صيدلة المنصورة تنظم الملتقى الافتراضي الأول للابتكار خلال الإجازة الصيفية    7 مرشحين يتقدمون بأوراقهم لخوض انتخابات مجلس الشيوخ بشمال سيناء    نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 برقم الجلوس.. موعد اعتمادها رسمياً ورابط الاستعلام المباشر    ضبط مخزن أدوية ومستحضرات تجميل غير مرخص بحي غرب أسيوط    انخفاض الزيت.. أسعار السلع الأساسية بالأسواق اليوم (موقع رسمي)    سعر الذهب ببداية التعاملات الصباحية اليوم    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ المشروعات السكنية بعددٍ من المدن والمحافظات    رئيس البنك الزراعي يبحث مع محافظ أسيوط دعم التنمية الزراعية بالمحافظة    رئيس هيئة قناة السويس يبحث مع السفير الياباني التعاون في مجالات «التدريب والتسويق»    سفير أرمينيا يزور حزب الوعي لبحث سبل التعاون وتعزيز العلاقات الثنائية    الجيش الروسي يعلن إسقاط 14 طائرة مسيرة أوكرانية    منتخب مصر يتراجع في تصنيف «فيفا»    كيف استقبل الجمهور لقطة شيكابالا مع إبراهيم سعيد رغم الخلاف؟    "كوبري جديد؟!".. الأهلي يتدخل لقطع الطريق على صفقة الزمالك المنتظرة    هشام حنفي: الأهلي سيصبح مثل بايرن ميونخ الموسم المقبل    حاولت مساعدته.. شاهد على حادثة ديوجو جوتا يروي تفاصيل جديدة    قطار الثانوية العامة 2025 يصل محطته الأخيرة.. التعليم تنفي تسريب امتحانات الأحياء والرياضيات التطبيقية والإحصاء.. والقلق يسيطر على أولياء الأمور (فيديو وصور)    طلاب الثانوية العامة بالشرقية: امتحان الاستاتيكا سهل لكنه مرهق ذهنيًا (فيديو)    طلاب الثانوية العامة بالدقهلية: الرياضيات التطبيقية أسهل امتحان (فيديو وصور)    إحباط تهريب 200 كيلو مخدرات بقيمة 65 مليون جنيه    الداخلية: ضبط 1296 قضية متنوعة في مخالفات النقل والمواصلات    ارتفاع الأمواج 3 أمتار.. بيان عاجل بشأن حالة الطقس: «حافظوا على سلامتكم»    نائب أمير مكة يغسل الكعبة من الداخل (فيديو)    ختام مهرجان الأراجوز بمعرض مكتبة الإسكندرية للكتاب    الأحد.. انطلاق أولى حلقات الموسم الجديد من برنامج "واحد من الناس"    جمال شعبان يحذر من هذه العلامة: قد تشير لأزمة قلبية    صحة القليوبية: إجراء 1285 مناظرة للتشخيص عن بُعد خلال يونيو الماضي    متحور كورونا الجديد - عوض تاج الدين يجيب هل وصل إلى مصر؟    سميرة سعيد تشوق جمهورها بفيديو من كواليس أحدث أعمالها الفنية    موعد ومكان تشييع جنازة المخرج سامح عبد العزيز    الحكومة السورية: نرفض التقسيم أو الفدرلة و نؤكد تمسكنا بمبدأ سوريا واحدة    إسرائيل تعترض صاروخًا باليستيًا أُطلق من اليمن    وزير الطاقة السوري يبحث سبل التعاون مع شركة جزائرية في قطاع الكهرباء    اليوم الخميس| آخر تقديم ل 178 فرصة عمل بالإمارات ب 24 ألف جنيه    موعد ظهور نتيجة الثانوية العامة 2025 والرابط الرسمي للاستعلام    "الأهالي مسكوه متلبس".. حكم قضائي ضد المتهم بسرقة شاب بالإكراه في الجيزة    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر للقطاع العام والخاص والبنوك والمدارس    البابا تواضروس الثاني يتحدث عن "صمود الإيمان" في اجتماع الأربعاء    «من أوروبا».. صفقة من العيار الثقيل على أعتاب الأهلي (تفاصيل)    لولا دا سيلفا ردا على رسوم ترامب الجمركية: البرازيل دولة ذات سيادة ولن نقبل الإهانة    منذ فجر الأربعاء.. استشهاد أكثر من 100 فلسطيني في مختلف مناطق غزة    وفاة المخرج سامح عيد العزيز بعد تعرضه لوعكة صحية والجنازة من مسجد الشرطة    بالصور| السقا يحتفل بفيلمه "أحمد وأحمد" مع جمهوره في دبي    10 صور لاحتفال زيزو مع أحمد السقا بفيلمه الجديد    الوداع الأخير.. المطرب محمد عواد في عزاء أحمد عامر ثم يلحق به اليوم فجأة    ما حكم الوضوء بماء البحر وهل الصلاة بعده صحيحة؟.. أمين الفتوى يحسم (فيديو)    بينهم 3 أطفال.. 5 شهداء جراء استهداف خيامًا تؤوي نازحين غربي خان يونس    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 10-7-2025 بعد تجاوز حديد عز 39 ألف جنيه    رابط الاستعلام عن نتيجة التظلمات في مسابقة 20 ألف وظيفة معلم مساعد    الولايات المتحدة تشهد أسوأ تفش للحصبة منذ أكثر من 30 عاما    لماذا يحذر الخبراء من الإفراط في تناول الفراولة؟    نجم الأهلي السابق ينصح برحيل ثلاثي الفريق    ما أحكام صندوق الزمالة من الناحية الشرعية؟.. أمين الفتوى يوضح    لرسوبه في التاريخ.. أب يعاقب ابنه بوحشية    موقف صلاح مصدق من الرحيل عن الزمالك    لوكا مودريتش يُودّع ريال مدريد بعد مسيرة تاريخية قبل الانضمام إلي ميلان    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 10-7-2025 في محافظة قنا    عصام السباعي يكتب: الأهرام المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شارلى وبى بى ويهود فرنسا
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 01 - 2015

فيما كان العالم منشغلا بالإجابة على السؤال الهاملتى: «أكون شارلى أو لا أكون»، لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يرهق ذهنه بمثيلة تلك التساؤلات الأخلاقية المضيعة للوقت والجهد. فور وقوع جريمة الاعتداءات الارهابية بباريس، اقتحم العاصمة الفرنسية رغم أنف الإليزيه، مزاحما على المقاعد فى الحافلات، مخترقا الصفوف لتصدر الواجهات، مختطفا الصدمة العالمية الطازجة لحسابه الخاص، متحديا بصوته الغليظ وهيئته المنذرة بالشر كل من أراد إثنائه عن بلوغ مقاصده. تلك التى لم تكن تمت بسبب إلى التضامن مع الشعب الفرنسى ولا إلى الانتصار لحرية التعبير المزعومة. مقاصد ثلاثة سعى إليها «بى بى» من وراء عملية اجتياحه الباريسية، لعل أوضحها على السطح مناورة انتخابية وأعمقها دعوة للهجرة إلى إسرائيل، وبينهما حاجة دفينة فى نفس ابن يعقوب. فهل قضاها جميعا؟
(1)
لا كانت فرنسا راغبة فى استقبال نتنياهو ولا كان هو متشوقا للقاء.
فلكى يبرر عدم رغبته فى المشاركة فى المسيرة الجمهورية تذرع هو بأسباب أمنية، فيما كانت الرئاسة الفرنسية قد طلبت إليه صراحة عدم الحضور، متعللة برغبتها فى ألا يطغى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى بظلاله الكثيفة على أجواء المسيرة ورسالتها. لكنها دواعى السباق الانتخابى المحموم فى إسرائيل، دفعته لركوب الجو ما إن علم بأن منافسيه اليمينييْن أڤيجدور ليبرمان ونفتالى بينيت سيطيران إلى باريس للمشاركة فى المسيرة وللقاء الجماعة اليهودية الفرنسية. ففى السيكولوجية السياسية لبنيامين نتنياهو، ثمة رغبة طاغية تلازمه فى أن يبدو فى أعين ناخبيه فى صورة الزعيم الأشرس فى محاربة العرب والأكثر توسعا فى بناء المستوطنات، والمحدث الأقدر منذ كان سفيرا لبلاده فى الولايات المتحدة على الاحتفاظ بسمت سفير الصهيونية الأول لدى «العالم المتحضر». وقد كان الحدث الفرنسى يقدم له فرصة ذهبية ليخاطب أشد العناصر يمينية وتطرفا فى ناخبى الداخل.
ولعل ذلك ما حدا به إلى التمسك قبيل الانتخابات بقانون يهودية الدولة الذى فجر الأزمة داخل حكومته الائتلافية، والذى يشدد من صفة يهودية إسرائيل على حساب طبيعتها الديمقراطية المفترضة، لكونه يحولها بمقتضى النص من دولة «يهودية وديمقراطية» إلى «دولة قومية للشعب اليهودى»، مؤسسا بذلك فى دستور الدولة غير المدون لفكرة انعدام المساواة بين اليهود وسائر الفئات المكونة للمجتمع، لاسيما عرب إسرائيل.
هذا العجز الذى يبديه نتنياهو فى تقدير معنى المساواة فى المواطنة هو الذى جعل غالبية يهود فرنسا يستنكرون دعايته الانتخابية الفجة القائمة على التشكيك فى هويتهم الفرنسية، والساعية لاستغلال هجمات باريس لتأجيج مخاوفهم من تنامى مشاعر معاداة السامية. ولم يكن هناك رد أبلغ لمواجهته ولتأكيد اندماجهم فى نسيج الوطن الفرنسى من غنائهم النشيد الوطنى الفرنسى يوم خطب فيهم داخل المعبد اليهودى.
(2)
نعم.. لم تكن فرنسا راغبة فى استقبال نتنياهو ولا كان هو متشوقا للقاء.
فلقد كان آخر لقاء بين ممثلى البلديْن عاصفا. كان ذلك قبيل الاعتداءات بخمسة أيام، حين استدعى وزير الخارجية أڤيجدور ليبرمان السفير الفرنسى بإسرائيل، باتريك ميزوناڤ، للاحتجاج على تصويت فرنسا لصالح مشروع قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وما سبق ذلك من تعاون فرنسى فلسطينى لكتابة نص مشروع القرار، وتأييد كل من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ له فى فرنسا، وما استتبعه من تأييد فى البرلمان الأوروبى. وهو ما أثار غضب إسرائيل واستنكار الولايات المتحدة، لما تحمله تلك المساعى من بعد رمزى رغم كونها غير ملزمة، لكونها صادرة عن الدولة التى تعد رأس الحربة الأوروبية التى تزهو بدورها المتنامى فى رعاية الملف الفلسطينى الإسرائيلى فى ظل انسحاب الولايات المتحدة، وانحسار الدور الأوروبى.
هذا الغضب الإسرائيلى العارم، عبر عنه النائب الفرنسى الصهيونى ومستشار نتنياهو الشخصى، مائير حبيب، بقوله إن «اعتراف البرلمان الفرنسى بالدولة الفلسطينية سيؤدى إلى استيراد النزاع الإسرائيلى الفلسطينى داخل فرنسا». وهو ما كرره حبيب بنبرة أشد تهديدا فى صحيفة لو فيجارو بعد وقوع مذبحة شارلى إبدو قائلا: «هذا الصباح، صاح المسلحون الإسلامويون بعد أن أزهقوا اثنتى عشرة نفسا قائلين: لقد قتلنا شارلى إبدو. وغدا، لو استمر استيراد النزاع الإسرائيلى الفلسطينى داخل فرنسا من خلال اعتماد نصوص كذلك النص الذى يقدم اعترافا أحاديا بفلسطين، فستسمعون من يصيح: لقد قتلنا فرنسا».
كان النائب مائير حبيب هو نفسه من قام بالترجمة الفورية لخطاب نتنياهو فى حفل تأبين الضحايا داخل المعبد اليهودى الكبير بباريس. وقد كانت ترجمته بارعة! إذ لم تكتف بتوصيل المعانى والأفكار، بل نجحت فى توصيل نبرة اللوم والتشفى الموجهة إلى فرنسا لتأييدها المشروع الفلسطينى، تلك النبرة التى بطنت عبارات نتنياهو وهو ينادى بوحدة الجبهة التى يتعين أن تضم إسرائيل والغرب فى مواجهة «الإرهاب الإسلامى»، وهو الإرهاب الذى يندرج فى قوائم مرتكبيه أطفال غزة ونساؤها وشيوخها ممن أبادهم بالآلاف الجيش «الأكثر أخلاقية بالعالم» فى صيف 2014.
«لابد لإسرائيل أن تقف مع أوروبا ولابد لأوروبا أن تقف مع إسرائيل». بدت العبارة، بصوته الهادر، ووجهه الجامد، تحت قبة الكنيس العالية، وكأنها إنذار أخير.
(3)
نعم، نعم.. لم تكن فرنسا راغبة فى استقبال نتنياهو ولا كان هو متشوقا للقاء.
فما إن اعتلى المنبر لإلقاء كلمته، حتى انسحب كل من الرئيس الفرنسى ورئيس وزرائه من القاعة. فقد أرادا بالطبع تجنب سماعه وهو يكرر دعوته مواطنى فرنسا اليهود للهجرة إلى إسرائيل. تلك الدعوة التى أساءت لقيادات فرنسا لما فيها من اتهام مبطن بالتقصير. «تعالوا إلى حيثما نحن الحرس، ونحن الجيش، ونحن الحكومة»! كان ذلك لسان حاله من أعلى منصته، على حد ما كتب شمويل روزنر فى صحيفة «نيويورك تايمز».
هذا الإلحاح المتكرر فى دعوة يهود فرنسا إلى الهجرة إلى إسرائيل مبعثه بالطبع أن فرنسا كان البلد الأول فى قائمة عدد المهاجرين إلى «أرض الميعاد» هذا العام، وذلك للمرة الأولى منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948. إذ شهد عام 2014 إقبال نحو سبعة آلاف يهودى فرنسى على «العليا» أى الهجرة إلى الدولة العبرية، أقر الكنيست مؤخرا من أجل توطينهم قانونا جديدا يخص المهاجرين الفرنسيين بأولوية الادماج المهنى فى إسرائيل للاستفادة من مستواهم العلمى الفائق.
•••
«ننتظركم فى وطن أجدادكم بحب كبير!» قالها «بى بى» بأداء عاطفى مؤثر قبل أن يعود إلى القدس، ومن ورائه نعوش الضحايا اليهود الفرنسيين الأربعة وأسرهم الذين رحبوا بفكرة دفن أحبائهم بجبل الزيتون، حيث المقبرة الأكثر قداسة عند اليهود. وهناك، كما تروى صحيفة «جى اس اس نيوز» الصهيونية، تقرر أن يكون الدفن فى مقبرة بلدة «جفعات شاؤول»، التى كانت تعرف يوما ما باسم «دير ياسين». وهناك، إذا بأهالى الضحايا يفاجأون بمن يعرض عليهم مواراة الجثامين الأربعة فى مقبرة جماعية «لتقليل النفقات»، فلما رفض العرض، طالبت الشركة الجنائزية المسئولة عن إدارة المدفن بمبلغ خمسين ألف شيكل (حوالى عشرة آلاف يورو) عن كل ميت. وأمام اعتراض الأهالى، أكدت الشركة أنها منحتهم «سعرا خاصا» مراعاة للظروف، موضحة أن كلفة دفن «اليهود الغرباء» فى إسرائيل قد تصل إلى مائة ألف شيكل. فلما استبد الذهول بالأهالى، دخلت الطائفة اليهودية الفرنسية على الخط، عارضة خدماتها. عندئذ، تطوعت سيدة إسرائيلية تستأجر أرضا واسعة داخل المقبرة بحل المعضلة، لكن الشركة أبت وتعنتت. فلما كثر الجدل وطال انتظار الجثث داخل نعوشها، وبدأت الصحافة تشم رائحة الخبر، قررت وزارة الشئون الدينية الإسرائيلية وضع حد لتلك الملهاة السوداء، وقامت بسداد كل التكاليف «شاملة إقامة الأهالى والوجبات»!
•••
ثلاثة مقاصد حركت بى بى فى رحلته الباريسية الانتخابية التعبوية الانتقامية. لا نعلم مبلغ تحققها على أرض الواقع. لكننا سنرى آياتها فى الآفاق فى مستقبل منظور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.