أواصل فى هذه السلسلة من المقالات تفنيد بعض الاتهامات والشكوك والأخطاء التى وردت فى برنامج الأستاذ زوبع فى قناة «مكملين». قضيت فى الإخوان ستين سنة ونصف سنة، بالتمام والكمال، ولقد كنت فى السنين الأربعين الأخيرة من حياتى، يا أستاذ زوبع، أنبه الى الأخطاء مرة تلو الأخرى، حتى ضاق بى بعض المتنفذين البيروقراطيين فى القيادة ممن لا يحسنون التفكير، مثلما يحسنون السمع والطاعة وتمام يا أفندم. وأنت تعرف ماذا يحدث فى مثل هذه الحالات، ولذلك قدمت استقالتى فى أواخر التسعينيات من القيادة بما فى ذلك عضوية مكتب الارشاد، ومجلس الشورى العالمى، ومهمة المتحدث الرسمى باسم الاخوان فى الغرب، بل وحتى الاشراف على قارة آسيا، واستكملت مدة المكتب بناء على توجيه الاستاذ المرشد مصطفى مشهور، رحمه الله تعالى وبقيت عضوا عاملا فى التنظيم حتى استقلت من هذه العضوية فى 31/3/2012 بعد سنة كاملة من الثورة، فقد تعلمت فى الدعوة على أيدى بعض كبار العلماء والفقهاء والسابقين فى الدعوة من أمثال الدكتور محمد فريد عبدالخالق والاستاذ صلاح شادى وغيرهما، معنى السمع والطاعة دون إهمال العقل، كما يقف بعضهم اليوم فى الصف ويجلس حتى فى اجتماعات القيادة المهمة لا ينطق بكلمة واحدة، ويظن أن ذلك من الأدب أو فقه الدعوة، أو أنه من احترام الكبار أو خشية القيل والقال، أو لأنه خاوى الوفاض وفى المكان غير المناسب، وهذا أيضا من أسباب الخراب والتدمير والكوارث. نسى هؤلاء الحكمة العظيمة» ليس هناك من هو أكبر من أن يُنصح ولا من هو أصغر من أن ينصح». وقبل أن يقرر المرشد العام السابق الأستاذ محمد مهدى عاكف، أن ينسحب من رئاسة مكتب الارشاد، كتبت مقالا فى موقع جبهة إنقاذ مصر أيام المنفى، بعنوان «عاكف آخر المرشدين الكبار»، ورغم معرفتى بعاكف جيدا، إلا أننى كنت أدرك أن القادم بعده كارثة، وأنهم فى الطريق نحو الانحراف الكامل، مشيرا الى خطورة المستقبل بالنسبة للاخوان ممن يأتى بعده من قيادات، لم تلق حظاً كبيرا من التربية واعتنقت أفكارا متطرفة وتكتلت، ولقد اقترحت وقتها أن يتولى مهمة المرشد العام الأخ المجاهد إسماعيل هنية، حتى يجمع كل الاسلاميين من جديد تحت راية الجهاد، والسعى لتحرير فلسطين، وكان ذلك من أهم غايات الامام البنا والوطنيين العرب والمسلمين، ولكن بعض قيادات مصر والعالم، استهجنوا هذا الطرح وقتها. كنت أشعر بالخطر على الدعوة، وأريدها أن تنجح، وأنصح بقدر ما يتسع له المقام، وحتى هذه النصيحة كانت تؤذى بعض القيادات، ولما وقعت أزمة الجزائر بعد انتخابات 1990 وفازت جبهة الانقاذ، وأظهرت أو ظهر معها العنف، كان معظم الاسلاميين ومنهم كثير من الاخوان يؤيدون الجبهة، ولكننى وقفت وبوضح مع موقف الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله تعالى، حفاظا على الدعوة والدولة، وضد تشويه صورة الحكم باسم الاسلام. ياأستاذ زوبع - أشرت فى المقال السابق الى السيناريوهات الثلاثة التى لم يفهمها الاخوان وقتها والتى تحقق منها اثنان، ومازلنا نشهد تطورات السيناريو الثالث، ويساهم جزء من الاخوان فى محاولة نجاحه، وهم الاخوان الداعشيون بما يفعلونه فى مصر أو فى الخارج من الوقوف الى جانب العنف والارهاب، بل والتحريض على ممارسته والوقوع فى أيدى المخططات الأمريكية ومن يدور فى فلكهم من الدول العربية والاسلامية، أما السيناريو الرابع والأخير الذى توقعته فى مارس 2013، وأدعو الله تعالى ألا يحدث، وهو التدخل الأمريكى فى مصر لصالح الهيمنة الغربية ولصالح اسرائيل، والمخططات الغربية التى وقع فى حبالها بعض الاسلاميين ممن أحسنوا الظن بالأمريكان، أو أساءوا فهمهم وفهم مخططاتهم وبلعوا الطعم الأمريكى، أو ظنوا أنهم بالبلدى كده، يقدروا يضحكوا على أمريكا «فكاكة» يعنى على طريقة الاستاذ زوبع. وقد عانوا ما عانوا، وعانت بلادهم، وعانت الأمة بسببهم وبسبب قبولهم تدخل الامريكان فى شئون بلادهم وإشعال الصراع الدائر اليوم ولا يستفيد منه إلا أعداء الأمة. لا أظن أن حالة العراق أو سوريا، وموقف الاخوان فيهما، يمكن أن يخفى على الاعلامى اللامع الاستاذ زوبع. وقد وقفت ضده كذلك، ولكن المحافظة على الصف والتنظيم أولا واخيرا، ضيعت بعض القيم والمبادئ وبعض الثوابت كذلك. أمريكا تحتاج من يقف ضد هيمنتها ومشروعها الصهيونى ومخططات التقسيم، كما أصبح واقعا فى العراقوسوريا، لا من يزورها ويجرى وراءها، ولا من يسعى إلى الدمار والوقوع فى مخططات الصراع والتقسيم باسم الشرعية أو غيرها، والله يسترها على بقية بلاد المسلمين التى لم يتم تقسيمها بعد. أمريكا تضحك على الجميع، والاسلاميون يظنون أنهم يجب أن يلجأوا الى أمريكا حتى تأتى بهم، أو تساعدهم فى الوصول الى السلطة، ويضحكون على الشعوب بأنهم ضد الأمريكان واسرائيل، ويزعمون أن غيرهم يقع فى الخطأ، وأنهم بعيدون كل البعد عن ذلك الخطأ. الأمريكان يستفيدون من الأخطاء لتزكية الصراع باسم الديمقراطية والحفاظ عليها، وهم يستفيدون من أى انتهاكات لحقوق الانسان، ويستغلون ذلك لإزكاء الصراع، ويستفيدون من أى اضطهاد للاقليات، ويستفيدون من حاجة البلدان إلى السلاح، ويستفيدون من بعض الإسلاميين، وخصوصا أهل العنف والارهاب، لتنفيذ مخططهم للتقسيم القائم على الصراع، ثم يلقون بهم فى سلة المهملات، وهذا ما ينتظر داعش. والدرس الافغانى أبلغ الدروس فى هذا الميدان. كم طغت العاطفة على العقل، حتى أتت أمريكا بكرزاى، وليس سياف ولا حكميتار أو برهان الذين قادوا الجهاد، ولا يستطيع أحد - ياأستاذ زوبع - أن ينكر اليوم علاقة الاسلاميين بالأمريكان، بل إن بعض مشائخهم دعوا الناتو للتدخل فى ليبيا ومصر، ولم يتعلموا من درس العراق وغيره. هل هذه هى الدعوة التى نادى بها حسن البنا يا أستاذ زوبع؟ حتى بعض السلفيين من مصر الذين ظنوا أنهم يمكن أن يرثوا فى مصر شعبية الإخوان بعد فشل الاخوان والكوارث التى أحدثها قادتهم، قرروا الذهاب الى أمريكا وكأنها باب القبول، ونسوا أن ذلك مخالف لعقيدة التوحيد التى يتغنون بها دائما، فضلا عن علماء سلفيين وغيرهم برروا بفتوى الاستعانة فى مؤتمر مكةالمكرمة الشهير، مجيئ الأمريكان إلى بلاد الخليج لتحرير الكويت من عبث صدام، وها هى القواعد العسكرية الأمريكية وغيرها، تنتظر من يقول فقط للأمة متى يذهبون ويرحلون عن بلادنا؟هناك اسئلة عديدة أثارها برنامج الأستاذ زوبع وبرنامج «انقلابيون» الذى كان بعنوان «فضح كذب ونفاق كمال الهلباوى»، أيضا فى قناة مكملين، أو الأولى بنا أن نقول قناة «مفسدين» أو قناة «مكفرين» أو قناة «مهببين» سواء بسواء. ومن هذه الأسئلة: 1- إذا كانت الجماعة قد انحرفت فكريا فكيف امضيت فيها خمسين عاما دون أن تلحظ أو تقوم ذلك. 2- أمر الاستقالة من مكتب الإرشاد وسببه بوضوح، ثم الاشارة الى موضوع شباب حزب الوسط. 3- عمل جماعة إخوان جديدة على غرار الأردن، وترشيح كمال الهلباوى لرئاستها وأثر ذلك على الجماعة الام. 4- الاتهام بالعدائية والحدة فى الخصومة. 5- التعامل مع إعلاميين، قالوا إن الاخوان هم السبب فى سقوط الاخوان. 6- السعى إلى منصب او منفعة مادية. 7- ترك الاخوان وانتقادهم وهذا أمر مقبول، ولكن لماذا الوقوف فى صف ما يحدث من مظالم. هذه بعض النقاط المهمة التى أثارها الأستاذ زوبع فى برنامجه، أما برنامج انقلابيون فى الحلقة بعنوان: «فضح كذب ونفاق كمال الهلباوى» أيضا من قناة مكملين، فكان ضلالا فى ضلال، والفيديوهات التى عرضوا بعضا منها لتشويه صورتى وسمعتى، تفضح إرهابهم ومنهج تكفيرهم، وليس فقط كذبهم ونفاقهم وانحرافهم عن المنهج الاسلامى الصحيح. أين الأدب؟ وأين الخلق وأين «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ». وسنتناول ذلك بالتدقيق، والتوضيح فى المقالات القليلة القادمة. وسأتعرض بشىء من التفصيل أيضا للنصائح العديدة التى أهدرها الاخوان، فجلبوا الكوارث على أنفسهم وعلى الوطن، لولا عناية الله تعالى، ثم بفضل نجاح السيناريو الثانى الذى توقعته فى مارس 2013 - يا أستاذ زوبع - وهو سيناريو ضرورة تقدم القوات المسلحة لانقاذ الوطن مما كان يسير نحوه، وللأسف باسم الاسلام والدعوة، تحت إدارة د. مرسى والاخوان وحزب الحرية والعدالة. وللحديث صلة. والله الموفق