· لابد من وجود مهرجان سنوي كبير لأفلام الديجيتال لأنها مستقبل السينما كنت صاحب فكرة تنظيم مهرجان مصغر أو مسابقة لأفلام الديجيتال علي هامش مهرجان الاسكندرية السينمائي، وهاهي المسابقة تبلغ عامها الثالث بنجاح - أو هكذا أظن - والمهم أنها أصبحت تمثل حالة إيجابية جدا في حياتنا السينمائية. مع انتشار وتواجد الكاميرا الصغيرة الرقمية «الديجيتال» أنتجت في مصر مئات الأفلام القصيرة في مدة زمنية لاتزيد علي ثلاث أو أربع سنوات، ولكن ظل عرض هذه الأفلام محدودا، وفي التجمعات الثقافية فقط، ولايشاهدها الجمهور العريض، رغم أن الأفلام تصنع - أصلا - من أجل أن يراها الناس... ومن هنا جاءت فكرة المسابقة لالقاء الضوء علي هذه السينما الوليدة والمهمة، لعل وعسي يصبح لها مكان ومكانة في واقعنا السينمائي. ودعونا نسأل أولا: ما قصة ظهور هذه الأفلام؟ - ظل إنتاج الأفلام القصيرة سواء تسجيلية أو روائية أو تحريكا حكرا علي الدولة أو القطاع العام، ثم وريثها الشرعي «المركز القومي للسينما»، وذلك بعد أن أصبحت السينما صناعة بالفعل في مصر، وكان يتم انتاجها كنوع من «الخدمة» الثقافية والوطنية لتسجيل ورصد الاحداث التاريخية والاجتماعية،. وقد تم توظيفها لتكون بعيدة عن السوق السينمائي، وبالتالي فهي لاتسترد الاموال التي انفقت في انتاجها، ولاتحقق أرباحا، لذلك ظل اللاعب الرئيسي في تحقيقها المركز القومي أو تليفزيون الدولة.. وفي السنوات الاخيرة تراجع دورهما في إنتاجها لأسباب عديدة. في نفس الوقت، أتحفتنا التكنولوجيا العالمية بتطور مدهش في صناعة الكاميرا الصغيرة والرخيصة، والتي يمكن من خلالها تقديم صور ومواقف وحكايات ورصد أحداث عالمية، وحدثت طفرة نقل الاحداث في العالم كله وبثها علي الناس من خلال المحطات التليفزيونية الفضائية... وبدأ هواة الفن السينمائي يجدون ضالتهم في هذه الكاميرا الصغيرة لصنع أفلام صغيرة، بعيدا عن احتكار الاستديوهات لهذا الفن وتكاليفه الباهظة، فيما عرف بعد ذلك «بالسينما المستقلة»، وتفاصيل هذا التحول كثيرة، وليست مجالا للحديث هنا.. والمهم أن هذه السينما المستقلة أصبح لها تواجد كبير في أنحاء كثيرة من العالم حتي وصلت لنا مؤخرا. وبدأت حركة نشطة لإنتاج الأفلام الديجيتال أو المستقلة من خلال مراكز ثقافية أجنبية في مصر وعدد من الشباب المجتهدين.. ولأن الواقع السينمائي مأزوم، والمركز القومي تراجع عن دوره في انتاج الافلام، والتليفزيون كف عنها، فقد ظهر الاجتهاد الفردي أو من خلال مجموعات لإنتاج أفلام، ثم أصبحت «واقع» سينمائي جعل المهرجان القومي يعترف بها، ولجنة المهرجانات تختارها للمشاركة الدولية.. ولكن ظلت المشكلة الأكبر: أين تعرض هذه الافلام؟.. ومن يدعم هذه السينما الوليدة «الفردية»؟ وربما كان حماس مخرجين مثل محمد خان ويسري نصر الله وخيري بشارة للعمل بكاميرا الديجيتال وراء الانتباه لأهميتها، ثم محاولات إبراهيم البطوط... وفي هذا المناخ أو في تلك الاجواء كانت فكرة مسابقة مهرجان الاسكندرية وترحيب مجلس إدارة الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما ورئيسها ممدوح الليثي بتنظيمها، بل وتوفير جوائز مادية لها.. وكان الجديد الذي طرح هذا العام: هل من الافضل الآن تطوير فكرة المسابقة لتصبح مهرجانا خاصا بأفلام الديجيتال سواء تم تنظيمه في الاسكندرية أم القاهرة.. أم لا ؟! أتصور أننا في حاجة حقيقية لهذا المهرجان لأسباب عديدة لعل أبسطها وأوضحها، أنه يتم الآن انتاج أكثر من 120 فيلما «روائي وتسجيلي وتحريك»، يتم عرضها بشكل محدود للغاية سواء في مركز الابداع أو معهد جوته والمركز الفرنسي، وهذا يكون لبعض الافلام وليس كلها.. والأمر الثاني أن هذه الافلام أصبحت وسيطا ثقافيا شديد الاهمية حيث يملك أصحابها من الشباب قدرا كبيرا من الشجاعة في طرح قضايا مسكوت عنها، وكلها قضايا معاصرة تشغل المجتمع، ولاتستطيع سينما الكبار أو السينما التجارية الاقتراب منها لأسباب تتعلق بطبيعة الحالة الانتاجية والتربص الرقابي.. والأمر الثالث أننا في حاجة إلي تقنين «أوضاع» هذه السينما المستقلة من خلال قوانين جديدة لم تعترف الرقابة حتي الآن بفيلم «عين شمس» لأنه صور دون الحصول علي موافقة، وعرض في مصر بوصفه فيلما مغربيا!» والأمر الرابع إيجاد حلول لعرض هذه الافلام بشكل منتظم وحقيقي في أماكن عرض معروفة، واغراء المحطات التليفزيونية الارضية والفضائية بعرضها وشرائها.. وغير ذلك. ومايشجع علي تحقيق هذه الدعوة لاقامة مهرجان الافلام الديجيتال، هذا التطور المثير الذي جاءت به الاشهر الاخيرة، حيث تم تحقيق 4 أفلام تم تصويرها بكاميرا الديجيتال ثم تم تحويلها إلي شريط سينمائي 35مللي وهي: «عين شمس» إخراج إبراهيم البطوط، و«بصرة» اخراج أحمد رشوان، و«هيلوبوليس» اخراج أحمد عبدالله، و«لمح البصر» اخراج يوسف هشام، وهذا الفيلم الأخير - وهذا هو الجديد - من انتاج شركة تجارية اعتادت العمل في الانتاج السينمائي التقليدي، والهدف من انتاجه تجاري أصلا.. والحقيقة أن كل هذا يحدث دون رصد حقيقي منا! ومن خلال «صوت الأمة» أوجه هذه الدعوة لتنظيم مهرجان سنوي كبير لأفلام الديجيتال، وأدعو الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما لتستكمل مابدأت، وتقوم بتحويل المسابقة إلي مهرجان.. ولماذا لاتفعل وهي رائدة اقامة المهرجانات في مصر، منذ قرر الكاتب والمؤرخ الراحل كمال الملاخ تأسيسها لاقامة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ أكثر من ثلاثة عقود.