لها سجل حافل في تحدي القانون الدولي بقتل معارضيها بالاغتيال المباشر دون محاكمة.. هاهي تجري وراء نشطاء سلميين أقوياء بضعفهم وتلاحقهم في المياه الدولية ثم تقتلهم في عرض البحر. لم يدافع عن تصرفها أقرب الحلفاء: حتي ساركوزي صديق نتنياهو قال إن العملية لم تكن تستدعي كل هذا العنف.. بينما تسابقت الدول الأوربية في استدعاء سفرائها وتعنيفهم. حتي مصر تجرأت وأعلنت فتح معبر رفح للحالات الإنسانية (كانت من قبل تقول إنها لا تملك قرار فتحه). هذه مكاسب الصامدين في غزة حصدتها في ليلة وضحاها دماء البواسل علي متن أسطول الحرية..