حالة من اللامبالاة أنتشرت في الأونة الأخيرة داخل الشارع المصري، فغابت مفاهيم النخوة والشهامة وأصبح البديل أن كل شخص «يخليه في حاله» فنجد إنتشار لحالات السرقة، والخطف، والإغتصاب، والقتل تحدث أمام أعين المارة، ولا يتحركون لنجدة الآخرين، وكان حادث اختطاف السمسار فريد شوقي من «كافيه» بالسادس من أكتوبر خير دليل علي الظاهرة التي حاولت «صوت الأمه» من خلال هذا التقرير التعرف علي أراء علماء وخبراء الطب النفسي لتفسير هذه القضية والإجابة عن أسباب انتشارها. وقال الدكتور جمال فرويز، استاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية، أن ما يشهده المجتمع المصري من انتشار اللامبالاة والتركيز مع النفس لايمكن القول بأنه ظاهرة كارثية وتستوجب دق ناقوس الخطر، ففي النهاية مصر أفضل كثيرًا من الدول الأوربية، فنحن لا نعيش بجزر منعزلة كما في بلدان العالم ولكن طبيعة الحياة ساهمت في نشر هذه العادة ولعبت دورًا أساسيًا بتواجدها بين الناس، فالمواطن المصري بدأ الإبتعاد عن المشاكل من منطلق المثل القائل «أبعد عن الشر وغنيله»، فمثلاً في واقعة اختطاف السمسار فريد شوقي حاول المواطنين التدخل في البداية، ولكن عندما ظهر السلاح الجميع أبتعد وأثر سلامته الشخصية.
وأضاف «فرويز»، أن خوف المواطنيين من إمكانية التحول لمتهمين أو صعوبة الأجراءت التي تواجههم في حال التدخل لإنقاذ الضحايا قد تدفع العديد منهم باستبعاد فكرة المشاركة والأكتفاء بدور المشاهد فقط، فإذا اقدم مواطن على نقل مصاب وجده في الشارع إلي المستشفي «هيكره نفسه» بحسب تعبيره، من كثرة الإجراءات التي عليه إتباعها و من الممكن أن يتورط في القضية ذاتها, فالإجراءات الروتينية البغيضة تجعل المواطن يبتعد عن تقديم المساعدة.
وأشاراستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية، إلي أنه رغم المحاولات التي تبذل من جانب الدولة لعودة الشرطة لقوتها، إلا أن هناك تخاذل غير مبرر وعلامة استفهام غير مبررة علي أداء رجال الشرطة، فهم يتدخلون بعد وقوع الكارثة وليس لمنعها بأعتبار أن هذا دورهم الأساسي، فلا يتم التحرك إلا بعد سقوط قتلى لأنها في هذه الحالة تكن مجبرة لكشف الحقيقة فنجد حالة من «تكبير الدماغ» رغم توافر الإمكانيات الحديثة لديهم .
واتفقت معه الدكتورة هبة العيسوي أستاذ علم النفس بكلية طب عين شمس ، أن الأمر لم يتفاقم حتي الظاهرة لأن طبيعة الشعب المصري تميل إلي المساعدة ولكن الحقيقة أن فكرة التدخل لمناصرة الغير قد تؤدي بالمواطن إلي الدخول في مشاكل أخري والتحقيقات معه، وبالتالي أصبح يوجد نوع من البشر يفضل البعد عن المشاكل بكافة أشكالها.
وأضافت «العيسوي»، أن هناك ظاهرة في علم النفس تسمي «السيكولوجيا الجماعية» أن الشخص لا يتحرك إلا في إطار الجماعة، ويتدخل إذا وجد غيره يسابق بالمساعدة أما إذا كان بمفرده فلا يتحرك، وهي ليست لامبالاة ولكنها في إطار أن الكل أصبح منغلق علي أسرته الصغيرة «بيته وعياله» حتي الأسرة الكبيرة الممتدة أختفت من المجتمع، فظروف الحياة اليومية جعلت المواطنين منكبين علي مشاكلهم ولا يريدوا الدخول في مشاكل الآخرين.
وأوضحت استاذ علم النفس، أن النخوة مازالت موجودة ولكنها مغلفة بفكرة التقليل من النفس بدافع «يعني لو اتدخلت هعمل أيه، ومش أنا اللي هعدل المايلة» هذا يدفعه لعدم التدخل.
أما الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الإجتماع جامعة عين شمس، أكدت أن المواطن مر بثورتين غيروا الكثير في طبيعته وما أعقبها من مشاهد وأحداث عنف وصور دامية لم يعتاد عليها ولم يشاهدها من قبل، وهو ما أدخل الخوف في قلبه، وجعله يتراجع عن التدخل لفض أي مشاجرة أو خلاف بين المواطنين بالشارع خوفاً من تعرضه لإيذاء بدني، بسبب انتشار البلطجية والانفلات الأمني.
وأضافت «خضر»، أن الأمر الأهم هو غياب القدوة، فالشاب يكرر ما يراه في منزله من والده وعائلته، ولكن الوضع أختلف وهذا ليس قاصرًا علي الأسرة فقط ولكن أيضًا علي الدولة التي لم تقدم القدوة المطلوبة التي يحتذي بها الشباب في حياته، مما أدي إلي خلق نوع من إنعدام المسئولية لدى المواطن نابع من الدولة، وانتشرت بذلك جرائم التحرش والاغتصاب والسرقة والقتل في الشارع بمنتهي السهولة.
وأوضحت «خضر»، إن الإعلام أصبح يصدر نماذج القتل والبلطجة علي أنها القدوة والبطل المنقذ، فأصبح «محمد رمضان» هو النموذج المثالي المعبر عن الشباب، وارتفعت قيمته عند الجمهور مما يعكس التفكير والوضع لدي الشباب والمواطنين، لذلك لابد من تغير دور الإعلام وتوجيهه نحو النماذج الفعالة في المجتمع .