على مر فصول القضية الفلسطينية، لم تسجل الذاكرة الجمعية ما هو أكثر جلالا من مشهدية وداع الصحفية الفلسطينية القديرة شيرين أبو عاقلة وموكبها الجنائزى المهيب، العابر فى طريق الآلام، من جنين إلى مقبرة صهيون، وسط دناءات الاحتلال الذى قتلها وهمجيته المدججة (...)
وتمضى الأيام، وأحضر حلقة بحثية لتدارس أثر تجاور لغات مختلفة فى متن نص أدبى واحد وأثر هذا التجاور على الترجمة. رحنا ننظر فى أثر التعدد اللغوى فى مفتتح «الحرب والسلام» لتولستوى، وفى مراسلات پوشكين، وأشعار پول ڤاليرى، وكتابات نابوكوڤ.. فكان المثال (...)
وتمر الأيام.. وأعود إلى روايتى الأثيرة، «ملحمة الحرافيش». أقرأها مرة ثانية بصوت مسموع كما يليق بملحمة. ففى البدء كانت الملاحم القديمة تُتناقل شفاهة رغم ضخامتها. وكان بناؤها الشعرى يجعلُ منها نصوصا صوتية بامتياز. وكانت الخصائص الصوتية للملحمة تسهم فى (...)
نداهةٌ فى المكتبة. ينسابُ صوتُها الهامس كلما عرفَتْ أنى فى الجوار. يتسارعُ نداؤها كلما وقفتُ أطالع الرف المخصص للنجيب. فإذا فتحتُ الضلفة الزجاجية التى تقبع وراءها، مستقرة فوق حاملٍ خشبيٍ صغير، تدبُ فى الوجوه المطلة من غلافها الحياة، وتأتينى منها (...)
حين أنهيتُ قراءة رواية «نازلة دار الأكابر» للروائية والأكاديمية التونسية أميرة غنيم (دار مسكيليانى 2020)، تذكرتُ قول الأديبة الأمريكية تونى موريسون المجازى: التخييل هو أن تكسو الذكرى لحما. وهو ما صنعته كاتبة هذا العمل الكبير وهى تقبض على لحظة مفصلية (...)
وسط مناخ يستعد لانتخاباتٍ رئاسية فاصلة، ويسوده استقطابٌ سياسى متشنج، وتخيم عليه أجواء جائحةٍ أفقدت ما يربو على مئة ألف حياتهم، وحرمت 40 مليون مواطنٍ من وظائفهم، تعيش الولايات المتحدة الأمريكية ما بات ينطبق عليه وصف «الحرب الثقافية». حربٌ ما كانت (...)
(أ) «أهلا رمضان»
كأنها الإعلان الرسمى عن ثبوت رؤية الهلال رغم مرور أربعة عقود. غناها محمد عبدالمطلب بصوته الفخيم لقاء ستة جنيهات فكَّت عنه ضائقة مالية. ولو كان فى بلادنا تقديرٌ حقيقى لحقوق الملكية الأدبية لصار الورثة من ذوى الثروات. لكن بعض الأعمال (...)
فى بساطتها وحنوِها، بدت السيدة «جاسيندا أرديرن» رئيسة وزراء نيوزيلاندا مثل أمٍ تأسو جرحا غائرا أصاب ابنَها. وفيما كانت حركاتها حصيفة واثقة وهى تنظف الجرح، وتنشر عليه بلسما مسكنا، وتُحكم فوقه الضمادة، كان صوتُها يبث فى نفس الصغيرِ الأمان.
***
فى (...)
قبل أن يأتى وزير الخارجية مايكل پومپيو إلى القاهرة، فى إطار جولة سريعة طاف خلالها بعواصم عدة فى الشرق الأوسط، كان معلوما أنه جاء ليلقى الخطاب المضاد لخطاب أوباما الشهير الذى ألقاه الرئيس الأمريكى السابق فى جامعة القاهرة عام 2009. كان معلوما أن ثمة (...)
فى الحَكايا الشعبية القديمة، تلعب العرافاتُ دورا منْبئِا بأحكام الأقدار، مستنزلا لما قد يصيبُ الأبطالَ من لعنات. وفى حكايا العالم المعاصر، تلعب الصحافةُ الواعيةُ هذا الدور الاستباقى، لا احتكاما إلى مهاراتٍ غَيْبية خارقة، بقدر ما هو استقراءٌ لمعطيات (...)
لم تكن محض أزمة اقتصادية تلك التى أسفرت عنها احتجاجات «السترات الصفراء» فى مدن فرنسا. كانت المطالبات الاقتصادية هى كبرى الحمم التى قذف بها بركانُ الغضب. لكن فى الأعماق، تحت ركام الرماد البركانى، تمازجت عوامل أزمة مركبة: اجتماعية وسياسية وديمقراطية، (...)
لم تكن المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى يصطدم فيها الرئيس الأمريكى مع الصحفيين. لكن انتصار السلطة القضائية لحرية الصحافة فى قضية إعادة مراسل شبكة CNN إلى عمله فى البيت الأبيض بعد طرده كان أشبه بنقطة نظام فى لعبة فرد العضلات واختبار القوة بين (...)
لا أحبُ صيغة التفضيل «أفْعَل». وأتحرى الدقة والموضوعية قبل استخدام أوصاف من قبيل «عملاق» و«أسطورة». لكن القامة التى أكتبُ عنها اليوم من الصعب أن تجدَ لها صِنوا بين كُتاب الصحافة العالمية فى النصف قرن الماضى. فنتاجه فى ميدان الصحافة الاستقصائية بلغ (...)
حتى آخر لحظة فى حياته، لم يكن جمال خاشقجى يصنِف نفسه على أنه معارضٌ للنظام. أعود إلى مقالاته التى كتبها من منفاه على مدى عامه الأخير فى صحيفة «واشنطن پوست» فلا أجد فيها تلك النبرة المتهجمة على السلطة، التى عادة ما يعتمدها المعارضون حين يعلمون أنهم (...)
للوهلة الأولى، هالنى كغيرى حجمُ الهجوم الذى تعرض له أحد النجوم الجادين على وسائل التواصل الاجتماعى لأنه نشر صورة زوجته الفنانة فى أبهى حُللها. للوهلة الأولى، هالنى، ودق فى رأسى ناقوس الخطر، لأنه كان من العنف والضراوة والعداوة بحيث أبرز عمق الفجوة (...)
هى خصلةٌ لا أعرف كيف اكتسبتُها. لكنها تلازمنى منذ الطفولة. أسمعُ معزوفة موسيقية فتتراءى أمامى لوحةٌ بصريةٌ كاملةُ الخطوطِ تامةُ الألوان. أو العكس، أتأمل لوحة تشكيلية فتنبعث فى أذنى موسيقاها الداخلية وكامل مؤثراتها الصوتية. ولن أصدِع أدمغتَكم بشخوص (...)
استشهدت أول مرة فى غرة شهر يونيو، شرقى خان يونس بغزة، وهى تمارس عملها كمسعفة متطوعة. قتلها قناصٌ إسرائيلى غادر، لم يعبأ بكونها فتاة، ولا بأعوامها الغضة، ولا بمعطفها الطبى الأبيض المحرم دوليا استهداف مرتديه، ولم تثنه رؤية ذراعيْها المرفوعتيْن إشهارا (...)
كانت ليلة الأحد عصيبة حقا على المصريين وهم يرون صانع بهجتهم وباعث فخرهم وهو يتعرض للإصابة الغادرة. كانت تلك هى المرة الأولى التى يطالعهم فيها الوجه الذى لم يروه إلا باسما منشرحا وقد اعتراه الألم وغطته الدموع. الوجه الذى رسموه عملاقا على الجدران، (...)
أهلا بكم فى «يوتوبيا»، رواية الراحل القدير الدكتور أحمد خالد توفيق، الصادرة عام 2008، التى قيل إنها تنبأت بثورة يناير قبل وقوعها بسنوات. «كلا، هذه ليست يناير التى تطل من مشهد النهاية. هذه ثورة جياع لم تعرف وحشيتها يناير». هكذا حدثتنى نفسى وأنا أتم (...)
فى أعقاب أى انتخابات رئاسية فى العالم، ثمة لحظة يقف فيها الرئيس المنتخب ليلقى خطابه الافتتاحى، مرتكزا فيه على فكرة محورية تتمثل فى رأب الصدع الذى أحدثه حوار مجتمعى صاخب استتبعته طبيعة الانتخابات التنافسية. هى لحظة يؤكد فيها الرئيس المنتخب ديمقراطيا (...)
لا تقلقنى الأصوات التى تخرج علينا من البقع الكونية المظلمة المنتشرة فى ذهنيتنا العربية المتقرحة، كذلك الصوت الذى دعا محمد صلاح إلى هجر كرة القدم و«إعلان التوبة». فهى فى المحصلة أصوات سأمها السامعون وأبطلتها التجارب وعافها الزمن وعفى عليها. إنما (...)
فى ذكرى بعيدة، فى إحدى المسابقات المدرسية التى تختبر معلومات الطالبات والطلبة بشأن مجريات الأحداث العالمية، سألنا الممتحن الأجنبى عن مستقبل العلاقات بين الغرب وروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، بدا السؤال تعجيزيا، لكننى استعنت عليه بخيال الشعر، (...)
فى ذكرى بعيدة، فى إحدى المسابقات المدرسية التى تختبر معلومات الطالبات والطلبة بشأن مجريات الأحداث العالمية، سألنا الممتحن الأجنبى عن مستقبل العلاقات بين الغرب وروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، بدا السؤال تعجيزيا، لكننى استعنت عليه بخيال الشعر، (...)
فى لحظة يصب فيها الرئيس الأمريكى غضبه على الصحافة، فيرميها بالكذب، ويغلق أبواب البيت الأبيض فى وجه منتقديه من كتابها، ويحلم بتدجينها وبتحويلها إلى صحافة خليقة بدول العالم الثالث، يبدو الفيلم الأمريكى «ذا بوست» المكرس لاستعادة واحدة من أهم المعارك (...)
عباراته تستحق الإنصات والدراسة، سواء حين يتحدث فى جمع صغير أو حينما يخطب فى مؤتمر جماهيرى. مقدرته غير عادية على ضبط حساسية الكلمة مع انتقاء نبرة الصوت، وتخير الإيماءات والإحالات، والتحكم فى تعابير الوجه إيقاع الجمل وثبات الانفعالات. يرشده فى ذلك (...)