في ظل صراعات سياسية.. وإخفاقات اقتصادية.. انقرضت معان جميلة.. واختفت خصال حميدة.. وفقد القاموس الأخلاقي قيماً ومبادئ كانت تزين المجتمع المصري.. تفرض التراحم والتكافل بين الأفراد.. تقدس أصول الزمالة وحقوق الجيرة.. تُعْلي شيم الكرام.. وتحط من سلوك الأندال.. تضع خطوطاً فاصلة بين الحق والباطل.. بين الالتزام والتجاوز. النتيجة.. أن تحول الشارع المصري إلي "غابة".. يتحكم فيها "البلطجي".. ويسيطر عليها "المفتري".. ويشاهد أحداثها المأساوية والدموية.. وبسلبية متناهية "ابن البلد" الذي أصابه الوهن والضعف.. والتقاعس والتخاذل.. ولم يعد قادراً علي تفعيل جينات "النخوة والشهامة والجدعنة". تحت سمع وبصر المارة المرعوبين.. دفع الأب حياته ثمناً لحماية ابنته من تحرش ابن الجيران.. وأمام حشد من "ولاد الحتة. المتخاذلين".. قتل البلطجية "بائع كبدة" تجرأ وحاول إنقاذ بنات الحي من الاعتداء والمعاكسة.. ومن أجل 800 جنيه فقط.. ذبح "التباع" زميله. ومعه صداقة 25 سنة.. وبسبب القمامة قتل النجار جاره دون حيلولة من قريب أو غريب.. وكأن أرواح الناس صارت أرخص وأهون المخلوقات!! زمان.. "بنت الجيران" كانت تذهب وتعود تحت حماية "ولاد الحتة".. والرجل يقوي ويتفاخر بمساندة ومؤازرة جيرانه.. والغني يسعد بمساعدة أقاربه.. والأقوياء يسارعون بخدمة الضعفاء.. والصغير يحترم الكبير.. وبدوره يحنو الكبير علي الصغير.. لأن النخوة متأصلة في النفوس.. والجدعنة مزروعة في العروق.. والشهامة مغروسة في القلوب. الآن.. انقلب الحال.. وانحدرت سلوكيات معظم المصريين.. واندثرت عبارات "صاحب صاحبه".. و"الجار لجاره".. و"ابن البلد الأصيل".. وطغت عليها لغة "أنت مالك".. "خليك في حالك".. "خُد لَك جنب".. وصار العتاب "بالساطور".. والنقاش بالأسلحة البيضاء.. و"اللوم" بالقتل وسفك الدماء.. وباتت مشاهد عادية أن يتشاجر السائق والراكب.. البائع والمشتري.. الموظف وطالب الخدمة.. وأصبحت الفوضي والتسيب يحتلان مكان الأصول والقواعد!! صحيح.. أن الظروف المعيشية والأوضاع الاقتصادية قد يكون لها دور في تغيير طباع المصريين.. لكنها لا تتحمل الوزر وحدها.. بدليل تفوق "بنت البواب" الكريم والمحترم.. ونبوغ "ابن العشوائيات" الملتزم والمتطلع.. وإنما الأسباب عديدة ومتنوعة.. وأهمها سوء التربية وضعف التنشئة.. واختفاء القدوة والرمز.. والبعد عن الله.. وغياب الوازع الديني.. مما أدي إلي انتشار اللامبالاة التي أزاحت النخوة والجدعنة. وتصدر العنف واختفاء المروءة بالإضافة إلي العبث بقيم الأمانة والصدق والإخلاص. لم يعد الشارع المصري قادراً علي استيعاب المزيد من الفوضي والتسيب والتصارع.. كما فقد المواطن "الغلبان" رصيده من الصبر والتحمل.. لذلك حان وقت "الصحوة".. والتصدي لكل السلوكيات المشينة والأفعال المخزية.. أولاً بالاهتمام بحسن التربية والاعتماد علي التنشئة السليمة والصحيحة.. ثم بالتصالح مع الله ثم النفس.. وبالعودة إلي الطريق المستقيم.. وبتفعيل قانون الحسم والصرامة.. وبإجراء محاكمات عاجلة وعادلة للمعتدين والآثمين.. والساعين لترويع الآمنين واغتصاب حقوق الغير!! إن أمن وسلامة وانضباط الشارع المصري.. يتحقق بنفض غبار السلبية واللامبالاة عن قيم الشهامة والنخوة والرجولة.. وبإحياء أخلاق القرية.. وقيم الحي الشعبي.. وبعودة "ابن البلد" إلي عهده ومكانته.. يناصر المظلومين.. ويواجه الظالمين بالمروءة والجدعنة.. وقوة "المصري الأصيل".