قديما منذ فجر التاريخ كان يرمز للعدالة ب«امرأة معصوبة العينين تحمل ميزاناً وسيفاَ»، فقد تم استخدام هذا التعبير عبر قرون متعددة وحضارات مختلفة ومتباينة، وذلك لدلالته القوية ومعناه الواضح، حيث تلعب المرأة دوراً فعّالاً وحيوياً في بناء المجتمع، فهي اللّبنة الأساسيّة للمجتمعات المتقدمة، وهي كالبِذرة الّتي تُنتج ثماراً تصلُح بصلاحها وتفسد بفسادها؛ فهي من تَبني الأجيال لِينهضوا بحضارتهم، ويصنعوا مستقبلاً واعداً لبلادهم. وبسبب هذه الأهمية الكبرى للمرأة كانت هي سيدة العدل وأصبحت رمزا له في كافة أصقاع الأرض، فهى تعتبر منحوتة «سيدة العدل» من بين التماثيل الأعظم المعترف بها عالمياً ومن المثير للاهتمام أن هذا التمثال موجود في معظم المباني القانونية وبيوت العدل في العالم.
وفى داخل قاعات المحاكم على مستوى العالم توضع هذه الصورة للمرأة المعصوبة التى تمثل العدالة لتذّكر العاملين بقطاع القضاء بالعدل للجميع، فإذا كانت البشرية منذ عهود سحيقة قد اتخذت من المرأة أعلى صورة للعدالة، فما الذى جعل دورها يتلاشى فى معظم المجتمعات العربية والإسلامية بهذه الصورة. والسؤال الذى يطرح نفسه هنا..لماذا يرمز للعدالة بامرأة معصوبة العينين..تحمل بيدها ميزان..وبالأخرى سيف؟ يُجيب طارق جميل سعيد، المحامى والخبير القانونى، أن هذه الصورة ترمز إلى المدرسة الجنائية التقليدية التي يقيس القاضي فيها حجم العقوبة بقدر حجم الجريمة دون أن ينظر إلى شخص المجرم والأسباب التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة، ولهذه الأسباب ظهرت بعدها المدرسة «النيو كلاسيكية» لكنها لم توفق وبعدها ظهرت المدرسة الوضعية الإيطالية بزعامة الطبيب العسكري «لومبروزو» حيث تم تصنيف المجرمين إلى المجرم بالصدفة والمجرم الخلقي وغيرها من التقسيمات، فضلاَ عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمجرم وأخذ هذه الظروف بنظر الاعتبار عند تحديد العقوبة والمعروف «بمبدا تفريد العقوبة» فأصبح للقاضى حرية إصدار العقوبة تشديدا أو تخفيفا طبقا للسيرة الجنائية «صحيفة السوابق» . ووفقاَ ل«سعيد» فى تصريح ل«صوت الأمة» أنه عن الرمز للعدالة بإمرأة معصوبة العينين تحمل ميزاناً بيد والسيف باليد الأخرى، فإن «معصوبة العينين» لأن العدالة تقتضي المساواة بين الخصوم دون أدنى تمييز بينهم، أما الميزان الذي تحمله فيه إشارة إلى احقاق الحق وفق القانون. بينما «السيف» يشير إلى العقوبة الرادعة للجاني والأقتصاص منه لتعيد العدالة بذلك، الأمور إلى نصابها وبالنتيجة اعادة كفتي الميزان لتكون متساويتين بعد أن ارتكب المجرم جريمته فسّبب اخلالاً فيها، أما عن كونها «إمرأة» و ليست رجلاً فهي للإشارة أنه رغم وجود السيف و الميزان إلا أن الرحمة موجودة في هذه العدالة كون قلب المرأة أرحم من قلب الرجل. اقرأ أيضا:
فن المرافعات.. الأفعى والثعبان
بعد انشقاقه عن نقيب المحامين.. محب مكاوى بين الانتقاد والقانون
للمبتدئين.. كيفية تعامل المحامي مع الموكل والشرطة والنيابة والقضاة
فن المرافعة.. علاقة القاضي بالمحامي والاحترام الواجب بينهما