· مخاوف من تجدد موجة اغتيال المفكرين واستيقاظ الخلايا النائمة · رفعت سيد أحمد: قضايا القبض علي المتشددين «فبركة أمنية» والمجرمون الحقيقيون مستترون أثار بيان جبهة علماء الأزهر بتكفير سيد القمني الحاصل علي جائزة الدولة التقديرية مخاوف واسعة في الأوساط الأمنية والشعبية والسياسية من عودة موجة التكفير التي قادها تنظيم التكفير والهجرة خلال العقود الثلاثة الماضية، المخاوف تجئ عقب القبض علي خلية التنظيم التكفيري في يونيو الماضي والتي ضمت 25 شخصا من القاهرة والجيزة وجهت لهم النيابة في القضية 488 حصر أمن الدولة العليا تهم الانتماء لتنظيم التكفير والهجرة والدعوة إلي تكفير المجتمع والأقباط والحاكم والدعوة إلي حمل السلاح والخروج علي الحاكم، كما اتهمت محمد السيد مصطفي مفتي الجماعة، بتهمة قيادة الجماعة ومحاولة إحياء فكر تنظيم التكفير والهجرة واستقطاب الشباب واقناعهم بالعزلة عن المجتمع. هذه القضية تأتي بعد خمس سنوات من إعلان أجهزة الأمن في 2004 القبض علي آخر تنظيم لجماعة التكفير والهجرة جميع أفراده من محافظة القليوبية وهم مجموعة من الطلبة يتزعمهم تاجر وتم الإفراج عنهم بعد ما أعلنت قيادات التنظيم دخول عناصرها عمليات المراجعات الفقهية. القبض علي التنظيم الأخير أثار المخاوف من وجود خلايا نائمة قد تعود بشكل أقوي في ظل تعامل الشرطة مع مثل هذه التنظيمات بمنهج التخدير والتسكين لا حل المشكلة من جذورها وإتباع الطرق العلمية الصحيحة لبحث الأسباب الحقيقية وراء تبني أفرادها هذه الأفكار المتشددة. بيان جبهة علماء الأزهر الذي فجر المخاوف جاء تحت عنوان «إلي الأمة صاحبة الشأن في جريمة وزارة الثقافة» وتضمن أن السيد القمني خرج علي كل معالم الشرف والدين حين قال في أحد كتبه التي منح عنها جائزة الدولة التقديرية: إن النبي محمد صلي الله عليه وسلم وفر لنفسه الأمان المالي بزواجه من الأرملة خديجة بعد أن خدع والدها وغيبه عن الوعي بأن سقاه الخمر. وأضاف البيان أن القمني تأكد كفره بزعمه المنشور في كتابه «الحزب الهاشمي» الذي قال فيه «بإن دين محمد مشروع طائفي اخترعه جده عبدالمطلب الذي أسس الجناح الديني الهاشمي وفق النموذج اليهودي الإسرائيلي لتسود بني هاشم غيرها من القبائل. ولم يكن بيان تكفير القمني الوحيد في موجة التكفير بعد عودة الجماعة الإسلامية التي تخلت عن أفكار العنف والتكفير منذ 12 عاما بعد أن أصدرت بيانا شديد اللهجة علي موقعها الالكتروني انتقدت فيه حصول القمني علي جائزة الدولة التقديرية، أصمت المجتمع علي منح هذا الشخص أرفع الجوائز في مصر نفس الأمر صدر من نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق الذي قال إن وزير الثقافة ارتكب جريمة في هوية مصر بمنحه الجائزة للقمني! هذه المعطيات أثارت مخاوف البعض من تكرار ظاهرة اغتيال العلماء والمفكرين والباحثين بعد تكفيرهم علي غرار فرج فودة الذي اغتيل في بداية التسعينيات وهو ما قد يحدث مع القمني ود. حسن حنفي الحاصلين علي جائزة الدولة التقديرية بعد تكفيرهما، الأمر الذي دفع نجلة القمني إلي مطالبة وزارة الداخلية بحماية والدها بعد أن هدده مجهول في مكالمة تليفونية بالقتل، كما أصدر كمال غبريال الناشط الحقوقي بيانا موقعا من 5 آلاف شخص يرفضون تكفير المجتمع ويطالبون بالدفاع عن القمني وحسن حنفي. تكفير القمني وحنفي لم يكن الأول ففي يناير 2008 أثار كتاب بعنوان «الحب والجنس في حياة النبي» للمؤلفة ندي رشاد ضجة كبيرة بعد عرضه في معرض القاهرة الدولي للكتاب وكفرها شيوخ القنوات الفضائية مما دفع ملتحيا بتهديد الكاتبة بالقتل. تاريخ التكفير في مصر يعود إلي أواخر الستينيات التي شهدت إعدام سيد قطب وهي حركة سياسية تتبني الإسلام السياسي وانبثقت عن جماعة الإخوان المسلمين وتبنت منهجها الفكري داخل السجون، وأعلنت تكفير رئيس الدولة ونظامها ومؤيديه ومن لم يكفرهم فهو كافر مثلهم وكان إمامهم الشيخ علي إسماعيل الذي صاغ مبادئ العزلة والتكفير لدي الجماعة ضمن أطر شرعية صبغها بأدلة من الكتاب والسنة وحياة الرسول صلي الله عليه وسلم في الفترتين المكية والمدنية، متأثرا في ذلك بأفكار الخوارج وتولي بعده شكري مصطفي في بداية السبعينيات مهمة قيادة التنظيم بعدما تخلي إسماعيل عن أفكاره وعاد إلي تنظيم الإخوان بعدما أصدر حسن الهضيبي مرشد الجماعة وقتها كتابا بعنوان «دعاة لا قضاة» ردا علي أفكار التكفير لإسماعيل، وعين شكري أمراء للمحافظات والمناطق واستأجر العديد من الشقق كمقرات سرية للجماعة بالقاهرة والإسكندرية والجيزة وبعض محافظات الوجه القبلي، وبدأت المواجهات الحقيقية بين الجماعة والأجهزة الأمنية في منتصف السبعينيات بعد مقتل الشيخ حسن الذهبي وزير الأوقاف المصري وتم القبض علي مئات من أفراد الجماعة وتقديمهم للمحاكمة عام 1977، والحكم بالإعدام علي شكري مصطفي لتشهد مصر علي مدار 10 سنوات لاحقة حالة من الهدوء النسبي بخلو الساحة من التنظيمات التكفيرية التي عادت في 1987 بشكل أقوي مما كانت عليه أيام شكري مصطفي حيث ظهر تنظيم يضم كلا من مجدي الصفتي ومحمد كاظم ويسري عبدالمنعم الذين أسسوا فيما بعد جماعة التوقف والتبين الشهيرة إعلاميا باسم «الناجون من النار» واعتمد فكر الجماعة علي منهج التكفير بأسلوب سري وتوخي الحذر والتحرك في دوائر مغلقة ولم تتمكن أجهزة الأمن آنذاك من رصد أي نشاط لهذه الجماعة إلا بعد تنفيذها عدة عمليات كان أبرزها محاولات اغتيال الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد ووزيري الداخلية السابقين حسن أبوباشا والنبوي إسماعيل، وتم إلقاء القبض علي قادتها في حادث الخرقانية الشهير الذي لقي فيه كاظم مصرعه وتمكن الصفتي من الفرار قبل القبض عليه لاحقا. ظهور موجة التكفير مرة أخري أرجعه البعض إلي البطالة والقنوات الفضائية المصرية وتدني الأجور ووجود 6 ملايين مواطن يعملون في المهن المهمشة و12 مليونا يعيشون في المقابر والعشوائيات و2 مليون طفل في الشوارع ووقوع 40% من شعب مصر تحت خط الفقر وهؤلاء صالحون لتبني أفكار العنف في المجتمع وفقا للدكتور أحمد يحيي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قناة السويس الذي أشار إلي أن الحالة النفسية والفراغ الفكري والديني يجعلهم متأهبين لحمل السلاح في محاولة للانتقام من المجتمع ويجب علي جميع أجهزة الدولة أن تتكاتف لحل المشكلة من جذورها بدلا من إعطاء مسكنات للمجتمع بإعلان الأمن كل فترة القبض علي تنظيم يضم عناصر تكفر المجتمع والأولي أن تتبني السلطات الأمنية عملية اقناعهم بالتخلي عن هذا الفكر بالحوار بدلا من تعذيبهم في السجون حتي لا يخرجوا منها أكثر تطرفا وعنفا. وأكد د. رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات أن المراجعات الفقهية التي تبناها قادة تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد ستخلق جيلا ثالثا أكثر عنفا، لأن الشباب يشعرون بأنهم في حالة تخبط فكري بعد أن اقتنعوا علي مدي العقود الثلاثة الماضية بفكرة حمل السلاح وتكفير كل من يخالف رأيهم ما أصابهم بالصدمة الفكرية التي قد تؤدي إلي تحولهم لتكوين تنظيمات أكثر عنفا ونفي رفعت أن تكون التنظيمات التي يعلن الأمن القبض عليها كل فترة حقيقية مؤكدا بأنها «فبركة أمنية» لصرف نظر المجتمع عن الهموم الرئيسية من فقر وبطالة وغيرها من المشكلات لافتا إلي وجود تنظيمات وخلايا نائمة لا يعلم عنها الأمن شيئا، تتبني بالفعل أفكاراً تكفيرية وتتبني منهجا أكثر عنفا من التنظيمات التي سادت في العقود الثلاثة الماضية.