حينما تبسط الفاشية الدينية هيمنتها باسم النهضة على مجتمع يحمل التنوع فى كل خلية فيه.. وتراب يحتضن التعددية فى كل ذراته.. يضرب الخوف الجميع.. لكن هواءً نتنسم فيه الحرية حتى وإن كنا تحت القيد.. وخلف الزنازين.. قادر أن يجعلنا نهتف «تسقط نهضة الفاشية.. وتحيا اغلال الحرية».. لكن الناس فى صنوف الاحتمال مختلفون.. وفى الأولويات متنوعون.. فمن اقباط مصر وهنا أقصد المسلمين والمسيحيين على حد سواء.. من لا هم لهم سوى العيش الآمن والمستقبل المبهج لأبنائهم.. هؤلاء الذين يبحثون عن الامان بعيدا عن تلك الفاشيات الاظلامية.. وجدوا الحل فى «جورجيا».. خلال الشهرين الاخيرين.. بعدما سهلت هذه الدولة الوصول إليها.. «فيزا» رخيصة.. إجراءات سفر سهلة.. دعاية على مواقع التواصل الاجتماعى.. بلد يبحث عن نهضة.. والمصريون يفرون هربا من طائر النهضة الإخوانى.. فيذهبون إلى هناك لإقامة المشروعات.. فى تلك الجمهورية الجبلية التى لا يتعدى عدد سكانها 5 ملايين نسمة.. والدين الرسمى هو المسيحية الأرثوذكسية، وهناك أقلية كاثوليكية تعدادها 50 ألف نسمة.. وربما يكون هذا هو السبب الرئيسى فى التطلع اليها.. كملاذ للفارين خشية التغول الإسلامى على مفاصل الدولة المصرية. تاتى متابعتى لتطورات القصة منذ اشهر حينما جاءتنى (م. ع. ح) زوجة (س. ع. م).. لديها ازمة بعدما أشهرت ابنتها إسلامها وتزوجت من شاب مسلم.. ثم عادت الفتاة وتراجعت عن الاشهار ولجأت لاسرتها.. الاسرة كلها اصبحت مهددة فى منطقة هى الاكثر شعبية فى القاهرة.. بدأت المناوشات الطائفية... علمت الام انه يمكنها عمل لجوء دينى من خلال السفر إلى روسيا.. ومنها إلى اى دولة اخرى.. وبالفعل تم عمل الاجراءات.. وسافرت الاسرة واكتشفت انه لا عمل فى روسيا على الاطلاق.. ثم انقطعت اخبارها. أما ا. ك ع. فهو شاب سافر إلى روسيا وجار لنفس الاسرة حذا حذوها أملاً فى اللجوء الدينى.. سافر ومن هناك حدثنا مؤكدا الا نذكر اسمه ويقول: « فى روسيا واجهت الجوع والنوم فى الطرقات فلا مال ولا لغة ولا معارف.. على الحدود وصلت إلى جورجيا.. هناك عملت حارسا أبيت فى مكان عملى.. لا أجد ما ارسله لزوجتى. تقدمت بملف اللجوء الدينى إلى الاممالمتحدة وانتظر البت فيه لانطلق من جورجيا إلى الدولة التى ستستضيفنى..هنا العمل صعب جدا.. من يأتى يجب أن يقيم مشروعا للحصول على الاقامة.. والكسب الذى يمكنه من العيش المعقول.. الحياة هنا مش وردى، درجة الحرارة تنخفض عن التجمد.. واللغة التى يتم التعامل بها هى الجورجية خليط من لغة روسية وقبطية.. التعليم بالانجليزية.. لكن ليس لدى اى بديل». أما ث. م. ع. فهو رجل فى الخمسين من عمره حينما سألته لماذا قررت السفر إلى جورجيا؟ قال: «سأقيم مشروعاً هناك، مزرعة على عشرة آلاف متر.. اخشى الاستمرار فى مصر فما عدت احتمل صراعات.. واشتركت انا وخمسة من اصدقائى المصريين لنقيم المشروع ونجرب حظنا فاما نجحنا واما عدنا إلى الفشل فماذا نحن فاعلون فى مصر الآن ؟ الجنيه فى حالة سقوط امام الدولار اى أن الاموال التى معنا حاليا غدا لن تشترى لنا شيئا قيمتها ستصبح منعدمة فهل نبقيها.. هل ستنفق علينا الدولة إن بقينا فى مصر..؟ هل سترعانا صحيا ام ستطلب منا شهادة فقر طبقا للدستور الجديد.. ؟؟ جورجيا ملاذ اخير ربما ننجو بأبنائنا». من يأس هذا الرجل إلى احباط اخر ا. ر. ش.. يقول: «أنا صاحب شركة سياحة بيتى اتخرب، استمر فى مصر اعمل ايه جورجيا فاتحة الباب على مصراعيه.. وهاكون بين مصر وبين جورجيا». بالبحث ظهرت صفحات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعى اهمها صفحتان الأولى « أقباط جورجيا» وتدعو لتشييد مشروعات نهضوية لضخ الدم فى عروق الاستثمار الجورجى.. وتحاول جذب المصريين معلنة: « داخل المطار تاخد فيزا لمدة شهر ممكن تمدها بعد كدا لسنة من داخل جورجيا.. اقامة كل دول الخليج ماعدا الامارات تمنحك اقامة عام فى جورجيا.!!».والثانية صفحة تبليسى جورجيا وهى اكثر صراحة اذ يؤكد المسئول عنها قائلا :» جورجيا ليست ارض الاحلام وليست بلد الفشل والصعوبات.. انها دولة فقيرة تتعافى وتشهد نموا اقتصاديا ملحوظا.. فكرة تأسيس مشروع برأسمال جيدة شريطة أن يكون منفردا دون شراكة». وهكذا تتوالى المعلومات التى تنشر عن التسهيلات هناك.. وتتوالى طلبات الدخول إلى هذا البلد حتى أن «الفيزا» التى كانت تكلفة استخراجها خمسون دولا صارت 110 دولارات وبعد أن كان الحصول عليها بعد اسبوع من التقدم بطلب اصبح هناك طابور انتظار.. والسؤال هنا هل يعلم المصريين أن جورجيا لا تقدم اية تسهيلات فى موضوع اللجوء الدينى ولا توفر أية ضمانات أو دعم للاجئين.؟ وهو ما يدحض فكرة انها ملاذ مؤقت للفرار إلى دول الاتحاد الاوروبى الغنية بعد البت فى ملفات اللجوء الدينى.. وأود التذكرة هنا أن اللجوء ليس للمسيحيين فقط فى ظل حكم الإخوان ولكن الكل يخشى الاستمرار تحت حكم فاشى دينى. هل يعلمون انها تشترط تشغيل الجورجيين فى المشروعات المقامة على ارض جورجيا ضمانا لاستفادة اهل البلد من سكان جدد وافدين اليها..فضلا عن أن رواتب الجورجيين غير مكلفة مقارنة بالمصريين..هل يعلمون أن جورجيا دولة اوروبية لكنها لم تدخل حتى الان فى الاتحاد الاوروبى وفيزا جورجيا لا تساعدك ولا تدعم الحصول على اى فيزا اخرى.؟ اذا كانت جورجيا دولة فقيرة هكذا فما السبب فى الاقبال على السفر اليها؟ يجيب على هذا التساؤل طبيعة التركيبة الدينية للبلد والمعلنة عبر الموسوعات العالمية.. حيث يعتنق معظم السكان اليوم المسيحية الأرثوذكسية من الكنيسة الأرثوذكسية الجورجية (81.9٪). تشمل الأقليات الدينية: الإسلام (9.9 ٪)، الأرمنية الرسولية (3.9٪)، الكنيسة الأرثوذكسية الروسية (2.0٪)، كاثوليك (0.8٪). كما أن نسبة 0.8 ٪ من تعداد عام 2002 أعلنوا عن اتباع أديان أخرى و0.7 ٪ لا دين على الإطلاق.. ووفقا لدستور جورجيا المؤسسات الدينية منفصلة عن السلطة ولكل مواطن الحق فى الدين. اذن الفرار من الفاشية الدينية المتأسلمة.. إلى دولة دستورها يفصل بين الدين والدولة واغلبيتها لا علاقة لها بالاسلام السياسى.فى هذا الصدد يقول اسحق ابراهيم مسئول ملف حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية:» هناك مخاوف حقيقية مشروعة لدى قطاعات واسعة من الاقباط «مسلمين ومسيحيين» من حكم الاسلاميين خاصة أن الخطاب الاعلامى والدعوى الصادر من بعض قياداتهم يحمل تشددا ووعودا بتغيير هوية وأسس التعايش المصرى المشترك التى ظلت على مر القرون الفائتة راسخة بين المصريين.. ويكمل إسحق: «يضاف إلى ذلك المخاوف من التضييق على الحريات الشخصية وفرض نمط معين من السلوك فى ظل القيود الواردة بالدستور على الحقوق والحريات.. وبالرغم من أن الهجرة حق لكل مواطن لكنها ليست الحل السحرى للمشكلة حيث إن تزايد اعداد المهاجرين يضر بالتعددية والتنوع داخل المجتمع المصرى وبالتالى يسهل تغيير هوية مصر لتصبح احادية المرجعية.. وهو ما لم تشهده مصر طوال تاريخها. أما الدكتور مختار الشريف -الخبير الاقتصادى- عن تأثير ذلك على الاقتصاد المصرى يقول:» اصحاب الهجرة المؤقتة أو الدائمة مخاوفهم مشروعة.. من يستطيع الذهاب منهم إلى دولة متقدمة مثل دول اوروبا من لديه اموال، أما الفقراء ومتوسطو الحال يذهبون للدول الفقيرة من شرق اوروبا.. وخروج هؤلاء من مصر لن يؤثر على الاقتصاد المصرى.. لان عجلة الانتاج تكاد تكون متوقفة وفى حالة ركود اقتصادى.. فمن لديهم استثمارات هائلة مؤثرة نقلوها بالفعل منذ عام تقريبا إلى خارج مصر.. مثل شركات عديدة ومصانع توقفت تماما فى العاشر من رمضان وغيرها.. يحسم لنا الجدل على ارض الواقع فيكتور لويس صاحب محلات ملابس فى مصر..سافر إلى جورجيا للاستثمار لمدة شهر ثم عاد ليقول لنا: «إنها الوهم والخدعة الكبرى.. لدى وصولى إلى تبليسى العاصمة شعرت بصعوبة شديدة بسبب عائق اللغة.. ساعدنى صديق لى فى استئجار غرفة ببنسيون.. سعر الغرفة 60 لارى فى الليلة مزدوج بما يوازى اربعين دولارا.. .. بلد فقيرة جدا وتعداد سكانها اربعة أو خمسة ملايين نسمة فإقامة مشروعات هناك نسبة النجاح فيها ضعيفة فمن سيشترى ويبيع وليست بلدا سياحيا.. الهكتار – 2 فدان وثلث الفدان - سعره 2000 دولار فى المناطق القريبة من العاصمة.. لشراء اية اراضى أو عقارات لابد من انشاء شركة عن طريق ما يعادل الشهر العقارى فى مصر .. خلال شهرين لو لم يتم تنفيذ المشروع تعتبر لاغية ويفقد تكلفتها التى تبلغ حوالى 200 دولار ..تتابع الدولة وجود المشروع من عدمه عن طريق فرض الضرائب ما بين 18 و20 % على اجمالى المبيعات .. و عن اعداد المصريين التى اسست شركات هناك بشكل وهمى يقول فيكتور: توجد 200 ألف شركة لمصريين تم تأسيسها ورقيا الحقيقى منها 250 فقط.. هذه المعلومات من موظفى الشهر العقارى هناك وتلك دلالات على الاعداد التى ذهبت إلى هناك فى الخمسة اشهر الاخيرة.. لكن معظمهم عاد بخيبة الامل. وفى النهاية يبقى السؤال..هل نحن اقل وطنية من اجدادنا أو اعظم جبنا ؟ هل الإخوان اقوى من موجات الاحتلال الاجنبى؟ ابدا فقد كتب علينا النضال فى مصر يا اهل مصر وليس فى جورجيا. نشر بتاريخ 21/1/2013 العدد 632