يعد إقليم أبخازيا, الذي كان جبهة ثانية خلال الصراع الروسي- الجورجي الأخير, إقليما انفصاليا يقع في شمال غرب جورجيا ويتمتع بالحكم الذاتي منذ مطلع العقد التاسع من القرن الماضي, وغالبية سكانه من المسيحيين الأرثوذكس, و10% فقط من المسلمين. وتعد أبخازيا جمهورية مستقلة فعليا عن جورجيا, لكنها لم تحظ باعتراف دولي حتي الآن, إلا أن موسكو تدعمها ضد الحكومة المركزية في تبليسي, لذلك, فإن جورجيا تعتبر هذا الإقليم ورقة روسية للضغط عليها, واستخدمته بالفعل كجبهة ثانية ضد جورجيا في الصراع الأخير, ونقطة لانطلاق قواتها من هناك إلي باقي الأراضي الجورجية كما كانت تقول البيانات الرسمية الجورجية. عرفت أبخازيا عند العرب قديما باسم' بلاد الأباظة', والصراع الدائر هناك له تاريخ طويل بسبب إصرار الأبخاز علي الاستقلال والانفصال عن جورجيا, بينما تصر جورجيا علي اعتبار هذا الاقليم جزءا من أراضيها. وترجع بداية تصاعد الاضطرابات في الإقليم إلي فترة استقلال جورجيا عن الاتحاد السوفييتي السابق, حيث تزايد الشعور لدي الأبخاز بخطر فقدان الهوية مع إعلان قيام جمهورية جورجيا المستقلة, مما أدي إلي تفجر الصدام بين الجانبين عام1989. وبعد إعلان' مجلس السوفييت الأعلي في جمهورية أبخازيا المستقلة', وفي غياب أعضائها الجورجيين في أغسطس عام1990, أن أبخازيا دولة قومية ذات سيادة, فإن أبخازيا تتصرف منذ تلك اللحظة علي أنها بلد مستقل, وفي الوقت الذي رفضت فيه جورجيا التصويت عام1991 لصالح البقاء ضمن الاتحاد السوفييتي السابق, فقد صوتت أغلبية الأبخاز علي البقاء ضمن الاتحاد, ثم أعلنت استقلالها عن جورجيا في يوليو1992, وعلي إثر ذلك, أرسلت جورجيا قواتها إلي المنطقة لحفظ النظام, ودخلت إلي الإقليم, فشهدت المنطقة نزوح الآلاف من الأبخاز والروس والأرمن. وما يحدث الآن يعد صورة طبق الأصل مما حدث عام1993, وانتهي بخروج القوات الجورجية من الإقليم بعد حرب استمرت عاما كاملا مع الانفصاليين الذين سيطروا علي العاصمة سوخومي, عقب حصولهم علي دعم عدد كبير من القوميات الأخري, ودعم القوات الروسية بالأسلحة والإسناد الجوي, بالإضافة إلي التصرف غير الحكيم وقتها من قبل الرئيس الجورجي إدوارد شيفرنادزه الدبلوماسي الكبير السابق ووزير خارجية الاتحاد السوفييتي الأسبق, حيث اختار الحل العسكري ودفع بالآلاف من قواته إلي الإقليم بدلا من اللجوء إلي القنوات الدبلوماسية والتفاوض مع الانفصاليين, مما خلف حسب التقديرات ما بين10 آلاف إلي30 ألف قتيل من الجورجيين, وحوالي ثلاثة آلاف قتيل فقط من الأبخاز. فمن المنتصر في القتال الدائر حاليا؟ هل هي أبخازيا التي تدعمها روسيا بقوة؟ أم جورجيا وحليفتها الولاياتالمتحدة وفرنسا؟ وفي الصراع الأخير, ظهر واضحا أن أبخازيا نقطة تنذر بالاشتعال متي سنحت الفرصة, وفي هذه الحالة فإن جورجيا لن تقاتل الانفصاليين وحدهم, وإنما الجيش الروسي أيضا معهم, وهو ما يعني أن سيناريو1993 يوشك أن يكتمل, وتنسحب القوات الجورجية من الإقليم, وربما بغير رجعة.