أكد المؤتمر الإقليمي للحد من تداعيات أزمة النفط أهمية إجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصادات الوطنية للدول المعتمدة على النفط في تمويل موازناتها. ودعا المؤتمر، في ختام أعماله اليوم الأربعاء، بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، إلى ضرورة العمل على خصخصة بعض النشاطات الاقتصادية تدريجيا، وتذليل العقبات التشريعية والتنظيمية أمام القطاع الخاص، وإصلاح وتطوير الأداء الحكومي. كما دعا المؤتمر - الذي نظمته المنظمة العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع الجامعة العربية - وبرعاية وزارة البترول المصرية، إلى تحسين مستويات الشفافية والمساءلة وتعزيز بيئة الاستثمار بما يساهم في إيجاد فرص عمل جديدة، توفير فرص حقيقية للشراكة ورفع القدرات التنافسية للاقتصاد الوطني وتكامله مع الاقتصاد العالمي، ومراجعة وتقييم الدعم الحكومي، وتحديدا المنتجات البترولية والمياه والكهرباء وإعادة تسعيرها اقتصاديا وبصورة تدريجية، ومراجعة مستويات الرسوم والغرامات المالية واستحداث رسوم جديدة ضابطة للأنشطة الاقتصادية، فضلا عن رفع الرسوم على المشروبات الكحولية والسجائر، والعمل على تطبيق ضريبة القيمة المضافة على العقارات ذي النمط الترفيهي. ودعا المؤتمر، في توصياته الختامية، إيران للتعاون مع بقية المنتجين داخل وخارج (أوبك) لوقف هبوط أسعار النفط، موضحا أن الأزمة النفطية الحالية تعد فرصة للدول النفطية لمراجعة سياساتها وخصوصا التنموية منها، والعمل على تنويع مصادر الدخل وتشجيع الاستثمارات وتهيئة البنية التحتية لهياكل اقتصادات آمنة. وأكد المشاركون في المؤتمر أهمية الشروع بدعم مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة والنظيفة في الدول النفطية وغير النفطية، مشيرا إلى أن تاريخ أسواق النفط العالمية يظهر صعوبة التكهن بتقلباتها. وعبروا عن تأييدهم لما تم رصده من قيام بعض الدول النفطية باتخاذ سياسات إصلاحية لتخفيض الإنفاق العام في مجابهة تراجع الإيرادات العامة. وأرجع المؤتمر الأسباب الكامنة وراء انخفاض أسعار البترول عالميا، والتي جاء في مقدمتها تراجع النمو الاقتصادي العالمي، وانخفاض استهلاك الاقتصادات الكبرى للطاقة وتحديدا الصين والاتحاد الأوروبي واليابان، وفي نفس الوقت ظهور معالم التخمة في السوق البترولية، والتي ساهم فيها عدد من الدول المنتجة في (أوبك) ومن خارج دول الأوبك، مثل النفط الصخري الأمريكي والنفوط من أعماق البحار والمحيطات العميقة، بالإضافة عن تطور إنتاج حقول النفط الصخري الأمريكي والرملي الكندي ونفوط المياه العميقة في البرازيل، بالإضافة إلى توقعات عودة النفط الليبي للأسواق. ونبه المؤتمر إلى أن الدول العربية غير النفطية التي تمكنت من خفض فاتورة استيراداتها النفطية، وخفض الدعم الذي تقدمه حكوماتها للطاقة، من أنها ستواجه ارتفاعا في أسعار الوقود حالما تبدأ سوق النفط بالتعافي من جديد،مطالبا بأن تأخذ بالاعتبار أفضل إمكانية متاحة للاستفادة من هذه الفرص في حقن اقتصاداتها بالمزيد من مشروعات الطاقة البديلة. وأكد المؤتمر أن لقاء الدوحة للمنتجين، والذي شارك فيه كل من: المملكة العربية السعودية، وروسيا، وقطر، وفنزويلا، والذي دعا إلى تجميد الإنتاج يشكل خطوة جيدة نحو إعادة الاستقرار إلى الأسواق وفتح صفحة جديدة للتعاون بين المنتجين. وأيد المؤتمر توجه الدول النفطية لخفض حجم الإنفاق بموازناتها وتوجيه الاستثمارات نحو المشاريع الأساسية والبنية التحتية وتعزيز مساعي إصلاح منظومة دعم أسعار الوقود، وكذلك تفعيل أليات ضريبية على الأنشطة الاقتصادية، وتجنب إصدار قرارات ترتب أعباء مالية جديدة على الموازنات العامة. وأكد المؤتمر ضرورة القيام بإصلاحات هيكلية اقتصادية جذرية من خلال ترشيد الدعم ليصل إلى مستحقيه، وإيلاء إصلاحات حفز القطاع الخاص الأهمية والأسبقية من حزم إصلاح القطاعات الاقتصادية، والتأكيد على ترشيد النفقات، وإصدار التشريعات اللازمة الهادفة لخفض العجز في الموازنات. ونوه بأهمية توجه بعض الدول النفطية إلى إصدار الصكوك والسندات في السوق المحلية، فضلا عن الذهاب إلى السوق الدولية. بهدف ضمان مواصلة صناديق التنمية الحكومية لمهامها في تمويل المشاريع التنموية. وأشاد المؤتمر بإعلان المملكة العربية السعودية عن برنامجها للتحول الوطني "رؤية 2030 " بصفتها خطة مهمة تحول الاقتصاد السعودي، والتي تتضمن صندوق استثمارات بقيمة 2.7 تريليون دولار يشمل برامج اقتصادية واجتماعية وزيادة مداخيل المملكة من غير النفط عبر هيكلة شاملة لصندوق الاستثمارات العامة وكذلك خصخصة أصول بقيمة 400 مليار دولار، والتي تعد أكبر فرصة للقطاع الخاص الوطني لتوسيع وتعميق استثماراته. وأشار المؤتمر بإيجابية عالية لخيارات وتوجهات سلطنة عمان بتخفيض الإنفاق الحكومي وتنمية الإيرادات غير النفطية من خلال رفع معدلات الضريبة على أرباح الشركات ومراجعة ورفع الرسوم على بعض الخدمات الحكومية وتعديل أسعار المنتجات النفطية بما يتوافق مع الأسعار العالمية. ونوه المؤتمر باتخاذ البحرين لحزم من التدابير والإجراءات المناسبة لخفض النفقات والمصروفات استجابة لانخفاض فرص تمويل الموازنة الحكومية. وأشار المؤتمر إلى مبادرة حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اعتماد سياسات ترشيديه وإحلاليه، موضحا أن تجربة الإمارات تعد من التجارب الرائدة في تطبيق استراتيجيات تنويع مصادر الطاقة وإدراج الطاقة النظيفة ضمن خليط الطاقة، وهذا ما يحقق هدف الدولة بخفض البصمة الكربونية لمواطنيها، وبهذا الاتجاه يعبر المؤتمر عن إعجابه بجهود دولة الإمارات في مجال الطاقة النظيفة والتوسع في تطبيقاتها. وأشاد المؤتمر بتجربة المملكة المغربية في استخدام الطاقة الشمسية وطاقة المياه وطاقة الرياح حيث تستهدف الحكومة توفير مليون طن من الوقود سنويا وتفادي انبعاث 3.7 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. وأيد المؤتمر سعي الدول العربية النفطية الأخرى مثل الجزائر إلى مجموعة من الإجراءات التي تستهدف عموما خفض النفقات والبحث عن إيرادات غير نفطية، وكذا الحال في قطر التي اعتمدت على مبدأ الكفاءة في النفقات العامة مع المحافظة على مخصصات المشاريع الكبرى، وظهر الأمر جليا في موازنة 2016 بالتزامن مع تعزيز النمو في القطاعات غير النفطية، وتشجيع القطاع الخاص بغرض دعم إيرادات الدولة. وشدد المؤتمر على أن هناك إخفاقا عربيا في تحقيق التنمية الشاملة وفقا لأهداف التنمية للألفية (2000-2015)، مشيرا إلى أن الاهتمام منصباً على زيادة الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط دخل الفرد عن طريق بيع الثروات القومية الطبيعية والاقتصادية الناضبة. وطالب المؤتمر الدول العربية النفطية أن تأخذ من دروس الأزمة النفطية ما يناسب اقتصاداتها وتنطلق إلى رؤى جذرية في البناء الاقتصادي وتأخذ بالتنافسية عند قواعد وضع خططها التنموية والاستراتيجية. كما طالب المؤتمر الحكومات العربية بالتوجه بكل جدية نحو تنفيذ التزاماته بأجندة التنمية 2030. وتوقع المؤتمر حدوث بعض الانفراج في الأزمة النفطية مع زيادة الطلب على المشتقات البترولية وانخفاض المنصات البترولية العاملة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا إلى جانب الانخفاض في إنتاج كل من نيجيريا وفنزويلا وكندا وسعي المنتجين إلى تثبيت معدلات الإنتاج متوقعا أن يشهد النفط أسعارا جديدة تتجاوز ال50 دولارا وصولاً إلى 70 دولارا في النصف الثاني لهذا العام.