أعظم عدو لحكم الإخوان هو جماعة الإخوان ذاتها. وحين تكتب نهاية حكم الإخوان، فسوف ينسب الفضل لكثيرين، أولهم قيادة الإخوان، والتى لا تسمع ولا ترى، وتنساق وراء شهوات مليارديرات كبار من عينة خيرت الشاطر وحسن مالك. أعلم أن كثيرين لا يتوقعون يوما تكون فيه النهاية لحكم الإخوان، ولديهم اعتقاد عبثى صارم، مفاده أن الإخوان يصلون للحكم مرة واحدة، ثم يبقون فيه إلى يوم يبعثون، وهؤلاء غالبا من المصابين بمرض (فوبيا الإخوان)، وليست عندهم حيلة سوى الدعاء على الإخوان، أو انتظار مصيبة أو وباء جماعى يصيب الإخوان خاصة، وكأن الإخوان قوة احتلال خارجى لا قبل لأحد بإزاحتها. وبقدر ما يبدو الاعتقاد العبثى كارهًا للإخوان، ومعاديا لهم إلى يوم الدين، فإنه يبدو بالمقابل محابيا للإخوان، ويرفعهم إلى مقام القوة الأسطورية، والتى لا يخيب لها عمل أبداً، فهى مستعدة دائما، وقادرة أبداً على الحشد الدينى، وعلى سد منافذ التغيير حتى لو أراد الناس. وكاتب السطور يعتقد فى العكس بالضبط، وليست لديه مخاوف ولا هواجس من أى نوع دينى، وليس علمانيا، تماما كما يعتقد أن الإخوان ليسوا قوة دينية، بل هى جماعة تتوسل بالدين إلى طلب الدنيا، وتؤثر الغنيمة على الشريعة، وهو ما يبدو ظاهراً فى تصرفات السياسة والاقتصاد، فالإخوان عند القيادة بالذات قوة رجعية ويمينية بامتياز، وما من فارق ملموس بين جماعة الإخوان وجماعة مبارك، اللهم إلا فى هيئة الذقون، والتى لايزال يحتفظ بها بعض قادة الإخوان، وعلى سبيل التضليل الدينى، وإن كان بعضهم قادة الإخوان يختصرون المسافة حتى فى الذقون، فالميل السلوكى ظاهر فى تخفيف الذقون وإثقال الجيوب، والتصرف بذات الطريقة الموروثة عن جماعة مبارك، تأمل مثلا صورة الملياردير الإخوانى حسن مالك، والذى اختاره خيرت الشاطر كبديل و«دوبلير» لدور أحمد عز، مالك خفيف الذقن، وأصبح بسرعة حلقة الوصل بين الرئيس الإخوانى ومجتمع البيزنس، وتأمل أيضا صورة عصام الحداد شريك خيرت الشاطر فى البيزنس، والرجل حليق الذقن، وجرى اختياره عينا لمرسى على شبكة علاقات الخارج، وصار وزير الخارجية الفعلى، ويبدو كنسخة مكررة لدور عمر سليمان إلى جوار مبارك، ثم تأمل أكثر فى السلوك التنظيمى لحكم الإخوان، وبعد أن نقل الملياردير خيرت الشاطر أخلص رجاله إلى مؤسسة رئاسة مرسى، يستعد هو الآخر للانتقال إلى هناك، وبعد أن سبق بإيفاد خفيفى الذقون مالك والحداد وياسر على المتحدث باسم مرسى، وربما لا نفاجأ بنقل اجتماعات مكتب الإرشاد قريبا إلى قصر الرئاسة، وحتى تكتمل هيئة التطابق مع سلوك عائلة مبارك، فثمة حكومة خفية وأخرى ظاهرة للعيان، الحكومة الظاهرة تسكن مبنى مجلس الوزراء، والحكومة الخفية فى بيت الرئاسة، والذى حلت فيه حكومة الجماعة محل حكومة العائلة، كانت الرئاسة مزدوجة لمبارك ونجله، وصارت الرئاسة مزدوجة لمرسى وخيرت الشاطر، والأخير يفضل استخدام جماعة «حليقى الذقون»، وربما اكتفاء بذقنه الشخصية الكثيفة، وكأننا بصدد عملية غسيل ذقون، وإحلال حسابات البيزنس محل صلاة التراويح، فلم يعد للذقن من فائدة بيزنسية ترتجى، وآن الأوان لخلع الذقون وكشف الأقنعة. يبدو التطابق فى السلوك مثيراً للدهشة، وإن كان التطابق فى الأفكار أكثر ظهوراً، فليس لدى الإخوان اختيار آخر غير ما كانت عليه قيادة مبارك، ربما الفارق الوحيد فى لصق «تيكت إسلامى» شفاف على بضاعة مبارك ذاتها، ففى السياسة يستمر التقديس لأولوية مصالح الأمريكيين فى القاهرة، ولرغبات الإسرائيليين فى سيناء، ولروشتة صندوق النقد والبنك الدوليين فى الاقتصاد، ولشهوات «رأسمالية المحاسيب» على حساب الأغلبية العظمى من الشعب المصرى، وبتلخيص لا يبدو مخلاً، فقد ظلت مصر على حالها كمستعمرة أمريكية بامتياز، ومع تغير اسم الوكيل المحلى، ونقل التوكيل من عائلة مبارك إلى جماعة الشاطر، وما من سبيل لتصور نجاح هذه السياسة، ولا لتصور إمكانية إفلات قيادة الإخوان من مصير مبارك، خاصة أن الشعب المصرى لم يعد كما كان قبل الثورة، لم يعد ذلك الصابر الأبدى المحتمل للأذى بلا نهاية، بل نفد صبر المصريين، وسقطت حواجز الخوف. وقد يرى البعض أن الإخوان قادرون على الصمود، وأن مهارات التنظيم والعمل الخيرى قد تعوض الخلل فى السياسة، وقد لا تصح الاستهانة بالخبرة التنظيمية المميزة لقيادة الإخوان، تماما كما لا تصح الاستهانة بالتغيرات المتسارعة الجارية فى وعى المصريين، فقد كان فوز الإخوان فى أول انتخابات بعد خلع مبارك من البديهيات، وكان ذلك نتاجا لأربعة عقود توالت من غربة مصر وخروجها من سباق التاريخ، وما جرى من تحلل للدولة، وتحلل المجتمع فى الوقت نفسه، وتحول المجتمع المصرى إلى غبار بشرى، تسوده مشاعر البؤس واليأس، وقد خاطبت تيارات اليمين الدينى بؤس المجتمع كجمعية خيرية، ثم إنها خاطبت يأسه كجمعية دينية، وهو ما يفسر تغول التيار الإسلامى وتضخم الكنيسة معا، وتقلص المجال السياسى، وسيادة التصويت الدينى فى أول بروفة انتخابية بعد خلع مبارك، لكن المجتمع المصرى راح بعدها يتلمس طريق الوعى المحسوس، وعلى طريقة «الوعى باللمس» فى غرفة مظلمة، وإدراك الحقيقة بلسع النار، وهو ما يفسر تراجع التأييد الشعبى لجماعة الإخوان، وبرغم أن تنظيم الجماعة زاد قوة وعتاداً ومعنويات، لكن زيادة قوة التنظيم الإخوانى لم تؤد آليا إلى زيادة شعبية الإخوان، بل جرى الانكشاف سريعا، وتقلصت فوائض العطف الشعبى مع التجربة القصيرة البائسة لبرلمان الإخوان، وفى خمسة شهور لا غير، فصلت انتخابات البرلمان عن انتخابات الرئاسة، تراجع الدعم الشعبى للإخوان بمقدار الثلث، ويبدو اتجاه التراجع متصلا برغم مناورات مرسى «الشعبوية»، وثرثراته التى لا تنتهى، وصحيح أن حزب الإخوان لايزال فى مكانة الحزب الأول حتى هذه اللحظة، لكن فوائض العطف الشعبى عليه يجرى تجريفها، وبسبب جوهرى هو السلوك السياسى والاقتصادى لجماعة الإخوان فى الحكم، فقد حفر مبارك قبر حكمه بيديه، وبغباوة سياسته، وهو ما يتكرر بالحرف مع حكم الإخوان، إنها الشهوة ذاتها التى تغلق السمع وتعمى البصر، وإن كانت جماعة الإخوان تبدى تخوفا غريزيا من النهاية، وهو ما يفسر رفضها لنظام الانتخابات بالقائمة النسبية غير المشروطة، ويفسر رغبتها فى إلغاء ضمانة الإشراف القضائى على الانتخابات، وحتى تتاح الفرصة لتزوير همجى على طريقة مبارك فى أيامه الأخيرة. لقد كان توقعى فى كتابى (الأيام الأخيرة) عام 2008 أن يفوز الإخوان بالأكثرية فى أول انتخابات تجرى بعد مبارك، وتوقعت فوزهم بذات النسبة التى فازوا بها، وقلت وقتها إن شعبية الإخوان مرشحة للتراجع باطراد مع محنة الحكم، وهو ما يحدث الآن بالضبط، وقد لا تصل نسبة فوز الإخوان إلى حاجز الثلث فى انتخابات تجرى بعد شهور، وإن كان البلد فى ظنى يحتاج إلى أربع سنوات، وحتى تعتدل الموازين، وتكتب الهزيمة الانتخابية الكاملة لحكم الإخوان. نعم، انتظروا نهاية حكم الإخوان، وبيد قيادة الإخوان ذاتها، فتغول الإخوان عرض لمرض كان اسمه «مبارك» (!). نشر بالعدد 617 بتاريخ 8/10/2012