تسعى حكومة الاحتلال الإسرائيلية إلى تنفيذ خطة جديدة تهدف إلى إفراغ شمال قطاع غزة من سكانه، عبر استخدام توزيع المساعدات الإنسانية كوسيلة غير مباشرة لدفع السكان نحو النزوح جنوبًا. وتأتي هذه الخطة في سياق المحاولات المتواصلة التي بدأتها إسرائيل منذ اندلاع الحرب في غزة، والتي فشلت سابقًا في إحداث نزوح جماعي كامل من الشمال إلى الجنوب. ووفقًا لما أفادت به إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن الجيش بدأ حاليًا بإنشاء أربعة مراكز لتوزيع المساعدات الغذائية والدوائية في مناطق مختلفة من قطاع غزة، بهدف تقديم الإغاثة للسكان في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة. أحد هذه المراكز سيُقام جنوب محور صلاح الدين، المعروف إسرائيليًا باسم "نيتساريم"، في وسط القطاع، بينما يتم إنشاء المراكز الثلاثة الأخرى في مناطق جنوب القطاع. وتكمن الخطورة في الخطة بأن المركز الذي يُقام جنوب محور صلاح الدين "فيلادليفيا" سيكون مخصصًا لسكان شمال القطاع، حيث لن يُسمح لهم بالعودة إلى مناطقهم الأصلية بعد تلقي المساعدة. ووصفت الإذاعة هذه الخطوة بأنها بمثابة "تذكرة باتجاه واحد"، تعني فعليًا إجبار السكان على مغادرة شمال القطاع بشكل دائم، وتحويل الإغاثة إلى وسيلة تهجير ناعم. وأضافت الإذاعة أن هذه الخطوة ليست مجرد إجراء إنساني، بل جزء من خطة مدروسة تهدف إلى تسريع عملية إخلاء الشمال من السكان الفلسطينيين. ووفقًا للتقديرات الإسرائيلية، فإن هذه الآلية قد تتيح تحقيق ما فشلت فيه العمليات العسكرية والإخلاءات السابقة، أي تفريغ شمال القطاع من سكانه بشكل شبه كامل. ومنذ بداية الحرب، لم تنجح إسرائيل في إخلاء شمال القطاع، رغم الاجتياحات البرية المكثفة في مدينة غزة ومحيطها، ورغم توجيه جيش الاحتلال الإسرائيلي لعشرات الإنذارات والنداءات لإخلاء المناطق الشمالية. وبحسب البيانات الإسرائيلية، لا يزال يقيم في شمال القطاع ما بين 200 إلى 300 ألف فلسطيني يرفضون النزوح إلى الجنوب رغم المخاطر والأوضاع المعيشية القاسية. وترى الجهات الأمنية الإسرائيلية أن هذه الخطة الجديدة ستضع السكان أمام خيار واحد لا ثاني له: إما الحصول على المساعدات الإنسانية والنزوح جنوبًا، أو البقاء في الشمال دون ضمانات للحصول على الغذاء أو الدواء، ما سيؤدي عمليًا إلى إرغام الآلاف على مغادرة مناطقهم. وفي سياق متصل، نفت مصادر أمنية إسرائيلية، تقارير سابقة زعمت أن حركة حماس استولت على خمس شاحنات مساعدات دخلت القطاع مؤخرًا. وأكدت تلك المصادر أن الشاحنات، التي كانت محملة بمواد غذائية مخصصة للأطفال، دخلت من معبر كرم أبو سالم ووصلت إلى وجهاتها المحددة دون عراقيل. وأوضحت المصادر أن قسمًا من المساعدات ذهب إلى مستشفيات في القطاع، فيما نُقل القسم الآخر إلى مخازن تابعة لبرنامج الأغذية العالمي. كما أشارت إلى أن طائرات مسيّرة إسرائيلية كانت ترافق الشاحنات خلال رحلتها داخل القطاع، لكنها لم تضطر للتدخل، حيث لم يتم رصد أي محاولة للاستيلاء أو النهب من قبل مسلحين أو مجموعات مجهولة. ويُلاحظ أن إسرائيل تسعى من خلال هذه الخطة إلى الجمع بين الأهداف الإنسانية والمصالح الأمنية، عبر استخدام الإغاثة كوسيلة ضغط لإعادة تشكيل الخريطة السكانية داخل القطاع، في خطوة قد تثير انتقادات دولية واسعة إذا ما تم الكشف عن تفاصيلها رسميًا، خاصة أنها تمس جوهر المبادئ الإنسانية وقوانين حماية المدنيين في النزاعات المسلحة.