الحقيقة الناطقة ظاهرة جدا، وهي أن الشاطر مرشح الأمريكان باسم الإخوان، وأن ترشيحه هو الوجه الآخر لترشيح اللواء عمر سليمان، كانت جماعة مبارك مزيجا من جماعة الأمن وجماعة البيزنس، وكان عمر سليمان عنوانا لجماعة الأمن، والتي تعزز نفوذها بتفويض المجلس العسكري لخلافة مبارك، بينما فقدت جماعة البيزنس عددا من رءوسها وواجهاتها، وتواري المهندس أحمد عز ولو مؤقتا وراء أسوار سجن طرة، وبدا المهندس «خيرت الشاطر» كأنه الخليفة المناسب لأحمد عز ليست القصة في تراجع قيادة الإخوان عن تعهد سبق، وأصرت علي إعلانه مئات المرات، ونكصت عنه في لحظة، وقررت ترشيح المهندس خيرت الشاطر لمنصب الرئاسة. ليست القصة في تراجع قيادة الإخوان، ولا في كونهم من الكذابين، فلم يكونوا أبدا من الصادقين، ولا من حماة المبادئ ولا حراس الأخلاق، فهم جماعة منفعة براجماتية، وسلوكهم السياسي تجاري جداً، وبأبشع ما يعرف عن صفات التجار السيئين، والذين يقسمون كل صباح ألا يقولوا شيئا صحيحا أبداً طوال اليوم، وأن يبذلوا غاية جهدهم في غش وخداع الزبائن، وفي عدم الوفاء بالكيل، وفي الضحك علي ذقون الناس، وفي بيع البضاعة التي لا يملكونها، وقبض الثمن مقدما. وقبل أن تكذب قيادة الإخوان علي عموم الناس، كذبت علي قواعد جماعة الإخوان ذاتها، وفيها مئات الآلاف من الشرفاء والوطنيين المخلصين، وفيها جماعات من الشبان المصريين الأكثر استقامة وخلقا واستعدادا للتضحية، ورغبة في نهوض البلد من عثرته، وقد اجتذبهم العمل في جماعة الإخوان، وببريق الشعارات الدينية المستعملة كماركة تجارية، وظنوا أن قيادتهم جديرة بالسمع والطاعة، خصوصا في ظروف ملاحقات أمنية شرسة، ثم بدأت الحقائق تتكشف أمامهم مع أجواء الحرية بعد الثورة، وصاروا يتساءلون عن الدواعي والأسباب، ويكتشفون عجز وخداع القيادة، وتحيزها لأي شيء آخر بعيداً عن صحيح الدين، وانصياعها المذل لمن يملك المال والنفوذ، ويصرف رواتب المرشد وأعضاء مكتب الارشاد، ومعهم آلاف المتفرغين، وهو ما دفع القيادة الرثة إلي جعل طاعة خيرت الشاطر فوق طاعة الله، والتحايل علي مناقشات مجلس شوري الإخوان، والاستهانة برفض غالب أعضاء شوري الإخوان لفكرة ترشيح الشاطر بالذات، ففي ثلاثة اجتماعات أخيرة توالت لمجلس شوري الإخوان، بدت الضغوط المالية التنظيمية ظاهرة، وأدت لتناقص أعداد الرافضين لمبدأ ترشيح الشاطر تباعا، فمن بين عدد أعضاء مجلس شوري الإخوان المائة وثمانية، رفض ثمانون عضوا مبدأ ترشيح الشاطر في أول اجتماع، ثم نزل عدد الرافضين إلي واحد وستين في الاجتماع الثاني، ومع الاجتماع الثالث الطارئ، والذي جرت الدعوة إليه علي نحو مفاجئ، وقبل موعده الذي كان مقررا بثلاثة أيام، نزل عدد الرافضين إلي 52 عضواً، فيما صوت 54 عضوا لصالح مبدأ ترشيح قيادي إخواني لمنصب الرئاسة، ولم يكن هؤلاء الأخيرون جميعا من مؤيدي ترشيح الشاطر بالذات، وهو ما دفع الشاطر وجماعته في مكتب الارشاد إلي التحايل علي الضمائر، وتقرير حق مكتب الارشاد وحده في اختيار الاسم، واتخاذ الإجراءات التنفيذية. والمثير اللافت أن مكتب ارشاد الإخوان أخذ القرار لنفسه، ولم يدع شيئا لحزب «الحرية والعدالة»، والذي لم يكن خيرت الشاطر قد انضم إليه أصلا، وكان يتعامل مع قياداته وأعضائه كأنهم «أنفار باليومية»، ويحرص علي استدعائهم لمقابلته باعتباره صانع أقدارهم، وزاد حنقه عليهم حين صدق محمد مرسي نفسه، وتصرف كأنه رئيس حزب الإخوان فعلا لا قولاً، ودعا لعقد اجتماع للهيئة العليا لحزب «الحرية والعدالة»، وجري التصويت فيه علي مبدأ ترشيح قيادي إخواني، وكان المفهوم في خاطر المجتمعين أن المقصود هو خيرت الشاطر دون غيره، وإن جاء التصويت صادما للشاطر، فقد رفض 57 عضوا من إجمالي 72 عضوا حاضرا ترشيح الشاطر، وكان لابد من تأديب المعترضين علي جلالة الملك خيرت الشاطر، ونقل القرار إلي مكتب ارشاد جماعة الإخوان مباشرة، أي نقل القرار إلي منطقة النفوذ المباشر لخيرت الشاطر، وإزاحة الاعتبارات القانونية الشكلية، والتي لا تعطي الجماعة صفة في الموضوع، وتعطي الحزب وحده كل الحق في قرارات السياسة، فالأهم هو قرارات المال التي تصنع السياسة، والأهم ألا يسمح خيرت الشاطر بألا يرتفع صوت فوق صوته، وهو ما بدا في المؤتمر الصحفي المشترك للحزب والجماعة، والذي كلف فيه المرشد محمد بديع بإعلان اسم الشاطر أولاً، ثم ترك الثرثرة اللاحقة لمحمد مرسي، والذي بدا ضائقا بامتداد وقت المؤتمر الصحفي، وكان يشير دائما إلي ساعته، وبأكثر من المرات التي فتح فيها فمه، وقدم مبررات للتراجع لا تقنع عاقلا ولا جاهلاً. ومن حق خيرت الشاطر بالطبع أن يرشح نفسه، لكن ليس من حقه، ولا من حق المنقادين لنفوذه المالي، ولا من حق رجاله في مكتب ارشاد الإخوان، ليس من حق هؤلاء الادعاء بميزة وطنية أو ثورية لشخص الشاطر، ولا حتي من حقهم الإدعاء بتمثيل الشاطر لكل جماعة الاخوان، فالشاطر «سلفي متخفي» في قيادة الإخوان، ولم يعرف له رأي، ولا سمعنا له صوتاً فيما جري ويجري، فقد كان خيرت دائما هو الرجل الغامض بسلامته متخفيا في ذقنه المشعثة، وكان همزة الوصل مع قيادات جهاز أمن الدولة في زمن مبارك، وفي التحقيقات معه، وهي موجودة، وبعضها منشور علي العموم، كان الشاطر ينكر أي صلة له بجماعة الإخوان، ويتصرف ليس كمعتقل في قضية سياسية، بل كشخص جري ضبطه في قضية سرقة حبل غسيل، وكمتهم جنائي لا سياسي، كل همه أن يقول فقط تعبيرات ينصح بها المحامون من الدرجة العاشرة، ومن عينة «ما شفتش» «ما أعرفش» و«ما حصلش»، وكأن الانتماء إلي الفكر الإخواني تهمة يتبرأ منها، وكان يحرص دائما علي وضع «الرجل الغامض بسلامته»، وتقديم نفسه كمهندس وتاجر لا كداعية لفكرة أو لموقف، وهو كذلك بالفعل، فقد تصرف دائما في صمت مريب، وسعي إلي السيطرة علي جماعة الإخوان، وإلي اعتبار السيطرة مقاولة لابد أن يفوز بها المهندس دون غيره، وسعي إلي إقصاء المنافسين المحتملين، وأولهم د.عبدالمنعم أبوالفتوح المعروف بشخصيته الكاريزمية واعتداده الفكري، وقد طارده النفوذ المالي المتوحش للشاطر، وأخرجه من عضوية مكتب الارشاد قبل الثورة، ثم فصله تماما من الجماعة كلها بعد الثورة، وإلي حد أصبحت معه قيادة الإخوان لينة طيعة وملك يمين الشاطر، والذي انفرد بإدارة أخطر اللقاءات السرية مع الأمريكان، وحصل باتصالاته وعلاقاته المالية علي تأييد الدوائر الخليجية الخادمة للأمريكان، وحصل بالتبعية علي رخصة «عدم ممانعة» في ترشيحه للرئاسة من جنرالات المجلس العسكري، وفي لقاء خاص مع المشير طنطاوي والفريق سامي عنان قبل الضغط الأخير الداهس علي مجلس شوري الإخوان، ودفع جانب من المعترضين إلي جانب الموافقة بالإكراه. ومن الظلم البين أن نصف كل جماعة الإخوان بممالأة الأمريكان والخليجيين والمجلس العسكري، وفي الجماعة قيادات وطنية مرموقة، لكنها تعرضت للسحق بالضغط المالي، وجري دفعها إلي حافة الهاوية بقرارات الفصل الجاهزة علي بياض، تماما كما كانت قرارات الاعتقال جاهزة علي بياض في زمن مبارك، والمؤسف أن ذلك كله يجري في صمت، ويجري التعامل مع الجماعة كأنها شقة مفروشة، يجري بيعها لمن يملك، وخيرت الشاطر يملك مفاتيح المال، ويحول كوادر الجماعة إلي «عيال» يكملون له زينة الحياة الدنيا، ويزفونه كعريس ورئيس بإطلاق الألعاب النارية أمام مقر اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، ويجدون فرص عمل موسمية في مقاولة «الشاطر رئيسا»، وعلي ظن أنه مرشح الإخوان لا مرشح الأمريكان، بينما الحقيقة الناطقة ظاهرة جدا، وهي أن الشاطر مرشح الأمريكان باسم الإخوان، وأن ترشيحه هو الوجه الآخر لترشيح اللواء عمر سليمان، والهدف: تحويل جماعة الإخوان إلي امتداد لجماعة مبارك، واستنساخ المخلوع باللحية أو بدونها، كانت جماعة مبارك مزيجا من جماعة الأمن وجماعة البيزنس، وكان عمر سليمان عنوانا لجماعة الأمن، والتي تعزز نفوذها بتفويض المجلس العسكري لخلافة مبارك، بينما فقدت جماعة البيزنس عددا من رءوسها وواجهاتها، وتواري المهندس أحمد عز ولو مؤقتا وراء أسوار سجن طرة، وبدا المهندس «خيرت الشاطر» كأنه الخليفة المناسب للمهندس أحمد عز، وبذات التكوين المالي النامي بصورة غامضة، وفي صورة الملياردير الحديث نفسه، والذي يتعامل مع السياسة كمقاولة وصفوف من أجهزة الكمبيوتر، وقد سيطر المهندس عز بأمواله وكمبيوتراته علي ما كان يسمي بالحزب الوطني، وسيطر المهندس الشاطر علي جماعة الإخوان بالطريقة ذاتها، وأحل اعتبارات البيزنس محل اعتبارات الدين والسياسة، وتقدم كرأس إخواني لجماعة البيزنس التي فقدت رأسها «الوطني» المنحل، وملك من خلال سيطرته قاعدة شعبية يمثلها نفوذ الإخوان الاجتماعي، بينما بدا عمر سليمان للأمريكان والخليجيين والإسرائيليين أيضا كرأس موثوق بها لجماعة الأمن الراسخة قواعدها، وبأفضل كثير من المشير محمد حسين طنطاوي المتردد في خدمة الإسرائيليين بالذات، بينما فضلوا الاحتفاظ بالفريق سامي عنان لدور مركزي آخر، وهو خلافة طنطاوي في منصب وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، ووضع عنان المفضل عسكريا للأمريكيين هو نقطة لقاء مشترك لقطب جماعة الأمن اللواء عمر سليمان، ولقطب جماعة البيزنس الجديد خيرت الشاطر، والذي يقفز بنفوذ جماعة البيزنس من السيطرة علي الحكومات إلي الاستحواذ علي منصب الرئاسة، والمعني ظاهر، وهو أن سليمان والشاطر هما فرسا الرهان المفضلان لحملة صندوق الأسرار، ولمجمع الكرادلة الذي يدار من واشنطن، ويشمل الإسرائيليين والخليجيين والعناصر الأوسع نفوذا في المجلس العسكري، وصراع الشاطر وسليمان ليس غير معركة تدور بين جناحين في المعسكر نفسه، صراع بين جماعة البيزنس وجماعة الأمن المتحدتين بالمصالح في معسكر الثورة المضادة، والذي يرعاه جنرالات المجلس العسكري، وربما مبارك نفسه من مقر اقامته المترفة في المركز الطبي العالمي، ويكاد يخرج لنا لسانه، وهو يمضي حثيثا إلي القبر الأخير. سيطر المهندس عز بأمواله وكمبيوتراته علي ما كان يسمي بالحزب الوطني، وسيطر المهندس الشاطر علي جماعة الإخوان بالطريقة ذاتها، وأحل اعتبارات البيزنس محل اعتبارات الدين والسياسة المثير اللافت أن مكتب ارشاد الإخوان أخذ القرار لنفسه ولم يدع شيئا لحزب «الحرية والعدالة» والذي تعامل الشاطر مع قياداته كأنهم «أنفار باليومية»! صراع الشاطر وسليمان ليس غير معركة تدور بين جناحين في المعسكر نفسه.. صراع بين جماعة البيزنس وجماعة الأمن المتحدتين بالمصالح في معسكر الثورة المضادة والذي يرعاه جنرالات المجلس العسكري ,وربما مبارك نفسة من مقر اقامتة المترفة في المركز الطبي العالمي ويكاد يخرج لنا لسانة,وهو يمضي حثيثا الي القبر الاخير. نشر بالعدد 591 بتاريخ 9 إبريل 2012