تغير المجتمع المصري كثيرا.. وتغيرت الشخصية المصرية أيضا.. وفقدت العديد من ملامحها الأصيلة التي عرفت بها علي مر العصور.. ومن أهم هذه الملامح الشهامة والجدعنة والذوق.. وانتشرت بيننا - للأسف - سلوكيات الأنانية والسلبية واللامبالاه.. وبالتالي فقد الشارع قدرته علي التصدي للجريمة - أي جريمة - وقدرته علي الردع الذي لا يتحقق ولن يتحقق بالشرطة وحدها. يقول علماء الدين إن سبب انتشار الجرائم في الشارع هو بعد الناس عن التعاليم الدينية وضعف علاقتهم بربهم واستهانتهم بالشرع.. وعدم التزام الآباء بتربية أبنائهم وبناتهم علي الصلاح والأخلاق القويمة وعدم مراقبة سلوكهم خاصة فيما يتعلق بما تبثه وسائل الإعلام من اجتراء علي هدم القيم.. وما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي علي شبكة الإنترنت. ويستنكر علماء الدين الصيحات التي تصدر بين آونة وأخري استهزاء بمبادئ المسئولية الدينية العامة في المجتمع مثل الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما علماء الاجتماع فيرون أن انتشار الجرائم بشكل علني في الشارع المصري دون أي وازع أو أدني حرج يرجع إلي غياب القانون وإلي تفشي ظاهرة السلبية واللامبالاه.. ثم إن هناك تغيرا كبيرا طرأ علي مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة علي يد نماذج من القدوة الجديدة من نجوم الفن ونجوم الكرة ونجوم رجال الأعمال والبيزنس الذين يجمعون بين السلطة والثروة والنزق الشهواني والقدرة الفائدة علي استخدام العنف دون معقب.. وفي هذا المناخ ارتبط المال بالجنس والعنف والسلطة بينما يعاني المجتمع من الفقر والبطالة والعنوسة.. ومن هنا حدث الاضطراب واهتزت القيم. ويشير علماء الاجتماع إلي أن المجتمع المصري فقد خاصية الردع الاجتماعي.. وأصابته حالة من اللامبالاه.. ولم يعد أحد من أبنائه لديه القدرة علي اتخاذ سلوك إيجابي تجاه أي جريمة يراها أمامه.. وهكذا.. مع انتشار السلبية واللامبالاه انتهت الشهامة المصرية المعروفة.. وأصبح المواطن يري المشاجرة ويبعد عنها.. ويري التحرش أمامه ولا يتدخل.. حتي لا يسأل أو يساءل أو يلحق به أذي.. وأصبح الشاب يجلس علي مقعد الأتوبيس أو المترو ويري المرأة الحامل واقفة أمامه.. أو ترفع ابنها علي كتفها.. ولا يقوم ليجلسها مكانه. لقد مات ابن البلد الشهم.. وماتت الجدعنة المصرية.. لأننا نقول للناس "وانت مالك" و"خليك في حالك" و"امشي جنب الحيط" و"خليك وراء مصلحتك بس". وإضافة إلي هذا السلوك السلبي النفعي الذميم الذي نحض عليه.. هناك الأفلام والمسلسلات المصرية التي تقدم ألوانا مستحدثة من الجرائم يغلب عليها العنف والتعامل بالمسدسات والأسلحة الآلية والانتقام بالحرائق الجماعية.. وهي في ذلك تتشبه بأفلام "هوليوود" الأمريكية ولا تعبر عن الواقع المصري الذي كان مسالما.. لكنها علي كل حال أصبحت من كثرة التكرار والإلحاح عنصرا جديدا ومهما في تكوين الشخصية المصرية جعلها أكثر عنفا وأكثر استهانة بالقيم وبالروح الإنسانية التي حرمها الله. لقد تغيرت الشخصية المصرية في عصر العولمة والأمركة.. وصرنا لا نستورد فقط قمح الأمريكيين وسلاحهم وملابسهم وسياراتهم وتكنولوجيتهم ونمط حياتهم.. وإنما نستورد أيضا جرائمهم.. فإلي أي مدي سوف يأخذنا هذا التيار؟!