سافرت إلى إسبانيا يوم الجمعة 21/12/2012 لحضور مؤتمر اتحاد الجاليات الاسلامية فى فالنسيا (بلنسية). جاء سفرى فى اليوم السابق على الجولة الثانية من الاستفتاء على الدستور يوم السبت 22/12/2012. وكنت قد استفتيت فى الجولة ا حضر المؤتمر مجموعة من الضيوف منهم الشيخ الدكتور جمال عبدالعزيز – مبعوث الأزهر إلى فالنسيا – وألقى محاضرة جميلة عن تفاعل الاسلام مع الحضارات والثقافات العالمية. حمدت الله تعالى أن يكون للأزهر و لمصر وللعالم الاسلامى مبعوثين وأئمة وخطباء على مستوى عال من العلم، للتعريف بالاسلام الوسطى. ولزيادة الفائدة تمنيت أن يقوم الازهر بإعداد المبعوثين والائمة والخطباء وتعليمهم لغات البلاد التى يوفدون اليها بتعليمهم اللغة الاجنبية ولو لمدة سنة قبل البعثة، وذلك فى كليات اللغات والترجمة والألسن حتى تكمل الفائدة ، أو أن تقوم الجمعيات والمراكز الاسلامية فى البلاد التى يوفدون اليها بتعليمهم اللغة الاجنبية لمدة سنة منذ البداية أو الوصول، حتى يتسلح الدعاة بسلاح اللغة فى تلك البلاد فتزداد الفائدة. وتمنيت أن يعتبر أولئك العلماء والائمة والدعاة تلك البعثات دعوة وليست وظيفة، فيكون لهم منهج تعليمى تربوى دعوى فى المراكز والبلاد التى يوفدون اليها فضلا عن الإمامة والخطابة والمحاضرات العامة. وقد تمنيت أن نهتم اهتماما بالغا بالمسلمين الجدد من الغربيين خصوصا لأنهم أعلم ببيئاتهم، بعد أن استمعت إلى صرخة الشباب المسلم فى الغرب وصرخة المسلمين الجدد بأن حاجتهم شديدة إلى الإعداد التربوى والتكوين الشامل. تذكرت الدورات التدريبية التى تعلمنا فيها القرآن على ايدى كرام الدعاة، والدعوة واساليبها، والحديث وعلومه، والفقه ومدارسه ومذاهبه، وأصول الفقه، والتاريخ الإسلامى والتحديات التى تواجه الاسلام والدعوة الاسلامية، ودراسة الحركات الهدامة والاستعمار والاستشراق....الخ. تذكرت ذلك كله وأنا ادرك حاجة الشباب المسلم فى الغرب ولو لمقدمات فى تلك العلوم. تناولت فى محاضرتى ثم فى الندوة التى شاركت فيها مع المسئولين على الاتحاد فى إسبانيا ومنهم الاستاذ رياج الططرى والاستاذ إيهاب فهمى وغيرهما، التحديات والمشكلات التى تواجه دول الربيع العربى وخاصة مصر، ومنها الانقسام الحاد فى المجتمع حتى بعد الجولة الثانية من الاستفتاء، الذى كان يجرى فى نفس يوم المؤتمر. تقع مدينة فالنسيا فى بلاد الأندلس التى حكمها المسلمون ثمانية قرون فى جنوب شرق إسبانيا اليوم، وفى الوسط تقريبا بين ملقا وبين برشلونة المشهورة بكرة القدم. كان الرومان فى سنة 138 قبل الميلاد يسمون تلك المدينة فالنسيا – القلعة وكذلك الفأل الحسن -، دخل الإسلام المنطقة فى سنة 709 وبدأت الحروب ضد الإسلام فى 1094، ثم نجح الملك جيمس الأول فى سنة 1238 فى إخضاع فالنسيا بعد خمسة اشهر من الحصار الشديد. ثم جاء طرد الموريسكيين وحلت محلهم عائلات وأسر من مناطق أخرى معظمها من كاتالونيا التى تسعى للانفصال حاليا وأراجون وكذلك تم إجبار من بقى من الموريسكيين على تغيير اسمائهم واعتناق المسيحية فى عهد فيليب الثالث وبقرار منه. وقد اصبحت فالنسيا فى عهد ألفونس المعظم إحدى أهم المدن الأوروبية فى القرن الخامس عشر لحضارتها وجمالها، من سماحة الحكومة الاسبانية القائمة أنهم لم يزوروا هذا التاريخ بل مازالوا يكتبون ذلك التاريخ حتى فى كتب وأدلة السياحة. من أهم ما يشاهده الزائرون للمدينة برج ميكاليت الذى يزين كاتدرائية فالنسيا ويبلغ ارتفاعه 51 متراً. والذى يمكن رؤيته من أى مكان فى المدينة القديمة. أما الجدران والابراج والبوابات والتحصينات فمنها ما هو رومانى ثم إسلامى موريسكى ثم غربى حديث. وكل ذلك يذكرنا بالآثار الرومانية أو الاسلامية فى البلاد التى فتحها الاسلام. كانت هذه الكاتدرائية مسجداً من قبل وكانت كنيسة أيام الرومان قبل أن تكون مسجدا أيام المسلمين. كانت هذه هى المقدمة قبل إلقاء نظرة على الوضع العربى المؤلم والأوضاع فى مصر حتى بعد تمرير أو إقرار مشروع الدستور فى الاستفتاء، واضطلاع مجلس الشورى بالتشريع، بعد زيادة العضوية بتعيين 90 شخصية اخرى كأعضاء بالمجلس ونقل المسئولية التشريعية من الرئاسة لهم. الانقسام الحاد والاستقطاب مازال ظاهرة واضحة فى المجتمع المصرى وقد تستمر لعدة سنوات حتى تهدأ الأمور، ويدرك الجميع فى السلطة وفى المعارضة، أن الوطن يستحق أداءً أفضل فى ظل ديمقراطية واعية وتنافس سلمى على السلطة. لم يهدم الصحابة ولا السلف الصالح -رضوان الله تعالى عليهم- فى غزواتهم الكنائس ولا المعابد(لكم دينكم ولى دين) ولو آمنا بذلك حقاً لتحترمنا دور العبادة، ولأصبح الإخاء الإنسانى حقيقة واسعة وكانت الحروب والصراع استثناء ولتعمقت حقوق الإنسان ولأدركنا مغزى كلام أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه وأرضاه (الناس إما أخ لك فى الدين أو نظير لك فى الخلق). بعيدا عما حدث فى إسبانيا وبعيدا عما حدث فى الحروب الصليبية وما حدث فى غيرها من حروب وأخطاء وقع فيها الجميع فإن ما يحدث فى سوريا اليوم من مجازر بين المسلمين أنفسهم وما قد يحدث أكثر بسبب الطائفية والعرقية-لا يكاد يصدقه عقل. المواطنون يذبحون بعضهم بعضاُ من الوريد إلى الوريد وكأنهم طيور أو ماعز. وما يحدث فى الصومال منذ سنوات بين مواطنين مسلمين وبعضهم من الإسلاميين وتحت حكومة إسلامية لا يكاد يصدقه عقل. خشيتى على مصر والعالم العربى كبيرة رغم الفوارق الثقافية والحضارية ولكن معظم النار من مستصغر الشرر. إن كل الذين قالوا «نعم» أو قالوا «لا» لا يتجاوزون ثلث من يحق لهم التصويت. عجز الجميع عن تحريك الغالبية ولا ينبغى المقارنة فى الاستفتاءات بين ما قبل الثورة وما بعدها. أفيقوا أيها العقلاء. الشرعية التى تتكلمون عنها هى شرعية الأقلية التى عمقت الانقسام المجتمعى فى وطن جريح ظل ينزف بقوة 30 سنة أو أكثر. العقل العقل يا من قال نعم والصبر الصبر يا من قال لا، مصر أكبر من كل أولئك. والدين أكثر رحابة وسماحة مما يفعل بعضهم. ومن الظواهر الشاذة والخطيرة التى تعد من الفوضى - وليس الحرية – أن تمتلك جماعات بشكل جماعى أسلحة ولو مرخصة، ومن ذلك حصار مدينة الإنتاج الاعلامى والدستورية، والاتحادية وما صاحب ذلك من أعمال عنف تصل إلى حد الإرهاب، ومن ذلك ايضا إحراق مقرات الاخوان، وإحراق مقر حزب الوفد، ومحاصرة النائب العام الذى جاء تعيينه من رئيس السلطة التنفيذية، والاعتداء على المستشار الزند، واستقالة النائب العام ثم تراجعه تحت ضغط ولكن للحفاظ على هيبة القضاء ،ومن التحديات والفوضى ايضا استحلال هيبة الدولة أو غيابها، وتصريحات البرهامى ضد مواقف الازهر، ومن ذلك ايضا، تصريحات المرشد فى الرسالة الاسبوعية التى أثارت ضجة فى القوات المسلحة عندما قال: جنود مصر طيبون لكنهم يحتاجون إلى قيادة رشيدة توعيهم بعد أن تولى أمرهم قيادات فاسدة. فجاءت الردود قوية من وزير الدفاع مما أدى ببعض الاخوان المسئولين وبالمرشد نفسه أن يحاول الخروج من المأزق الذى وضع نفسه ووضع الجماعة فيه. وعلى مستوى دول الخليج كان هناك مؤتمر القمة الخليجى الثالث والثلاثين فى المنامة بالبحرين، وكم كانت صادمة تصريحات وزير الخارجية السعودى عندما قال: إن إيران لم تكف عن التدخلات فى الشئون الخليجية وفى الشئون الداخلية للدول العربية لإثارة الفتنة، ولا يقبل أحد أى تدخل من إيران او غيرها فى شئون الدول الاخرى، ولكننا نسأل الامير الفيصل عن الوجود الامريكى فى الخليج بهذه الكثافة دون إشارة واحدة من مؤتمر القمة الخليجى إلى ذلك الاحتلال وتلك القواعد العسكرية الامريكية ولا متى سترحل، ولكننا اعتدنا تلك التصريحات من وزير الخارجية السعودى فى مثل هذه الأزمات عندما صرح بأن مواجهة حزب الله فى لبنان لإسرائيل كانت من قبيل المغامرات غير المحسوبة. أما على على الساحة العراقية فلا يزال الأمر خطيرا منذ الاحتلال الامريكى لبغداد فى 2003 وإعدام صدام حسين الذى لم ينه التحديات ولا المشكلات، ولم يستتب معه الامن المنشود ولا الوحدة الوطنية المطلوبة، مما يشير إلى خطورة الامر خصوصا عندما نتخلص من الديكتاتوريات العربية بمساعدة خارجية لدول لها مصالح فى بلادنا. والوضع فى سوريا حتى بعد زوال الأسد ونظامه بإذن الله تعالى، وقد يتم ذلك – للأسف – على اطلال بل وحطام سوريا مما يجعل سوريا كيانا – بعد التحرير – لا يستطيع حراكًا حراً وكاملاً، إذ أن جميع الاطراف خاسرون، والمستفيد فقط من الصراع هم أعداء الأمة. ونحن نشهد صراعاً شبه عالمى فى سوريا بحضور روسى وأمريكى وكأن ذلك عودة إلى الحرب الباردة التى عانت منها الدنيا بأسرها. وفى النهاية أخشى على دول الربيع العربى وفى مقدمتها مصر، أن تشهد ضغطا من أصحاب الهيمنة العالمية، فى مجالات عدة منها الأمنية والاقتصادية خصوصا وقد لا تستطيع معه أن تتحرك بحرية كاملة أو تحافظ على استقلالها التام. وقد رأينا ضغوطًا وتحزبًا واستقطابًا على الساحة العربية والإسلامية. نأمل الخير للجميع وبناء مستقبل يليق بالثورة المصرية السلمية الحضارية العظيمة.. والله الموفق نشر بتاريخ 31/12/2012 العدد629 لاولى فى القاهرة فى الاسبوع السابق.