يطيب لى أن أهنأ أسر الشهداء والجرحى والمصابين فى بلاد ثورات الربيع العربي، كما أهنأ الشعب المصرى العظيم كله، حكومة وشعباً وسياسيين وإعلاميين وغيرهم، وأهنأ المدنيين والعسكريين، كما أهنأ الأمة العربية والاسلامية بعيد الفطر المبارك الجميل، بعد شهر الصيام والقيام، شهر البركات والمغفرة والعتق من النار والفتوحات العظيمة، وخصوصاً فتح مكة. وهى تهنئة واجبة حتى تعلم أسر الشهداء أنهم بأعيننا، سواء عرفناهم أم لم نعرفهم، وأنهم سبب عظيم لما نحن فيه اليوم من ثورات وأمجاد وفتوحات وانتصارات، يحملها من يستحق ومن لا يستحق، ويتمسح بها الجميع حتى بعض الفلول الفلول، وبعض بقايا الدولة العميقة. هل تستطيع الأمة فى ضوء أحداثها الجارية الساخنة والباردة أن تسترد المروءة العربية والخلق الاسلامى القويم، فنسعى إلى الوحدة والتكامل الحقيقي، ونبدأ الخطوة الأساس فى الاسهام فى الحضارة القائمة، التى هى للأسف الشديد من نتاج الغرب وحده، وليس لنا فيها ناقة ولا جمل؟ أقول هذا الكلام بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الاسلامية فى مكةالمكرمة. عدد البلاد الأعضاء فى منظمة المؤتمر الاسلامى يبلغ 57 عضواً يجتمعون فى مكةالمكرمة ويدرسون مجموعة من الملفات المهمة، منها الملفين السورى والفلسطينى بما فى ذلك تطوير مدينة القدس وملف الروهينجا المسلمين- أى الأقلية المسلمة- فى بورما، وتستعرض هذه القمة سبل مواجهات التحديات المصيرية التى تواجه الأمة، وملف المشروعات المشتركة بين دول العالم الاسلامى وهذا جميل لو تم إنجازه ولو توحدت هذه الدول لغيرت وجه العالم. حاولت أن أجد على جدول أعمال هذه القمة الاستثنائية التى تسمى قمة التضامن الاسلامى ملف القواعد الأمريكية والقوات الأمريكية وقوات الناتو فى بلادنا أو متى ترحل تلك القوات، فلم أجد، فشعرت بل واقتنعت أنها ستكون قمة نمطية رغم مشاركة رؤساء أو ممثلى دول الربيع العربى فيها. نعم الموضوعات المطروحة مهمة، ولكنها لم تكن تستوجب أو تستدعى قمة استثنائية نمطية تزيد الأمور تعقيداً. الحمد لله أن القذافى الذى كان يسب الملوك والأمراء ويلعنهم حتى فى تلك المؤتمرات، ويتكلم حين يحلو له، أحياناً باختطاف الميكروفون والمنصة- الحمد لله ليس موجوداً فى هذه القمة، ولكنه ينبغى أن يكون حاضراً، كعبرة ودرس لمن بقى من الطغاة والاستبداديين والفراعنة الصغار. نعم الملفات المطروحة مهمة وخصوصاً الملف السورى الذى ازداد تعقيداً والملف الفلسطينى الذى ازداد نمطية وأرجو ألا يتأكد فى هذه القمة الحل الأمريكي. ويمكن أن تكون هناك حلول جذرية، لو نظر المؤتمرون فى مصلحة الأمة أولاً، وبعيداً عن المنظرة والمكاسب الفردية، وإذا اقتنعنا أننا نستطيع كما يستطيع غيرنا. ولو أننا ابتعدنا عن قبول النصيحة من الأعداء الذين يحتلون بلادنا ويحتلون عقولنا. القمم العربية والاسلامية مهمة لدراسة كل الملفات الساخنة والباردة، وفق أولويات يتفق عليها فى مجال التعليم ومنها محو الأمية، وفى مجال الادارة والسياسة، وفى المجال الاقتصادى والعلمي، وفى مجال الأمن، وفى مجال الفكر والثقافة، وفى مجال البحث والدراسات، وفى المجال الاجتماعى ومنها قضايا الأسرة والمرأة والطفل، وفى مجال الأقليات، ليس فقط الأقليات المسلمة بل والأقليات المسيحية وغيرها كذلك. وينبغى أن نكون فى الأمة العربية والاسلامية نماذج عملية واضحة فى كل هذا حتى يقتنع غيرنا بنا وبأعمالنا و طلباتنا. أعود إلى الموضوعات الغائبة عن هذه القمة، ويأتى فى المقدمة منها ملفان إثنان هما: العلاقات الأمريكية العربية والاسلامية والملف الثاني، وقد أشار إليه الرئيس مرسى فى خطاباته الأولى فور نجاحه فى انتخابات الاعادة وهو ملف إحياء معاهدة “إتفاقية" الدفاع العربى المشترك. أما بالنسبة للملف الأول، فيندرج تحته الوجود الأمريكى فى أرض وسماء ومياه بلادنا، سواء الوجود العسكرى أو القواعد العسكرية أو الشركات الكبيرة أو إتفاقيات الدفاع والتسليح والتدريب، وخصوصاً قوات الانتشار السريع أو حتى الصيانة، ولا يخلو منها جميعاً أو من إحداها بلد من بلاد المسلمين، وأمريكا تسعى من وراء كل ذلك لإبقاء هيمنتها على العالم وقيادتها للعالم واستغلال الضعفاء فيه، لصالحها وصالح إسرائيل وأمن إسرائيل، ومن ثم كانت حريصة على التفوق فى كل شىء بل واستعباد الآخرين إذا لم تكن فى حاجة إلى التعاون معهم، وبشرط أن تكون أمريكا فى القيادة دائماً. أتذكر أن أمريكا باعت لباكستان فى التسعينيات معدات عسكرية منها طائرات إف16 أو إف 15، ولكنها لم توفر لباكستان مستلزمات الصيانة بعد الخلاف بينهما، وشونت بعض تلك المعدات فى مخازن فى أمريكا وطالبت باكستان بدفع أجور التشوين. ولعل آنا باترسون سفيرة أمريكا فى القاهرة والتى أصبحت تتدخل فى كل شىء تقريباً، وأصبح لها أصدقاء داخل التيار الاسلامي- لعلها تتذكر العلاقات الأمريكيةالباكستانية جيداً ودورها فيه. أما الدرس البارز الذى يجب على الملوك والرؤساء العرب والمسلمين أن يدركوه، وخصوصاً فى الدول التى ظلت بعيدة مؤقتاً عن الربيع العربي، هو درس التخلى عن شاه إيران، ونميرى السودان، ومبارك مصر، وهى- أى أمريكا- حيث مصلحتها حتى لو كانت مع من وصفتهم ذات يوم بالإرهاب. علينا جميعاً وعلى مؤتمر القمة الاسلامية، أن نعلم أن أمريكا قد كذبت وهى تكتب فى صدر استراتيجية الأمن القومى الأمريكى أنهم يسعون لتهيئة ميزان قوة يدعم الحريات الانسانية، وتهيئة ظروف تختار الأمم والمجتمعات كلها لأنفسهم وتحوذ جزاءات وفوائد ومزايا وتحديات الحريات السياسية والاقتصادية. ويكذبون أيضاً وهم يقولون فى ذات الاستراتيجية: “نحن سندافع عن السلام بمحاربة الارهابيين والطغاة" ويكذبون وهم يقولون أيضاً:"إننا سنوسع السلام وننشره بتشجيع قيام المجتمعات الحرة والمفتوحة على جميع القارات". ويكذبهم كذلك سجن أبو غريب فى بلادنا وجوانتانامو. إن جرائمهم فى أفغانستانوباكستان والعراق وخصوصاً بعد رحيل صدام وبن لادن جرائم بشعة، توضح غدرهم وكذبهم ومخالفة الواقع الأمريكى والسلوك النظرى والفلسفى فى استراتيجياتهم، رغم أنها تعكس حالة الهيمنة والاستكبار على الجميع. الملف الثانى الذى كان يجب أن يكون على مائدة بحث أو قرارات القمة الاسلامية وخصوصاً فى شهر الانتصارات، ونزول وقراءة القرآن، وقيام الليل والتهجد والاعتكاف هو إحياء إتفاقية الدفاع العربى المشترك عملاً بقوله تعالى"وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ الى أمر الله" وعملاً بقوله تعالى" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" وعملاً بقوله تعالى"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". وقد ذهبت ريح الأمة من قبل، لأنها لم تعد أمة واحدة، ولأنها بكل بساطة تنازعت فى أتفه الأمور، وتركت من بغى بل وساندته، ولم تقاتله كما أمر الله تعالى، ولذلك أخشى أن يصيب الأمة مزيداً من الذل والتشتت والضعف والفقر والعار، مثل ما أصاب غيرها من الأمم التى لم تقرأ جيداً ولم تفهم أو حتى فهمت ولم تطبق. وها هو قول الله تعالى يحذرنا"لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون". وأذكر هنا ببعض مواد من معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى وهى تشرح نفسها جيداً فهل ناقشتها القمة أو فكرت فى إحيائها الله أعلم. المادة الثالثة تتشاور الدول المتعاقدة فيما بينها، بناء على طلب إحداها كلما هددت سلامة أراضى أى واحدة منها أو استقلالها أو أمنها. وفى حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها، تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توحيد خططها ومساعيها فى اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التى يقتضيها الموقف. المادة الرابعة رغبة فى تنفيذ الالتزامات سالفة الذكر على أكمل وجه تتعاون الدول المتعاقدة فيما بينها لدعم مقوماتها العسكرية وتعزيزها وتشترك، بحسب مواردها وحاجاتها، فى تهيئة وسائلها الدفاعية الخاصة والجماعية لمقاومة أى اعتداء مسلح. المادة الخامسة تؤلف لجنة عسكرية دائمة من ممثلى هيئة أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة لتنظيم خطط الدفاع المشترك وتهيئة وسائله وأساليبه. وتحدد فى ملحق هذه المعاهدة اختصاصات هذه اللجنة الدائمة بما فى ذلك وضع التقارير اللازمة المتضمنة عناصر التعاون والاشتراك المشار إليهما فى المادة الرابعة. وترفع هذه اللجنة الدائمة تقاريرها عما يدخل فى دائرة أعمالها إلى مجلس الدفاع المشترك المنصوص عنه فى المادة التالية. المادة السادسة يؤلف، تحت إشراف مجلس الجامعة مجلس للدفاع المشترك يختص بجميع الشئون المتعلقة بتنفيذ أحكام المواد 2،3،4،5 من المعاهدة ويستعين على ذلك باللجنة العسكرية الدائمة المشار إليها فى المادة السابقة. ويتكون مجلس الدفاع المشترك المشار إليه من وزراء الخارجية والدفاع الوطنى للدول المتعاقدة أو من ينوبون عنهم. وما يقرره المجلس بأكثرية ثلثى الدول يكون ملزما لجميع الدول المتعاقدة. المادة السابعة استكمالا لأغراض هذه المعاهدة وما ترمى إليه من إشاعة الطمأنينة وتوفير الرفاهية فى البلاد العربية ورفع مستوى المعيشة فيها، تتعاون الدول المتعاقدة على النهوض باقتصاديات بلادها واستثمار مرافقها الطبيعية وتسهيل تبادل منتجاتها الوطنية، والزراعية والصناعية، وبوجه عام على تنظم نشاطها الاقتصادى وتنسيقه وإبرام ما يقتضيه الحال من اتفاقات خاصة لتحقيق هذه الأهداف. المادة الثامنة ينشأ مجلس اقتصادى من وزراء الدول المتعاقدة المختصين بالشئون الاقتصادية، أو من يمثلونهم عند الضرورة لكى يقترح على حكومات تلك الدول ما يراه كفيلا بتحقيق الأغراض المبينة فى المادة السابقة. وللمجلس المذكور أن يستعين فى أعماله بلجنة الشئون الاقتصادية والمالية المشار إليها فى المادة الرابعة من ميثاق جامعة الدول العربية. المادة التاسعة يعتبر الملحق المرفق بهذه المعاهدة جزء لا يتجزأ منها. المادة العاشرة تتعهد كل من الدول المتعاقدة بالا تعقد أى اتفاق دولى يناقض هذه المعاهدة. وبألا تسلك فى علاقاتها الدولية مع الدول الأخرى مسلكا يتنافى مع أغراض هذه المعاهدة. هذه بعض بنود المعاهدة، فهل من مقتنع فى العالم العربى والاسلامى؟ والله الموفق تم نشر المحتوى بعدد 610 بتاريخ 20/8/2012