· كان من الممكن ألا تكون هناك أزمة أو مشكلة لو أن د.أحمد نظيف رئيس الوزراء وافق علي شراء 10 مباريات من كأس افريقيا بمبلغ 55 مليون جنيه من قناة الجزيرة، ولكن اتخذ قرارا حكيما بالرفض أزمة عدم إذاعة مباريات كأس افريقيا التي تحولت إلي معركة بين وزارة الإعلام والتليفزيون المصري وقناة الجزيرة الرياضية، تحتاج إلي تأملها بهدوء ودون عصبية، ونعيد قراءة أوراقها بعيدا عن الصخب والثرثرة الإعلامية. الورقة الأولي : كان من الممكن ألا تكون هناك أزمة أو مشكلة لو أن د.أحمد نظيف رئيس الوزراء وافق علي شراء 10 مباريات من كأس افريقيا بمبلغ 55 مليون جنيه من قناة الجزيرة، ولكن اتخذ قرارا حكيما بالرفض، فاستحق كل الاحترام والتقدير.. وإن كنت أظن أن د.نظيف كان سيفكر أكثر من مرة قبل أن يرفض لو أن فريقنا القومي كان قد صعد إلي نهائيات كأس العالم، فالعامل النفسي هنا مهم، وهو ما نراه من الجماهير المصرية أيضا بعد ما أصابها إحباط بعد مباراة الجزائر .. لذلك نجد أن الجزائر وافقت فورا علي عرض قناة الجزيرة، بينما رفضت تونس بشكل قاطع. الورقة الثانية : هذه الورقة تتوقف أمام ثلاثة أشياء تبدو «مقنعة» لرفض مصر الاتفاق مع قناة الجزيرة، أول الاشياء يدور حول الجانب الاجتماعي حيث إن وجهة نظر رئيس الوزراء أن هذا المبلغ الكبير أحق به المواطن المصري لحل مشاكله الصحية والاجتماعية والاقتصادية.. وهذا كلام معقول ولكنه لا ينفذ دائما!.. أما الشيء الثاني فقد طرحه الاستاذ صلاح منتصر بعنوان «بلاها كورة»، وقد رحب بقرار الرفض لان القبول معناه المساس بالكرامة المصرية، علي أساس أن قناة الجزيرة فرضت هذا المبلغ الكبير لاستغلال حب الناس للكرة، مما يجعلنا «ننحني» أمام الضغوط وانتهي مقاله إلي : «بلاها كورة عشان خاطر الجزيرة».. وللأسف هذا الرأي يحمل الكثير من التبسيط، ويمثل إدانة كاملة للجزيرة، واعفاء كاملا لوزارة الإعلام في مصر من المسئولين!.. أما الشيء الثالث فجاء في مقال الاستاذ يسري فودة بعنوان «مكالمة للأمير» الذي يري أن للأمر بعدا سياسيا، ويري أن الصفقة التي عقدتها قناة الجزيرة مع الشيخ صالح كامل صاحب الART لها «علاقة مباشرة بالقوة الناعمة والنفوذ والسياسة.. وقد يكون لهذا الرأي أساس من الصحة، ولكن بكل تأكيد ليس هو السبب الاساسي للأزمة، خاصة أن مصر رفضت الاتفاق، فهل سقطت قوة قطر الناعمة، والنفوذ الذي تسعي إليه، ولم تحقق أي سياسة وخرجت خاسرة من الصفقة التي يصفها الكاتب نفسه بأنها تتحدي كل القوانين الطبيعية. إن هذه الآراء رغم ما تتمتع به من قدرة علي الاقناع تجعلنا أمام فرضية وحيدة هي أن قطر والجزيرة هما المتهم الوحيد، بينما وزارة الإعلام المصرية هي ضحية التعنت والمغالاة من قناة الجزيرة حسب تعبيرات أسامة الشيخ رئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون.. وهذه قراءة غير دقيقة. الورقة الثالثة: لا شك أن هناك تعنتا واضحا من قناة الجزيرة سواء في المبلغ الذي طرحته أو هذا الشرط العجيب الذي أرادت من خلاله تحديد المباريات العشر التي تتم إذاعتها، مما جعل المواطن المصري البسيط عاشق الكرة يرفض هذا الاتفاق المجحف، وكان هذا الرفض الشعبي هو بحق «قوة مصر الناعمة»، وليس أي شيء آخر.. وفي كل المقابلات التليفزيونية التي أجريت مع المواطن المصري في الشارع قال«بلاها كورة، ولكن دون التعرض لقطر أو الجزيرة، وكأن المواطن البسيط أكثر وعيا وإدراكا بمفاهيم السوق المفتوح، والإعلام المشفر، والصراع الدائر بين القنوات المحلية والعربية والعالمية.. بمعني آخر رفض أن يعيد «معركة» الجزائر مرة أخري، لتكون هذه المرة «قطر» البديل، ولكن للأسف لعب الإعلام هذا الدور مرة أخري بحجة أنه يدافع عن حق المشاهد المصري في متابعة المباريات، وتوجيه الاتهامات للجزيرة مستفيدا من أن هناك مناخا عاما مدركا أن قناة الجزيرة الاخبارية تقف ضد السياسات المصرية بشكل يصل إلي درجة الغباء أحيانا.. والمهم أن موقف المواطن المصري شديد التحضر، جعل قناة الجزيرة تنته أنه الخاسر الحقيقي والوحيد في هذه المعركة، فقررت إذاعة مباريات مصر علي القناة المفتوحة .. وقد أسعدت هذه المبادرة الجماهير المصرية كثيرا. الورقة الرابعة والأخيرة والمهمة: أن أنس الفقي وزير الإعلام وأسامة الشيخ الذي أصبح رئيسا لاتحاد الإذاعة والتليفزيون بعد أن رفع شعار «مفيش حاجة حصري» في رمضان الماضي، ثم شراء مباريات الدوري العام المحلي، مما أوحي للجميع أن «الشيخ» ساحر، ويستطيع أن يمارس سحره علي أي أحد وأي قناة، وأنه مفاوض ذكي و«قوي»، وعندما فشل مع «الجزيرة» وخاض ضدها معركة إعلامية انكشفت قوته الحقيقية، وتذكر الجميع أنه أراد أن يفعل مع القنوات الفضائية المصرية مثل دريم والحياة ومودرن نفس ما فعلته معه الجزيرة عندما تم شراء الدوري المصري فقد شرب من نفس الكأس. المهم..عندما رفع «الشيخ» شعاره الشهير «مفيس حاجة حصري» في رمضان الماضي، كتبت في «صوت الأمة» تعليقا قلت فيه: «شعار مفيش حاجة حصري» يخفي أسرارا وسلبيات لم تظهر بعد، ربما بسبب ما يحمله الشعار من بريق»! .. وأظن أن «الجزيرة» كشفت شيئا من هذه الاسرار والسلبيات، والتي سوف تظهر أكثر في الفترة القادمة بعد أن قرر الشيخ دفع 300 مليون جنيه لاحتكار مسلسلات النجوم في رمضان القادم، وهو مبلغ مخيف ويحتاج تدخلا ومراجعة من رئيس الوزراء، حتي لا تتكرر مأساة رمضان الماضي، عندما تدخل كبار المسئولين بالحزب لإقناع الوزراء بإقامة حملات إعلانية تعرض بين المسلسلات حتي يستطيع التليفزيون استرداد ال 100 مليون جنيه التي دفعها للمسلسلات.. والتي جعلت وزير الإعلام يسمح لشركة إعلانية «طارق نور» بفتح قناة لمدة شهر يربح من ورائها الملايين، وهي حادثة لم تحدث في أي إعلام في العالم، ولكن لأن هذه الشركة قدمت بعض الاعلانات لتسديد ديون التليفزيون.. وبالمناسبة هناك المئات في التليفزيون لم يحصلوا علي مكافآت برامجهم في التليفزيون منذ خمسة أشهر لعدم وجود «فلوس»!.. ويبدو أن الشعار البراق جعلنا لا نري اشياء كثيرة، وخلا عظيما.