بعيداً عن الأوضاع التى تتحرك سريعاً فى مصر والتى تحتاج إلى تعليق كثير، وبشكل خاص حركة الإحالة والإقالات، أو الإقالات والتكريم، لأهم القيادات العسكرية والمخابراتية التى وُصفت فى بعض الدوائر بالانقلاب، وكذلك إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، وما إذا كانت تصريحات وتعليقات نولاند (أمريكا) على تلك الحركة صحيحة، فإن لم تكن، فينبغى الرد عليها وبشفافية تامة حتى لا تفسد على الداعمين للحركة فرحتهم وسرورهم وعيدهم، وحتى يتضح للشعب أبعاد العلاقة الأمريكية المصرية أو التدخل الأمريكى فى الشئون المصرية كعهدها مع الآخرين. هل فعلاً كانت أمريكا تعلم بحركة الرئيس مرسى نحو المجلس العسكرى والمخابرات قبل أن يعلم بها الشعب المصرى؟ هل ما قام به مرسى هو فعلاً بالأساس مقترح أمريكى؛ كما ذكرت بعض الوسائل الإعلامية؟ وهل نقلته وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون للقاهرة وتحدثت فيه مع مرسى؟ وهل فعلاً قالت كلينتون لطنطاوى، إنه قدم الكثير لمصر ودعم مصر فى الأوقات الصعبة وإن الوقت قد حان له الآن ليحصل على استراحة المحارب؟ سؤال مهم تخفى الإجابة عنه الكثير من الأسرار. لقد كان تعليق الأدمن العسكرى على صفحتهم يوم13-8-2012، أن حركة التغييرات جاءت أمراً طبيعياً وأن المسئولية انتقلت من جيل أكتوبر -جيل الانتصارات والمجد والعزة- إلى جيل الأبناء لمواصلة المشوار -طبعاً هذا مقبول- دون توريث. وبعيداً عن الظاهرة العكاشية التى أفرزتها المرحلة الانتقالية بعد الثورة، وتنفست كثيراً، بل وبأكثر من رئة تحت إدارة المجلس العسكرى، وبعيداً عن إحالة توفيق عكاشة ورئيس تحرير الدستور للجنايات بتهمة التحريض على قتل الرئيس، ونشر أخبار كاذبة. وبعيداً عن تغيير رؤساء تحرير الصحف الذى أغضب معظم الإعلاميين وفرح له كثير من أبناء الشعب. وبعيداً عن تفاصيل انعقاد القمة الإسلامية فى مكةالمكرمة فى شهر التوبة والمغفرة والعتق من النار وشهر الانتصارات العظيمة، ومنها الفتح الأعظم فى التاريخ وهو فتح مكة ذاتها، فإننى تمنيت أن يبتعد المؤتمر عن التصريحات الفضفاضة والوعود المخدرة التى لا تتحقق، وخاصة بعد مشاركة فاعلة من ممثلى شعوب الربيع العربى، وأن يتخذ المؤتمر خطوات عملية بشأن التكامل والتعاون الفعلى بين كل الدول الإسلامية بلا استثناء، والسعى لحل مشكلة سوريا اعتماداً على الإمكانات العربية والإسلامية، وقطع الطريق أمام الأمريكان حتى لا يملأوا الفراغ الذى سينتج عن هزيمة النظام الإجرامى فى سوريا، وعلى إيران أن تقبل ما يتم الاتفاق عليه بشأن النظام فى سوريا حتى تستقيم الأمور كلها. وكان على المؤتمر السعى أيضاً، وبشكل فاعل وسريع، لحل مشكلة السنة والشيعة ورفع الحصار عن إيران، والتعاون الإيجابى معها فى ميادين التقدم التقنى والعلمى مثل البرنامج النووى، والدفاع عن إيران فى المنظمات الدولية، وحقها فى البحث والإنتاج، على الأقل مثل إسرائيل المغتصبة لبلادنا. هل يقبل، أو لماذا يقبل، بعض العرب إسرائيل ويرفضون إيران؟ ألا يعد هذا ظلماً فادحاً بعيداً عن قضية السنة والشيعة؟ فقد كان ينبغى على هؤلاء القادة الذين يجتمعون تحت راية منظمة المؤتمر الإسلامى، السعى، ووضع خطة واضحة لاستقلال الوطن الإسلامى كله، وتخليته من القواعد الأمريكية والوجود الأمريكى وقوات الناتو، والسعى لتحقيق النهضة الإسلامية العامة، والاعتماد على النفس والإنتاج بدلاً من الاستهلاك، والاستفادة فى ذلك من الثروات المادية والبشرية الهائلة التى أنعم الله تعالى بها على الأمة. وكان على المؤتمر دعم الأقليات المسلمة حيثما كانت دعماً فعلياً عاجلاً، حتى لا تتعرض تلك الأقليات للإبادة كما هو فى بورما حالياً أو الصين وغيرهما، والسعى لإنقاذ الإسلاميين من الظلم والاضطهاد كما هو فى بنجلادش، حيث تضطهد الحكومة الحالية الجماعة الإسلامية وتسجن قادتها وخصوصاً البروفيسور غلام أعظم وهو فوق التسعين سنة، وتحاول هذه الحكومة الفاسدة محاكمتهم على جرائم حرب تعود إلى قضية الانفصال وتحميلهم نتائج ما فعله بعض أفراد من الجيش الباكستانى 1971، لوقف الانفصال والمحافظة على وحدة باكستان آنذاك. أما الأهم من ذلك كله فهو النظر فى كيفية دعم الشعب الفلسطينى، فى مواجهة العدو الاستيطانى الصهيونى المدعوم أمريكياً وغربياً حتى من روسيا ولو على استحياء أحياناً، ودراسة مستقبل فلسطين والفلسطينيين فى ضوء سعى إسرائيل للتهويد، وخصوصاً بعد الإساءات التى لحقت بالفلسطينيين ظلماً جرّاء أحداث رفح الإجرامية. ويبقى سؤال مهم (هل كانت تستطيع هذه القمة الإسلامية الإجابة عليه) وهو السؤال الذى يتعلق بالدفاع عن الثورات الشعبية العظيمة، ودعم الثورات القائمة فى سوريا والبحرين واليمن حتى النجاح. هذا ما كان على القمة تحقيقه، وفق خطة مدروسة وفاعلة، وإلا فإن الفائدة المرجوة من هذا المؤتمر وأمثاله قليلة إن لم تكن منعدمة، ويكون من الأولى توجيه الأموال التى أنفقت على المؤتمر لعلاج جزء من مشكلة الفقر فى الأمة. والله الموفق