زراعة البحيرة تنظم دورة تدريبية لرفع كفاءة العاملين بالجمعيات الزراعية    الرئاسة التركية: أردوغان يشارك في قمة شرم الشيخ للسلام    زيلينسكي: بحثت مع ترمب تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك وأنظمة باتريوت    استشهاد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي على يد عصابات خارجة عن القانون في غزة    أجواء احتفالية في ستاد القاهرة قبل مواجهة مصر وغينيا بيساو    اجتماع جديد لمجلس الزمالك لبحث أوضاع النادي    ذهبية المنياوي وبرونزية صبحي تزينان اليوم الثاني من بطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي    كشف ملابسات مقطع فيديو لشخص روع المواطنين بسلاح أبيض في الإسكندرية    صحة مطروح تُكثف لجان البيئة لمراجعة المدارس والمياه والمنشآت قبل العام الدراسي    وزير الأوقاف: إعادة انتخاب مصر رئيسا لمنظمة العمل العربية يعكس مكانة الدولة الرفيعة    مساعد وزير الخارجية الأسبق: مصر حائط الصد الأول ضد تهجير الفلسطينيين    أحمد فتحي: فرحة التأهل لمونديال روسيا مختلفة عن أمريكا.. واحتفلت مثل الطفل    إصابة أولمو تربك حسابات فليك قبل مباراة جيرونا    تعرف على تشكيل كرواتيا ضد جبل طارق بتصفيات المونديال    «مدبولي» يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره الجزائري لمتابعة تحضيرات اللجنة العليا المصرية الجزائرية المشتركة    أحمد موسي: كانت هناك محاولات لإفشال مفاوضات شرم الشيخ لكن ترامب ضغط لإجرائها    التحريات تكشف تفاصيل جديدة في حادث سقوط السقالة بمدينة السادات في المنوفية    مستشار وزير الري الأسبق: إثيوبيا ارتكبت أخطاء جسيمة في ملء وتشغيل سد النهضة    بيحبوا يصحوا بدري.. 5 أبراج نشيطة وتبدأ يومها بطاقة عالية    محمد رمضان يهنئ لارا ترامب بعيد ميلادها: «اتمنى لكي سعادة لا نهاية لها» (صور)    هل التدخين يبطل الوضوء؟ أمين الفتوى: يقاس على البصل والثوم (فيديو)    أسامة الجندي: القنوط أشد من اليأس.. والمؤمن لا يعرف الإثنين أبدًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أول الحذر..ظلمة الهوى000؟!    قافلة طبية بجامعة الإسكندرية لفحص وعلاج 1046 مواطنًا بالمجان في الكينج مريوط (صور)    «الحصاد الأسبوعي».. نشاط مُكثف لوزارة الأوقاف دعويًّا واجتماعيًّا    بعد حادث الوفد القطري.. رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري يستقبل سفير مصر في الدوحة    وزير خارجية لبنان يوجه بتقديم شكوى عاجلة لمجلس الأمن والأمم المتحدة ضد الاعتداءات الإسرائيلية    محافظ القليوبية يقود حملة مفاجئة لإزالة الإشغالات بمدخل بنها    وكيل صحة الدقهلية يبحث خارطة عمل المرحلة المقبلة مع مديري المستشفيات والإدارات الفنية    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    20 أكتوبر.. انطلاق جولة «كورال وأوركسترا مصر الوطني» بإقليم القناة وسيناء    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    مصر تدين الهجوم على مركز لإيواء النازحين بمدينة الفاشر السودانية    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    مي فاروق: أغنية «باركوا» علامة في كل الأفراح.. ومشاركة زوجي في ألبوم «تاريخي» صدفة    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    بالأسماء.. الرئيس السيسي يُصدر قرارا بتعيينات في مجلس الشيوخ    سويلم يلتقى نائب وزير البيئة والزراعة السعودى ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    إصابة 5 فى تصادم سيارة ملاكى وتوك توك وتروسكيل بطريق برج نور أجا بالدقهلية    رئيس حزب الإصلاح والنهضة: قمة شرم الشيخ تتويج للدور المصرى التاريخى الحكيم    مستشفيات مطروح تقدم 38 ألف خدمة طبية وتجرى 206 عمليات جراحية خلال أسبوع    محافظ الدقهلية يتفقد شوارع حي شرق المنصورة وقرار عاجل بشأن النظافة والإشغالات    رئيس الضرائب: التعامل بالفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني يعزز الشفافية    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    محافظ أسوان يتابع استكمال تشغيل المراكز الطبية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    مراكز خدمات «التضامن» تدعم ذوى الهمم    محمود ياسين من نادى المسرح فى بورسعيد إلى ذاكرة الوطن    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    «كفى ظلمًا».. حسام المندوه: أدخلنا للزمالك 800 مليون جنيه    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    تركيا تكتسح بلغاريا بسداسية مدوية وتواصل التألق في تصفيات كأس العالم الأوروبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة والأمن: منزلق الكراهية المتبادلة
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 01 - 2016

لا يمكن إنكار الحقائق عندما تكون شواهدها ماثلة أمام الجميع.
هناك من يزكى كراهية الثورة، كأنها عمل غير شرعى تآمر على الأمن وقوض أركانه.
وهناك من يعتقد أن التشهير بها من ضمانات تثبيت الدولة واستقرارها.
هذا خطأ فادح فى الحسابات يفضى إلى عزلة الأمن عن مجتمعه، حيث يتوجب أن يحظى بدعمه فى لحظة حرب ضارية مع الإرهاب.
بالقرب من الذكرى الخامسة لثورة «يناير» تبدت حالة تفزيع من احتمالات تظاهرات كبيرة تقلب معادلات القوة والسلطة.
تلك الفرضية لا تستند على أساس يعتد به، فلا «الشباب المسيس» يتبنى أية حملات تعبئة للخروج فى هذا اليوم، ولا جماعة الإخوان فى حال يمكنها من الحشد، ولا القوى الاجتماعية المتضررة من بعض السياسات الحالية بوارد إعلان التمرد خشية الدخول فى مجهول.
مبالغة التفزيع تبدت فى حملة مداهمات واسعة لمساكن وسط العاصمة بلا مبرر مقنع واعتقالات لنشطاء سياسيين باسم «النية فى التظاهر» أو التحريض عليه.
لا توجد فى القانون تهمة بهذا الاسم، فالتظاهر حق دستورى لا منازعة فيه، وهو بذاته ليس جريمة يعاقب عليها القانون.
القوانين تصدر لتنظيم الحق لا مصادرته.
حساب النوايا ينبئ عن عدم ثقة فى مدى ما تتمتع به الدولة من دعم شعبى.
الواثقون فى شعوبهم لا يلجأون إلى إجراءات عشوائية باسم إجهاض «مؤامرة» لا يوجد دليل عليها.
فى الأسابيع الأولى بعد إطاحة جماعة الإخوان من السلطة لعلع الرصاص فى الشوارع وفوق الجسور وحملت أسلحة داخل تظاهرات ورفعت أعلام «القاعدة» فى ميدان رمسيس وأماكن أخرى دون أن يكون هناك أدنى شك أن المواجهة حسمت بفضل غطاء شعبى رفض أية احتمالات لانجراف البلد إلى احتراب أهلى.
الآن الصورة تغيرت تماما.
الغطاء الشعبى تآكل بصورة فادحة والكراهية المتبادلة بين الشعب وأمنه تجاوزت حدود الخطر.
مبالغة التفزيع أفضت إلى رسالة عدم استقرار إلى العالم وتداعياتها سلبية على الاقتصاد واحتمالات ضخ استثمارات جديدة فى شرايينه المتيبسة.
كما أنها أفضت إلى صب زيت جديد على نيران الكراهية المشتعلة.
الكلام المتفلت عن أن (25) يناير هو يوم للشرطة وحدها التى تعرضت لمؤامرة كسرها تحريض بذاته على كراهيتها.
لا يشك وطنى واحد أن وقفة ضباط وجنود الشرطة فى الإسماعيلية أمام قوات الاحتلال البريطانى شبه عزل يوم (25) يناير (1952) تستحق كل مجد واحترام.
غير أن الاستهتار ب«يناير» يسىء لكل معنى وقيمة فى هذا البلد، كأنه تفويض جديد بارتكاب الأخطاء نفسها التى استدعت الثورة.
كأى استهتار من هذا النوع تداعياته لا تحتمل.
الأخطر أنه يفتح أوسع الثغرات أمام جماعات العنف والإرهاب لكى توجه ضربات جديدة للقوات الأمنية.
لم تكن مصادفة استشهاد أكثر من خمسة عشر ضابطا ومجندا فى عمليتين متزامنتين بالعريش والجيزة.
تفاصيل العمليتين الإرهابيتين تبنئ أن الحرب مازالت طويلة ومنهكة وأن شهداء وضحايا آخرين فى صفوف الشرطة سوف يدفعون فواتير دم جديدة دفاعا عن بلادهم.
استفزاز الناس العاديين بالممارسات السلبية، التى تنتهك الكرامة الإنسانية، يضخ رصاصا جديدا فى بنادق الإرهاب.
عندما يتفلت الأمن من مهمته الطبيعية، التى لا يشك عاقل واحد فى أهميتها القصوى لأى مجتمع، فإن العشوائية تصبح عنوانا على اللحظة كلها.
قد يحال متورطون فى التعذيب إلى جهات التحقيق، لكن تظل المعضلة الحقيقية فى بنية الثقافة الأمنية التى تنتج هذا النوع البشع من الجرائم.
وذلك وضع خطر يضرب فى الأمن قبل غيره.
وجه الخلل الرئيسى أن ما هو سياسى تراجع بقسوة وما هو أمنى تغول فى غير ميدانه.
من أسوأ ما قيل فى تبرير تفتيش أعداد هائلة من شقق وسط البلد أنها إجراء احترازى يرافق زيارة الرئيس الصينى للقاهرة.
الكلام بذاته يعطى رسالة سلبية بعدم القدرة على حفظ سلامة الزوار الكبار دون إجراءات أقل ما توصف به أنها عشوائية لا تنم عن تخطيط أو قاعدة معلومات أو إجراءات ملائمة.
كل تزيد فى الإجراءات يسحب من الثقة فى الأمن.
وكل تغول فى الأدوار يقوض هيبة الدولة.
فى زيارة سابقة للرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» لم تتخذ إجراءات مماثلة، رغم أنه أقام فى أحد فنادق حى «جادرن سيتى» على النيل.
أول استنتاج ممكن أن التفتيش العشوائى الواسع له أهداف أخرى، استهدفت إثارة الذعر العام حتى لا يفكر أحد فى النزول إلى الشارع فى مناسبة الثورة.
أخطر الأسئلة: ما الحصاد؟
أسوأ الإجابات: لا شىء غير تعميق فجوة الكراهية مع الأمن.
وثانى استنتاج ممكن استهداف منع أى إصلاح ضرورى فى بنية المؤسسة الأمنية.
بكلام أوضح إرهاب الرئيس.
وهذه لعبة جربت فى كل العهود لفرض تصورات بعينها على الرئاسات تضمن للأمن أن يعمل دون حساب.
فى غياب السياسة تقدم الأمن لملء الفراغ.
تدخل فى الانتخابات النيابية، رشح وزكى ودعم مرشحين دون غيرهم، دون أن يتورط فى تزوير صناديق الاقتراع.
الشق الثانى إيجابى للغاية، وهو من النتائج الأساسية لثورة «يناير» التى يصعب التراجع عنها دون أثمان باهظة.
والشق الأول سلبى بفداحة، فهو مشروع دولة بوليسية تطل برأسها من جديد.
المشروع نفسه ضد الأمن كله.
إذا كان هناك من استوعب درسا ما جرى إبان الثورة فالعودة إلى ما قبلها شبه مستحيل.
عندما تتشابه المقدمات فإن النتائج لابد أن تتقارب.
بعد الثورة مباشرة قال ضباط شرطة كبار: «لقد استوعبنا الدرس».
لم يطل الوقت حتى استعاد الأمن جانبا كبيرا من قوته بدعم شعبى لا يمكن إنكاره.
عند نزوله من جديد إلى الشوارع استقبله المواطنون العاديون بالتصفيق.
كان المشهد موحيا بإمكانية مصالحة تاريخية بين الأمن ومجتمعه تنسخ مرارة الماضى لكنها تبددت سريعا.
هناك من تصور داخل الأجهزة الأمنية أن الانتقام من «يناير» يرفع من منسوب هيبتها دون إدراك أن العكس هو الصحيح تماما.
الهيبة غير القوة.
الأولى، مسألة دور يحظى باحترام شعبه والاحترام غير الخوف.
والثانية، مسألة تغول بنفوذ الدولة على مواطنين عاديين أو نشطاء سياسيين خارج كل قانون وقيمة دستورية وإنسانية.
فى التغول أثقال جديدة على السجل المصرى فى حقوق الإنسان المتخم بالتجاوزات والانتهاكات.
بقدر ما يتوافر من شرعية دستورية تتأكد قوة الدولة بغير ادعاء وتتثبت أركانها بغير اصطناع.
القضية ليست ما قد يحدث بعد يومين فى ذكرى ثورة «يناير» فلن يكون هناك شىء دراماتيكى يستدعى كل هذا التفزيع.
القضية «ما بعد يناير»، فلا يمكن أن تستقر الدولة على عشوائية أو نتقدم إلى المستقبل وسط كل هذه الكراهيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.