جاء قرار الغاء اتفاقية الغاز ليصيب الكيان الصهيوني بضربة موجعة جديدة في الحرب الباردة التي تديرها القاهرة معه منذ قيام الثورة، فرغم تظاهره بالتماسك إلا أن الرعب و الارتباك اضحي سيد الموقف ، لذا تباكت من جديد علي الحليف الاستراتيجي مبارك الذي فقدت من بعده تطلعاتها و أمنها و اعتبرت أن هذا ما هو إلا صراع داخلي بين القوي في القاهرة تدفع تل أبيب ثمنه. فقد اشار محلل الشئون العربية في صحيفة "يسرائيل هيوم" في تحسر علي الحليف الاستراتيجي أن اتفاقية الغاز كانت جزءا من اتفاقية السلام بين الدولتين و الذي يمتلك يوسي ميمان ذلك الرجل الذي يؤمن ب"السلام بشجاعة بالغة"، لكن منذ سقوط مبارك تحولت لمنطقة مهجورة ، وهناك شك أن المناخ العام في مصر بعد مبارك تجاه اسرائيل سهل الخطوة التي اتخذت مؤخرا بالغاء الإتفاقية، التي سيكون لها تأثيرات بعيدة المدي ، الشيء الذي كان مستحيلا في عهد مبارك أن يحدث لذا "كم كان الإشتياق إليه سريعا" . و اعتبر أن القول بأن الأمر تجاري هو موقف متفائل في الوقت الذي يرتقب فيه تحقق نبوءات الثورة المتشائمة. و رأي أن بذلك المعدل الذي تسير به الأحداث ، "قد تتحول الجارة الجنوبية لدولة معادية أسرع من المتوقع "، و اختتم قائلا "ليتنا كنا مخطئين ليتنا اخطأنا في كل النبوءات التي وقعت إلي اليوم". فيما اعتبر "آفي بار إيلي"الخبيرالإقتصادي في الملحق الاقتصادي لصحيفة هآرتس أن الغاء الاتفاقية المفاجئ ارتدي رداء فوضوياً مرتبكا و الذي اتسم به السلوك المصري منذ ثورة 25 يناير .و رأي " بار إيلي " أن اتفاقية الغاز هي اتفاقية سياسية جاءت كامتداد للملحق الثالث لاتفاقية السلام بين مصر و اسرائيل و امتداد للالتزام المصري الذي اشتق منها أي أن اتفاقية الغاز لم تقحم في اتفاقية السلام بين الدولتين . و رأي أن السبب الحقيقي وراء قرار الإلغاء هو تصعيد حرب القاء المسئولية بين الحكومة المصرية ورؤساء شركات الغاز و البترول فكل منهم يرغب في تسليح نفسه و تنفيض يده من صفقة يشوبها الفساد و خاصة قبيل الانتخابات القادمة في مصر و مع استمرار التحكيم الدولي ضد القاهرة الذي بدأته شركة غاز شرق المتوسط في سويسرا ضد مصر، مما خلق أزمة تدحرج الكرة في ملعب القادة السياسيين،و هذا علي ما يبدو سبب الرسائل المتناقضة التي بعثت أمس في مصر. و في نبرة تهديد، اوضح انه يمكن ان تستغل اسرائيل الوضع الراهن عشية الانتخابات الأمريكية لتحصل بسهولة علي دعم أمريكي من شأنه حل النزاع خلال وقت قصير من خلال اتفاقية الكويز التي تدر لمصر 4 مليارات دولار بالإضافة لمئات الآلاف من فرص العمل و في سياق متصل أشار البروفيسور "عوزي رابي" رئيس مركز "موشيه ديان" لدراسات الشرق الأوسط و أفريقيا أنه لا يمكن أن نعزي إلغاء الاتفاقية لاعتبار اقتصادي و أن هذا يتناقض مع روح اتفاقية السلام ربما لا نعود إلي نقطة الصفر من جديد لكننا في تقهقر مستمر . و أشار إلي أن هذا الحدث لابد أن يكون بمثابة " المنبه " الذي يوقظ إسرائيل من غفوتها فما حدث يسحق ماتبقي من اتفاقية السلام الباردة مع القاهرة ، و اضاف "نحن علي أعتاب فترة جديدة ذات تأثيرات بعيدة المدي لأن ما حدث هو فقط أحد أعراض المشكلة و ليس المشكلة نفسها". و أكد أن إسرائيل تواجه واقع شرق أوسطي يؤكد حقيقة أن شبه جزيرة سيناء تحولت لأرض خصبة لأنشطة الخلايا الإرهابية المختلفة .و أشار إلي أن المساس باتفاقية الغاز هو بمثابة " العوامة" التي يتعلقون بها في القاهرة لينطحوا بها النظام القديم ، بثمن اقتصادي غال علي مصر . و اختتم قائلا "ليس لدي إسرائيل الآن ما تفعله ، يجب أن ترسل برسالة واضحة لمصر و في الوقت ذاته تطور مصادر طاقتها .فاسرائيل لن تجد في السنوات القادمة اصوات مواسية أو اصوات صديقة في السياسة المصرية". و علي ذات الخطي سار المستشرق الإسرائيلي و الباحث في المركز الأورشليمي للشئون العامة للدراسات " بينحاس عنباري" في بحثه الذي نشره المركز و الذي رأي أن قرار شركة الغاز المصرية لإلغاء الاتفاقية مع إسرائيل يجب أن يدرس من عدة زوايا فحتي تلك المرحلة لم يتم وصف تلك الخطوة بالقرار السياسي ، لكن بالعملية التجارية أي لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون الأمر يتعلق ب"مناورة" و ليس بعملية استراتيجية. و أضاف أنه لا يجب أن نستبعد امكانية أن الغاء اتفاقية الغاز مع إسرائيل يهدف إلي تطهير كل مرشح مؤيد من قبل المجلس العسكري سلفا من أي علاقة " تشوبه" مع إسرائيل و خاصة أن المجلس العسكري يدير الآن صراعا وجوديا ضد الحركات الإسلامية من إخوان و سلفيين، و لا يمكن أن يسمح العسكري لنفسه بخسارة تلك المعركة فيري أن لابد أن يكون الرئيس المصري القادم مقربا منه . واوضح"عنباري" أن المرشح الذي كان يعلق عليه المجلس العسكري آمالا كبيرة هو" عمر سليمان" لكن التصريح البائس الذي اظهر أنه الاختيار الأمثل بالنسبة لإسرائيل ، ضرب فرص سليمان بالضربة القاضية ربما يكون قرار استبعاده رحمة من هم كبير، والآن بقي المرشح الآخر المقبول لدي المجلس العسكري " أحمد شفيق" . لذا رأي أن وصف ملامح تلك الخطوة بذات جوانب تجارية فقط يمهد الطريق اذا ما تم اختيار شفيق لرئاسة مصر أن يتخذ قرارا سياسيا يتيح باستمرار الصفقة , أما فى حالة مصر اسلامية التى على علاقة مباشرة بغزة الجهادية فستظل القاهرة مصدر قلق ليس لإسرائيل فقط بل لكل الدول العربية المعتدلة نشر بعدد 594 بتاريخ 30/4/2012