حظى العاثر أوقعنى فى الأيام الماضية فى حبائل وكيل أو موزع لشركة إى داتا اسمها «سبرنت إيجيبت». خدمتها كارثية وعندما حاولت إنهاء الاشتراك كى يكون اشتراكى مباشرا فى إى داتا «دوخت دوخة ينى» كما يقول الساخر الكبير الراحل محمود السعدنى. تليفونات الشركة لا ترد، وإذا ردت «يلطعوا» الزبون وقتا يزيد على الساعة، وعندما يعطوننى عنوان الموزع كى ألغى الاشتراك يكون العنوان خطأ، وبعد أن حصلت على العنوان السليم ذهبت فى الوقت المحدد، لأجد أن الفرع مغلق!. ما سبق مسألة هامشية، لكن عندما ذهبت إلى فرع آخر للشركة فى شارع مطار إمبابة فى العاشرة والنصف صباحا، فوجئت بأربعة أكوام زبالة كبرى تحتل وسط الشارع فى مسافة لا تزيد على 500 متر. سيقول البعض: وما هى المشكلة.. فالزبالة تملأ معظم شوارع مصر؟!. المشكلة هى أنك لا تستطيع أن تصمت، عندما ترى الأمر يعنيك خصوصا أن كل كوم زبالة كان يقف عليه عشرات المواطنين يفتشون فيه بعضهم يبحث عن طعام وبعضهم ينتمى إلى مهنة النباشين التى تضم الآلاف، ويقومون بالنبش فى أكوام الزبالة وفرزها بحثا عن مواد معينة يقومون بتوريدها لشركات محددة بعضها يعمل فى إعادة تدوير القمامة. قبل موضة الشركات الأجنبية وعندما كان جمع الزبالة فرديا، كان «النبش» يتم فى مناطق خارج الشوارع خصوصا فى منشية ناصر والمقطم وبعض قرى الجيزة، وما يفيض كان يستخدم غذاء للخنازير. الآن ومع إهمال المحليات فإن جزءا كبيرا من ذلك يتم فى وسط الشوارع، والنتيجة أن هذه الشوارع صارت مفروشة بالزبالة من دون حسيب أو رقيب. ولو كنت من أعضاء مجلس الشعب عن هذه المنطقة أو أى منطقة مماثلة لذهبت إلى هذه الشوارع، وطالبت المحافظ ورؤساء الأحياء ومسئولى شركات النظافة وكل من بيده الأمر، بتنظيف هذه الشوارع. قد لا نستطيع القضاء على مشكلة الزبالة فورا، لكن على الأقل نستطيع أن نرفعها فى الصباح الباكر. وبدلا من انشغال بعض أعضاء مجلس الشعب فى «الشو» والجدل تحت قبة البرلمان فإنهم سيكسبون الكثير من الشعبية والاحترام من مواطنيهم وناخبيهم عندما يتمكنون من إزالة كوم زبالة، يصيب الناس بالقرف والإحباط والاكتئاب. فى شارع المطار الذى يكتظ بالزبالة، السياق بأكمله عشوائى، التوكتوك يسير عكس الاتجاه وأولوية المرور للأكثر بلطجة، والشتائم بأقبح الألفاظ أمر عادى. نظلم شارع المطار إذا تصورنا أن هذا المشهد خاص به فقط.. هو يتكرر فى اماكن كثيرة بطول البلاد وعرضها، ولذلك يبقى السؤال الجوهرى وهو: ماذا نتوقع من هذا النمط العشوائى من الحياة؟ أغلب الظن للأسف الشديد أن هذا السلوك العشوائى لن يؤدى إلا لإعادة إنتاج الأنواع التالية من البشر: أولا المتطرفون الذين سيجدون فى رفض المجتمع والخروج عليه الحل الأمثل والسحرى لكى يتخلصوا من «زبالته» ومن تقصير المسئولين وإهمالهم، وقد ينضم هؤلاء إلى تنظيمات متطرفة تحمل السلاح أو على الأقل إقناع آخرين بالانضمام إليهم. والنوع الثانى هم المدمون، لأن هذه السياسات العشوائية مختلطة بالفقر والجهل وتردى التعليم وسائر الخدمات العامة، ستقود إلى إنتاج فئة من البشر تجد فى الإقبال على المخدرات خصوصا الردىء منها الحل السحرى للهروب من الواقع أو الانغماس فيه بصورة مبالغ فيها. والنوع الثالث فئة سوف تكتئب وتعتزل الحياة العامة، وتنضم من جديد إلى حزب الكنبة. وإذا أضفنا التردى العام فى الخدمات والمشكلة الاقتصادية الحادة إلى كل ما سبق، يمكننا أن نتخيل هذا «الكوكتيل» المقبلين عليه. الحل ببساطة أن تتحرك الحكومة وأجهزتها خاصة فى المحافظات والحكم المحلى. هذا أمر لا يحتاج إلى ميزانيات، ولا يمكن التعلل بنقص الأموال. لدينا جيوش جرارة من عمال النظافة، بعضهم ترك عمله وتفرغ للتسول الرسمى، ولدينا سيارات، لكن لا يوجد لدينا إرادة للعمل. من يراقب ويعاقب هؤلاء المسئولين الموجودين فى معظم المحافظات وليس فقط فى شارع المطار بإمبابة وضواحيها؟!