يبدو أن قبضة الأمن تزداد ضعفا وتراخيا يوما بعد يوم في سيناء ودليل ذلك هو تزايد عمليات الخروج علي القانون وانتشار حيازة الأسلحة النارية التي وصلت إلي امتلاك «آر بي جي» وهو ما شجع بعض المتنازعين علي ملكيات الأراضي علي الاستعانة بالبادية في مواجهة أشقائهم وأبناء عمومتهم للاستيلاء علي مساحات شاسعة من الأراضي تساوي ملايين الجنيهات. ولم تتوقف أشكال الخروج علي القانون عند التعدي علي الممتلكات فقد طالت الأفراد خطفا وقتلا وكل ذلك يحدث وعين الأمن «نائمة» وكما يقول محمد حسن زعيتر شقيق أحد ضحايا هذا الخروج علي الأمن.. لم يعد للعرف دور أمام السلاح الذي قلب الموازين وخلق وضعا جديدا في سيناء. ويستمر التسيب الأمني في صوره المتنوعة ضاربا جذور الاستقرار في سيناء، فهناك مئات الوقائع تبادل فيها أبناء القبائل خطف سيارات بعضهم البعض بدعوي نزاعات متنوعة يصر فيها كل طرف علي أنه صاحب الحق وقد وصل الأمر بين قبيلتين علي الحدود إلي خطف أكثر من 20 سيارة بشكل تبادلي، واستند الخاطفون إلي خلافات مواريث منذ عشرات السنوات ولم تقتصر وقائع الاستيلاء علي السيارات فقط علي النزاعات بين القبائل في البادية والمدن، بل امتدت لتشمل أبناء القبيلة الواحدة وأحيانا الأشقاء وأولاد العم، ويحاولون معه التبرير بأن ذلك يدخل ضمن «الوثاقة» وهو إجراء قديم عرفته بوادي سيناء يسمح بالاستيلاء علي ممتلكات الغير لاجباره علي التفاوض عرفيا. ولم تشهد الأعراف تجاوزا مثلما حدث بين قبيلتين إحداهما من وسط سيناء والأخري من كبري القبائل بالعريش حين تبادلا العام الماضي اختطاف الأفراد واحتجازهم نحو أسبوع كامل ولم يحل الأزمة سوي زيارة رئيس الوزراء حيث جري تبادل المختطفين برعاية جميع الأجهزة المعنية. هذه التوترات وغيرها استدعت إغلاق عشرات المحاجر وهروب أصحاب الكسارات لتتحول سيناء إلي طارد للاستثمار لانعدام عوامل الجذب لأسباب أمنية ترتبط بسلوك سكان المدن والقري الذين أصبحوا مادة دائمة علي صفحات الجرائد ولا يكاد يمر شهر دون أن نقرأ عن مواجهات مع بعضهم البعض أو مع أجهزة الدولة. يقول الكاشف محمد الكاشف نائب العريش عن أسباب اللجوء إلي تلك الأساليب غير المشروعة: هناك آلاف الأحكام الغيابية الظالمة ساهمت في هروب أصحابها إلي الجبال وتحولهم إلي هذه الأعمال كخطف السيارات والاستيلاء علي ممتلكات الغير وقد حاولنا اسقاط هذه الأحكام أكثر من مرة والعمل علي استعادة الاستقرار بسيناء ولكننا لا نري أملا سوي في صدور عفو رئاسي عن كل الأحكام الغيابية يرافقه الإفراج عن كل المعتقلين حتي يتمكن المجتمع من العيش في حالة منضبطة دون تجاوزات، وظاهرة انتشار السلاح تحتاج لمنح مهلة لا تزيد علي شهرين يتم خلالها تسليم السلاح بالتنسيق مع شيوخ القبائل وتعتبر مهلة أخيرة غير مسموح بتكرارها يتم بعدها الحساب العسير لكل الأطراف التي تحرز سلاحا غير مرخص أو تستخدمه خلال هذه المدة وبعدها لتكون الغلبة للقانون وحده. أما القاضي العرفي الحاج يحيي الغول وهو باحث بتاريخ سيناء وحاصل علي اجازة في القانون فيقول «الوثاقة» في العرف لا تسمح بما يحدث الآن ولها اشتراطات لا تتبع، ونحن أقرب ما نكون إلي الخروج علي العرف والقانون، فالعرف لا يسمح بالاستيلاء علي أموال الغير بهذا الشكل ولابد من تعاون عقلاء ووجهاء شمال سيناء بدوا وحضرا، وإعادة النظر في بعض الأمور مثل الورقة التي تلغي الحجز التحفظي بمعني إذا كان هناك نزاع بشأن الحقوق أن يتم الإبلاغ عن طريق وسطاء ثم التنبيه علي أقرب الناس إليه بأن «فلان» رافض لدفع الحق هأنذا أنبه حسب أصول العرف بحق واضح ومعلوم وإذا تم ذلك الإجراء وفق منهج الحق ورفض المدان دفع الحق أصبح مسموحا للمطالب أن يستولي علي أي منقولات، عدا الركوبة الشخصية أو حاجيات الأسرة ويتركه سواء كان أبلا أو سيارة أو منقولات لدي أمين «شخص مشهود له بذلك» مع اخطاره بالسبب وراء هذه «الوثاقه» وعليه أن يبلغ الطرفين بعدم التعرض لما لديه والتقاضي لإعادة الأمانة إلي صاحبها ويدلل ذلك علي أن الوثاقة الآن عمل لا يتماشي مع العرف الذي يحافظ علي المال والنفس ولا يحق الوثاقة «الاستيلاء» باسمها دون اتخاذ الإجرءات اللازمة ويشير إلي خطورة اساءة استخدام العرف بشكل عام وتحوله إلي عوامل زعزعة استقرار المجتمع، والقواعد العرفية الأصيلة تسير وفق الشرائع السماوية والقانون المنظم للحياة ولم يعد ممكنا ضبط الأمور دون استعادة هيبة الدولة المصرية بمرجعية القانون المدني والمنظومة القضائية المتابعة في كل بر مصر قبل أن تنفجر الأوضاع وتصبح حقا في أي.... ستان يأكل الناس فيها ضعافهم ولا يحكمها حاكم أو يضبطها ضابط.