· لا أعرف كيف تتجاهل نقابة السينمائيين محاكمة وتأديب هؤلاء بتهمة الاعتداء علي الفن السينمائي الجميل منتهي الظلم وإهانة بالغة أن نطلق علي شريط «إبقي قابلني» الذي يعرض حاليا اسم فيلم، فهو شيء ليس له علاقة بالسينما ولا بالفن، وانما سلعة استهلاكية عجيبة تسللت إلي دور العرض!. تاريخنا السينمائي زاخر - للأسف الشديد - بعدد غير قليل من الأفلام الرديئة، أفلام عرفناها بعد الحرب العالمية الثانية، وأفلام صنعت في الثمانينات من أجل العرض علي أجهزة الفيديو بطلب خاص من المجتمعات الخليجية البترولية، والموجة الأخيرة المعاصرة ظهرت بسبب انكسارنا الثقافي «وفلوس» الفضائيات، والذي يعتبر شريط «إبقي قابلني» النموذج المثالي لها!. يجمع شريط «إبقي قابلني» توليفة من المشاهد الهزلية والبوليسية والغنائية والراقصة، والحدوتة عن باحثة اجتماعية «أميرة فتحي» تقوم ببحث ليكون رسالتها للدكتوراة، والبحث يحاول أن يثبت أن المجرم والحرامي ليس شريرا بطبعه، وانما الظروف الاجتماعية هي التي جعلته كذلك، وحرامية هذا البحث هم : سعدالصغير وسليمان عيد وعلاء مرسي، ويساعد الباحثة والدها الطبيب النفسي «حسن حسني»، وخطيبها ضابط الشرطة «محمد لطفي»، والمفروض أن هؤلاء هم مصدر الكوميديا أوالهزل بالشريط.. وفي المقابل هناك الشرير «ياسر فرج» الذي يقتل عمه «غسان مطر»، وصديقتة الشريرة «إيناس النجار» والتي تظهر بالعمل لتقدم الاغراء، ومعها الراقصة «شمس» التي تقدم رقصتين هما من محتويات الشريط الايجابية «!!»، ومعهم مها أحمد بوصفها - فيما يظنون - خفيفة الظل، والمغنية «أمينة» بتاعة الحنطور، والمغني محمود الليثي بتاع الموالد.،. وقد جاءت الراقصة والمغني والمغنية لمساندة سعد الصغير، بعد ان اكتشف «السبكي» منتج الفيلم أن سعد «صغير» ولا يستطيع أن يشيل العمل لوحده. كل فنان من السابق ذكرهم - واعتذر عن وصفهم بكلمة فنان ، فقد فقدت الكلمات معناها - قام بتقديم «الشوية بتوعه»، فظهر سليمان عيد وعلاء مرسي لزوم الضرب علي القفا، وحسن حسني لأنه ممثل «بركة»، وموظف سينمائي بدرجة ممثل، وأميرة فتحي وإيناس النجار وشمس لزوم الاغراء، وسعد الصغير بوصفه مغني افراح بلدي شهيرا .. وبدأ الشريط وانتهي علي طريقة كله يصفق!.. ولا تسألني عن الاخراج لإسماعيل فاروق لأنه ليس هناك فيلم ولا مخرج، فهو يحرك الكاميرا والممثلين بأسلوب «عجين الفلاحة» الخائبة، وهذا المخرج يصلح أن يقدم أفلامه للدراسين وطلبة السينما كنموذج لمخرجي «بيرالسلم»... والفيلم نفسه جريمة اعتداء وقتل لفن السينما متهم فيها كل من عمل فيه، ولا أعرف كيف تتجاهل نقابة السينمائيين محاكمة وتأديب مثل هؤلاء بتهمة الاعتداء علي الفن السينمائي الجميل بتقديم هذا «الشيء» القبيح الذي يمثل اعتداء علي شرف المهنة. وهكذا ينتهي كل ما أريد أن أقوله عن هذا الشريط التافة.. والسخيف!. ولكن.. ألمح من يرد بسخرية قائلا إن «إبقي قابلني» حقق أربعة ملايين جنيه، وأنه فيلم العيد الذي حقق الإيرادات، ولن أرد علي هؤلاء بأن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة، وأن الفن الاستهلاكي يسيطر علي حياتنا، وتروج له الدعاية وتسترزق من ورائه.. فهذا الرد وحده لايكفي لأن هناك ظاهرة أهم تقف وراء هذا النجاح «المحدود» للأفلام الرديئة. هذه الظاهرة هي ظاهرة الصخب والموالد.. دعونا ننظر إلي أفراحنا سواء التي تقام في الشوارع من خلال صوان وميكروفون، أو التي تقام في أفخم الفنادق: صخب مدهش، لا أحد يسمع أحدا، والكل يرقص، والبعض يغني، وكأننا في معركة نريد أن نخرج منها منتصرين ببعض «البهجة»، وسرقة «الفرحة».. رغم أننا نعرف جيدا أن الصخب يولد في النهاية «الصداع» وليس البهجة أو الفرح.. ونفس الأمر نزدحم في الموالد من أجله!.. إننا نريد أن نصنع لأنفسنا حالة من «غسيل المخ» والهروب من الهموم المتراكمة، وعندما يتسلل هذا للسينما فإنه يصبح أمرا متوقعا وعاديا... انها حالة من الخلل أصابت مشاعرنا وعطلت عقولنا سواء كنا صغارا أو كبارا.. مشكلة... مشكلة أن نرقص مع الفن المبتذل، ونغني مع النغمات الرديئة، وان نتوهم أن هذه هي البهجة أو الفرحة.. وتبقي المشكلة الكبري أن يتحول الفن والسينما إلي هذا المستوي من الابتذال للاستفادة من «الغيبوبة» السائدة... إننا أمام جريمة كاملة تستحق العقاب، وإن لم نفعل «إبقوا قابلوني»!