تتصرف قيادة الإخوان، وكأنها قد فتحت عكا، تتصرف بشهوة عارمة للتسلط، وتبدو في حالة جوع تاريخي إلي كراسي السلطان. وليست مفاجأة أن سلوك الإخوان يبدو تكرارا لسلوك حزب مبارك المنحل، فليس من فارق جوهري في المعني الاجتماعي، كلاهما يعبر عن طبقة أغنياء ومليارديرات المال الحرام، وكلاهما يتصرف سياسيا بقدر هائل من العجرفة، ولا يبدو المهندس خيرت الشاطر مختلفا في المغزي عن سيرة المهندس أحمد عز، كما لا يبدو تصرف سعد الكتاتني مختلفا عن سلوك صفوت الشريف، ولم يكن غريبا أن الكتاتني جمع رئاسة الجمعية التأسيسية إلي رئاسة مجلس الشعب، وبأسلوب «التكويش» ذاته، وبطريقة التصويت الميكانيكي نفسها الموروثة عن الحزب الوطني إياه، ثم كان رده علي اعتراضات القوي الوطنية علي احتكار الإخوان بليغا وموحيا بالتشابه إلي حد التطابق، فقد سألوه عن أزمة الانسحابات والاعتراضات علي تشكيل الجمعية التأسيسية، وكان رده ببساطة أزمة إيه؟ مفيش أزمة(!)، وهو ما قد يذكرك بسخافات صفوت الشريف، وجلده التخين، وانفصاله الشعوري والوجداني عن الواقع من حوله، وحديثه عن مصر التي تعيش أزهي عصور الديمقراطية في الوقت الذي كانت مصر فيه تعيش الزمن الأحط من وصف الديكتاتورية! والمعروف أن جماعة مبارك كانت مولعة بالتنكيل بجماعة الإخوان، وتكرار اعتقالاتهم، وتقديمهم إلي محاكمات عسكرية، وإذلالهم وترويعهم، وبعد أن قامت الثورة بغير الإخوان، والذين التحقوا بها بعد أن تأكدوا من نجاحها، وللبحث عن مغانم بدلا من كلفة المغارم، واختطاف أكثرية برلمانية في أجواء اختلاط الصور والتصويت الديني الصرف، وتبادل المواقع مع جماعة مبارك، والانتقال من سجن طرة إلي رئاسة مجلسي الشعب والشوري، والاستقواء بإخوانهم السلفيين التابعين، ولم يجدوا مع الوصول للسلطة من سبيل أهدي غير سبيل رجال المخلوع، وهو ما قد ينطوي علي مفارقة لأول وهلة، لكن إعادة النظر في السلوك الإخواني تكشف التطابق المثير، والذي يفسره علم النفس بنظرية «التوحد مع المعتدي»، فالنازية مثلا أقامت المجازر والمحارق لليهود، ولم تجد الصهيونية التي نهضت بدعوي الدفاع عن اليهود، لم تجد الصهيونية من سبيل غير احتذاء السلوك النازي، وجربت أساليب النازية ذاتها في اقامة المجازر للفلسطينيين، والتفسير النفسي بحسب نظرية التوحد بالمعتدي ظاهر ومفهوم، فإفراط المعتدي في القهر يدهس روح المعتدي عليه، ويحول الجاني إلي «مثل أعلي» للضحية، وهكذا صار سلوك جماعة مبارك «مثلا أعلي» لقيادة جماعة الإخوان، ووجد سعد الكتاتني نفسه يقلد صفوت الشريف في هلوساته، ووجد نواب الإخوان والسلفيين من يوجههم باشارة اصبع علي طريقة المرحوم كمال الشاذلي والمسجون أحمد عز، ووجد عصام العريان نفسه يقلد زكريا عزمي في دور المؤيد المعترض، والتحق محمد البلتاجي باللعبة نفسها تقليدا للمسجون زكريا عزمي، فقد اعترض علي تشكيل الجمعية التأسيسية، وطالب بحوار مع القوي الوطنية، وبإخلاء خمسة عشر مقعدا من نواب الإخوان، وإحلال آخرين محلهم، لكنه عند التصويت تناسي ما قاله، وسارع برفع يده تأييدا لقادة الأوامر، وأعطي صوته في الاتجاه العكسي تماما، وعلي طريقة المناورات المكشوفة اللائقة بنواب «الترسو»، والتي تعلموها في حضانة الحزب الوطني الذي صار سلوكه «مثلا أعلي» لنواب الإخوان. ولأن الغاية تبرر الوسيلة، وطلب السلطة والتسلط يدهس الأخلاق، فلا يخجل أمثال هؤلاء بأن يكذبوا، وأن يقولوا في الصباح ما أنكروه في المساء المنقضي، فهم يفلقون دماغك كل يوم بالحديث عن سحب الثقة من حكومة الجنزوري، ولا يفعلونها أبدا، ولا يهتمون سوي بتقديم «عرض مسرحي» بائس، يقيمون فيه الدنيا فلا يقعدونها أول الشوط، ثم تصمت الحناجر بعدها، أو يسارعون بتقديم الاعتذار لوزراء الجنزوري، وكأنهم تحولوا إلي جماعة من الخرس المهذبين، والتفسير مفهوم في تغير وارتباك أوامر مكتب ارشاد جماعة الإخوان، وتذبذبها في تقرير المواجهة مع المجلس العسكري، والذي يتمسك بحقه المنفرد في تشكيل أو إقالة الحكومات بحسب الإعلان الدستوري القائم، والذي دافعت عنه قيادة الإخوان باستماتة، ورفعته إلي مقام الكتب المقدسة، وتوعدت المخالفين لاستفتائه ونصوصه بعذاب النار في الدنيا والآخرة، ثم تحمست لحكومة الجنزوري خلافا لكل القوي الوطنية، وإلي درجة تصور فيها الناس أن الجنزوري انضم سرا لجماعة الإخوان، ولا ينسي أحد لقاء الجنزوري مع محمد مرسي رئيس حزب الإخوان ونائبه وقتها سعد الكتاتني ، والتي بدت صورته موحية بالتآلف والتآزر، بدا مرسي بذقنه الثقيلة ضاحكا حتي بانت نواجذه، في الوقت الذي كان فيه الدم يسيل علي الأسفلت، والشهداء يسقطون دفاعا عن الثورة المغدورة، ورفضا لتنصيب الجنزوري، ولم تكن قيادة الإخوان تبالي، بل اتهمت الشهداء بأنهم بلطجية لا ثوار، ثم حين بدأت جلسات البرلمان، تحولت قيادة الإخوان إلي سلوك البلطجة الموروث عن حزب مبارك، وحولت البرلمان إلي حلبة ملاكمة، ونصبت خيام الكلام الفارغ، واندفعت إلي ضجيج بلا طحين، لا تقترب فيه أبدا من الأبقار المقدسة، لا توافق علي قانون محاكمة مبارك بتهمة الخيانة العظمي، ولا تلغي مرسوم المجلس العسكري بتحصين العسكريين في قضايا الكسب غير المشروع، ولا تلغي «قانون العار» الذي أصدره المجلس العسكري للتصالح مع سجناء طرة، لا تفعل شيئا أبداً لصالح الشعب ولا لصالح الثورة، ويتفرغ فقهاؤها علي طريقة صبحي صالح لاصدار تشريعات بمنع التظاهر السلمي، ولضمان احتكار الإخوان بالتوافق مع الجنرالات للجمعية التأسيسية للدستور، ولم تكن مصادفة أبدا أن اللواء ممدوح شاهين فقيه المجلس العسكري أعطي صوته للكتاتني، وتطوع بحديث عابث عن تمثيل الجمعية التأسيسية الإخوانية لجميع طوائف الشعب، وفي نفس الوقت الذي انسحبت فيه القوي الوطنية اعتراضا واحتجاجا، بل وانسحب ممثل الأزهر الشريف نفسه نأيا بمكانته عن الغوص في الوحل. ولن تكون هذه آخر عجرفات الإخوان، فهم مجبولون علي احتذاء «مثلهم الأعلي» الذي كان يقهرهم، وتحول إلي قدوتهم السيئة، وهم يسلكون سلوك مبارك نفسه، يستهزئون بمعني المعارضة ومعني الثورة، ويكاد لسان حالهم يكرر جملة مبارك الشهيرة والأخيرة «خليهم يتسلوا»، قالها مبارك في نوبة استهزاء بفكرة «البرلمان الموازي» التي كان لكاتب السطور شرف الدعوة إليها، وقتها أدرك الجميع أن نهاية مبارك اقتربت، وأنه أمعن في غيه وطغيانه، ولم يعد يري شيئا من حوله، وهكذا يفعل الإخوان الآن، ويتجاهلون أبسط معاني الشرعية والمشروعية، فمجلساً الشعب والشوري مشكوك في شرعيتهما، وقانون الانتخابات غير دستوري بالمرة، ويهدد أبسط معاني مبدأ المساواة في حق الترشح، وقد أحالت المحكمة الإدارية العليا طعنا بعدم دستوريته إلي المحكمة الدستورية العليا، ولو كان لدي الكتاتني، أو لدي نواب الإخوان والسلفيين، لو كان لديهم أدني حرص علي اعتبارات النزاهة والشرعية، لسلكوا سلوكا بديهيا آخر، وطلبوا باسم مجلس الشعب تفسيرا من المحكمة الدستورية، أو طلبوا التعجيل بنظر الطعن علي عدم دستورية قانون الانتخابات، وقبل أن تبدأ عملية اختيار الجمعية التأسيسية، لكنهم لم يفعلوا، ولن يفعلوا، فهم يتصرفون بغريزة التحكم والتسلط، ويمضون في طريق الضلال إلي آخره، ويبنون الباطل فوق الباطل، ويشكلون باسم البرلمان الباطل جمعية تأسيسية باطلة، ولن ينتهي مكرهم السيئ، إلا إلي دستور باطل، وإلي بطلان انتخابات الرئاسة ذاتها، وكأن البلد المنهك يحتمل مزيدا من الإنهاك، واقامة مؤسسات تجريبية علي طريقة المسرح التجريبي، وتحويل البرلمان والرئاسة إلي بيوت من رمل في عبث صغار، وكالبيوت التي يصنعها أطفال المصايف علي شواطئ البحر، ثم يهدمونها في آخر الموسم. ومن الخطأ أن نحمل كل الإخوان ذنب الذي يجري، ففي قواعد الجماعة مئات الآلاف من الشرفاء والوطنيين المخلصين، وأكبر عدو للإخوان هو قيادتهم المتعجرفة، والتي تقودهم إلي الهلاك علي طريقة قيادة مبارك لجماعته إلي مدافن النهاية. إلي منصور حسن لم يخسر منصور حسن شيئا بسبب سحب ترشحه لانتخابات الرئاسة، بل كسب الرجل نفسه، وكسب احترام الرأي العام الذي يحتفظ له بصورة نقية صافية بغير كدر. أدرك منصور حسن سخف لعبة رئاسة مشكوك في أمرها، ولم يرتض لنفسه أن تتلاعب جهات بإسمه وسيرته العطرة وفضل أن يصون مكانته المقدرة فى تاريخ مصر لا ان يبددها فى هرج ومرج وتختلط فيه الصورة والمعانى فتحية للسيد منصور حسن رئيس جمهورية الاخلاق . نشر بصوت الامة بتاريخ 2 إبريل 2012