129 متدربا اجتازوا 4 دورات تدريبية بمركز التنمية المحلية بسقارة    النواب في العاصمة الإدارية.. هل يتم إجراء التعديل الوزاري الأحد المقبل؟    الضويني ورئيس قطاع المعاهد الأزهرية يتفقدان التصفيات النهائية لمشروع تحدي القراءة    الخميس المقبل إجازة مدفوعة الأجر للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة عيد تحرير سيناء    فى الجيزة.. التعليم تعلن جدول امتحان المستوى الرفيع والمواد خارج المجموع لطلاب النقل والإعدادية    خلال معرض "روسيا - مصر: العلاقات الروحية عبر العصور".. نائب مفتي موسكو: المعرض فرصة لترسيخ التعارف بين مسلمى البلدين وتعميق أواصر العمل المشترك    إحالة 30 من العاملين بالمنشآت الخدمية بالشرقية للتحقيق    ليس الخبز وحده يجب خفض أسعاره!    مدفوعة الأجر.. الخميس إجازة للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة عيد تحرير سيناء    محافظ سوهاج يفتتح توسعات محطة معالجة صرف صحي إدفا    قطاع الأعمال العام: استراتيجية الوزارة تقوم على فتح المجال أمام الاستثمار المحلي والأجنبي    130 برلمانيا بريطانيا يطالبون بتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية    ألمانيا تستدعى سفير روسيا بعد توقيف مشتبهين اثنين بالتجسس    الدعم الأمريكي مستمر.. مساعدات عسكرية جديدة بالمليارات لإسرائيل (فيديو)    دوري أبطال إفريقيا| شيف خاص يرافق بعثة الأهلي في الكونغو    هل يرحل الفرعون عن صفوف الريدز؟ نجم ليفربول السابق يكشف مستقبل محمد صلاح    «من متدنية إلى وراء الستار».. القصة الكاملة لأزمة شوبير وأحمد سليمان    المشدد 3 سنوات للمتهمين بإشعال النيران في غرفة شخص بطوخ    إعدام طن مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك الآدمي بسوهاج    بعد 5 أيام.. انتسال جثة غريق البحر بالكيلو 65 غرب الإسكندرية    اندلاع النيران بعدد من أشجار النخيل في جنوب الأقصر    خلال 24 ساعة.. ضبط 313 قضية مخدرات و155 قطعة سلاح نارى وتنفيذ 82174 حكم قضائى    أحمد عبدالعزيز : مراسم العزاء أصبحت حكرًا لهمج الميديا والتريندات    الثقافة الفلسطينية تُطالب اليونسكو بتشكيل لجنة أممية لكشف انتهاكات التراث    شوقي علام يفتتح أول معرض عالمي تستضيفه دار الإفتاء بالتعاون مع روسيا الاتحادية    الفيلمان السعوديان كبريت وليلى ينطلقان تجاريًا بسينما حيّ بجدة    الصحة تستعرض إنجازات الدولة المصرية في تجربتها الرائدة للقضاء على فيروس سي    قافلة طبية لقرية بحر البقر بالشرقية لعلاج الاهالى بالمجان    وزيرة الهجرة تبحث مع «رجال أعمال الإسكندرية» التعاون في ملف التدريب من أجل التوظيف    تعَرَّف على طريقة استخراج تأشيرة الحج السياحي 2024 وأسعارها (تفاصيل)    السجن المشدد 3 سنوات لمتهم بإحراز سلاح بدون ترخيص فى سوهاج    ليفربول يستهدف ضم نجم وست هام لتعويض رحيل محمد صلاح المحتمل    حكم الكلاسيكو.. بشرى سارة ل ريال مدريد وقلق في برشلونة    بعد انتقاده أداء لاعبي الأهلي بالقمة|«ميدو» يستعرض لياقته البدنية في إحدى صالات الرياضة    تعديلات جديدة فى نظام جدول مباريات كأس الاتحاد الإنجليزى    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. واعتقال 40 فلسطينيا من الضفة الغربية    «دي بي ورلد السخنة» تستقبل أول سفينة تابعة للخط الملاحي الصيني «CULines»    برلماني: إدخال التأمين الصحي الشامل في محافظات جديدة سيوفر خدمات طبية متميزة للمواطنين    طرق وقاية مرضى الصدر والحساسية من الرياح والأتربة (فيديو)    اتحاد المعلمين لدى «أونروا» في لبنان ينفذ اعتصاما دعما لغزة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 19-4-2024، أبراج السرطان والأسد والعذراء    صوامع سدس تبدأ استلام محصول القمح من مزارعي بني سويف    جامعة مدينة السادات تنظم قافلة طبية ومشروعا بيئيا تنمويا في «حصة مليج»    الوزراء يوافق على تعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية    الفنان محمد رجب يخطف الأضواء في أحدث ظهور    ما حكم الصوم نيابة عمَّن مات وعليه صيام؟.. تعرف على رد الإفتاء    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبي جرائم الاتجار في النقد الأجنبي    تأجيل محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب ممدوح عباس    دعاء العواصف.. ردده وخذ الأجر والثواب    مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون: «لا نتوقع ضرب إيران قبل عيد الفصح»    ردد الآن.. دعاء الشفاء لنفسي    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع منظمة "الألكسو"    فيلم «عالماشي» يحقق إيرادات ضعيفة في شباك التذاكر.. كم بلغت؟    تشاجرت معه.. ميدو يحذر النادي الأهلي من رئيس مازيمبي    هولندا تعرض على الاتحاد الأوروبي شراء "باتريوت" لمنحها إلى أوكرانيا    علي جمعة: الرحمة حقيقة الدين ووصف الله بها سيدنا محمد    بابا فاسيليو يتحدث عن تجاربه السابقة مع الأندية المصرية    ما حكم نسيان إخراج زكاة الفطر؟.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن التنمر فى حارة الحرافيش
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 09 - 2018

للوهلة الأولى، هالنى كغيرى حجمُ الهجوم الذى تعرض له أحد النجوم الجادين على وسائل التواصل الاجتماعى لأنه نشر صورة زوجته الفنانة فى أبهى حُللها. للوهلة الأولى، هالنى، ودق فى رأسى ناقوس الخطر، لأنه كان من العنف والضراوة والعداوة بحيث أبرز عمق الفجوة التى باتت تعكس الجفوة بين الناس والفنانين. ليس كل الناس بالطبع، ولا كل الفنانين. لكن التنمر المنتشر على الشبكة العنكبوتية فى هذه الحالة وفى غيرها بدا شرسا وعشوائيا وعلى استعداد لنصب المقصلة لأول تعساء الحظ من العابرين. والمفارقة هى أن الظاهرة تستهدف بوضوح فئة الفنانين، التى كان من المفترض أنها الفئة المعبرة عن أحلام وأشواق الجماهير. فما الذى حدث؟
***
مرحبا بك فى عالم ال«سوشيال ميديا»، حيث الأقلية النادرة فقط هى من تعلن عن هويتها، فيما تتخفى الملايينُ المتبقيةُ وراء اسم مستعار وصورة شخصية وهمية. الغالبية العظمى هنا تنطق من وراء قناع، وتستمد قوتها من سلطة التخفى، وتُنَصِب نفسَها سلطة عليا فوق كل السلطات التى فَرضت عليها فى عالم الواقع حالة من الفقر والقمع والهزيمة. هنا، فى العالم الافتراضى، تقوم مملكة ملح الأرض، ورمال الصحراء، وجحافل الصامتين ممن منحتهم عصا الرقمنة السحرية صوتا، وسوطا، وأرضا واسعة تتساوى فيها الرءوس، وتُنْصَب فيها الموازين، وتنطلق فيها حريةٌ التعبير بعنف يوازى غيابها فى عالم الحقيقة. هنا، فى العالم الافتراضى، تمتدُ حارة الحرافيش، بعششها العشوائية، ودكاكينها الصغيرة المتجاورة، ومعاركها الصاخبة الأزلية، كما وصفتها مخيلة عميد الرواية نجيب محفوظ.
***
وفى حارة الحرافيش، ذات صباح سبتمبرى، بعد أن دشن فى العشيةِ أهلُ الفن مهرجانهم السياحى الفاخر فى المدينة الساحلية الخلابة، خرج ابن الحارة الفنان بعد أن شرب الشاى بالنعناع، ليلصق على بوابة دكانه صورة كبيرة لزوجته نوارة المهرجان، إعلانا عن حبه لها واعتزازا بمكانتها الآسرة. فإذا بالحارة تقوم عن بكرة أبيها بمحاصرة الدكان، وقذفه بالطوب والطماطم والبيض الفاسد، وتهديده بالنبايبت والمشاعل، مؤذنة بالويل والثبور وعظائم الأمور! فما كان من الفتى السفروت إلا أن غاب بداخل دكانه للحظات، وخرج متحديا الحناجر النافرة، والعصى المُشَهَرة، ليلصق على بوابته صورة أخرى لحبيبة الفؤاد. صورةٌ كانت أكبر من الأولى، ولا تقل فيها الجميلةُ وضاءة وانشراحا. وهكذا حتى حل المساء، تعالت الصيحات المستنكرة وتمادت، معللة ثورتها الالكترونية العارمة بأن الفتى العاشق لا يصون البيضة فى خدرها، لأن الجميلة فى الصورة لا ترتدى الملاية اللف، ولا تضع على خدها الأسيل برقع الحياء!
***
وبمثل ما تبدو الفقرة السابقة فى مقالى هذا هزلية الطابع، خارجة عن سياق التحليل العلمى وأسلوبه الواجبِ حشمة ووقار، بدا لى المشهد خارجا عن سياق العلاقة المعتادة بين العامة والخاصة فى بلادنا. تلك العلاقة التى باتت تشى اليوم بفشل النخبة المثقفة فى الوصول إلى وجدان الشعب وعقله.
من اليسير أن نسعى لتفسير ظاهرة التنمر بالركون إلى تفسيرات دينية عقائدية محضة، فندعى مع المدعين استسهالا بأن الظاهرة نتاج عقود مما يحب البعض أن يسميه ب«الغزو الوهابى» و«الحشد الإخوانى». لكننا لو اكتفينا بذلك نكون قد أعفينا النخبة المثقفة من مسئوليتها الجسيمة فى التخلى عن دورها إزاء الشعب، ونكون قد أعناها على غسل يديها من إثم الجرى طوال عقود وراء مصالحها الضيقة خدمة لسلطة أو غفلة عن حق.
كلا، لا ينبغى الركون إلى التفسير الدينى الأيديولوجى وحده فى ظاهرة التنمر التى تطال أول من تطال النخبة. إذ يحسنُ الالتفات إلى عوامل سوسيولوجية واقتصادية وسياسية أخرى، تفرض على المجتمع ضغوطا كبرى حتى وإن طفا على السطح صوتُ العُرف المحافظ، بعد أن وافقت حججه أهواءَ الناس الخفية الراغبة فى إعلان الرفض لواقعها المعيشى المرير.
لأجل ذلك لا مفر من طرح سؤال التنمية ونحن نلقى نظرة فاحصة على ظاهرة التنمر عبر وسائل «التواصل» الاجتماعى، لاسيما فى الوقائع التى يكون فيها أفراد النخبة هدفا لهذا التنمر، ومحطا لعنف الجماهير.
فعلى سبيل المثال، بينما ينتشر مقطع مصور يخاطب فيه وزير المالية المواطن قائلا: «أنت عايش على السلف»، وبينما تنتشر جرائمٌ لم نكن نسمع عنها من قبل، عن أب يقتل أبناءه وينتحر لضيق ذات اليد، وعن زوجين يسرقان زى المدرسة لطفلتهما لعدم قدرتهما على شرائه، تخرج علينا نخبة فناناتنا ليلة افتتاح مهرجان الجونة السينمائى للثرثرة عن إطلالاتهن التى تكلفت الآلاف! إن حقيبة «بيربرى» مثلا التى استعرضتها نجمة كبيرة بفرح شديد أمام الكاميرات فى لقائها مع المذيعة اللامعة سعرها يفوق تكاليف دراسة طفل طوال حياته المدرسية، ويتعامل معها البائع الواقف فى المحل العالمى كقطعة مجوهرات فلا يلمسها إلا وقد ارتدى قفازا مخمليا أبيض! ولو عكس ذلك أمرا فإنما هو يعكس انفصال الفنان عن مشاهديه، ونقص وعى النخبة بالحالة الاقتصادية الخانقة التى انحدر إليها المواطن فى السنوات الأخيرة.
***
ليس فى قولى هذا تبرير للتنمر، الذى أمقته كل المقت، لأنه يعكس نفسا فقدت السيطرة على نوازعها الانتقامية، واستسلمت لما يمكن أن يسببه الظلم الاجتماعى من أحقاد، وأغفلت، وهى ترفع على حساباتها شعارات الدين، أن أولى وصايا الدين أن «جادلهم بالتى هى أحسن»! لكن الناظر فى مسألة التنمر لا يسعه أن يفصلها عن سياقها الأكبر، ولا يجدر به ألا يبذل محاولات للفهم والاستيعاب.
إن هذا البذخ الذى ظهر فى الجونة ليلة افتتاح المهرجان قد أغضب المواطن العادى ولم يسعده. فهو لم يفكر فى المهرجان من زاوية الاستثمار والسياحة، التى يعلم أنها زاوية لم يعد معنيا بجنى ثمارها، ناهيك عن زاوية صناعة السينما التى لم يعد قادرا على شراء تذاكرها. لكنه نظر من زاوية أخرى تماما لم ير منها إلا نخبة انفصلت عنه وباعت قضاياه. زاوية أشعرته بالاغتراب عن المشهد الذى أطل عليه من التلفاز. فما كان منه إلا أن هرع إلى وسائل التواصل، ليسدد سهامه دون تمييز لأول ممثلى هذه النخبة!
***
شىء ما فى غرائبية الأحداث، فى انفصال ما تعرضه الشاشات عما يمر به الناس، شىء ما فى صخب المهرجانات، وفى كرنفالية الإطلالات، فى سيريالية الحوارات، شىء ما وأشياء، مفتعلة ومبتذلة، ترسم تحت طبقات المساحيق وجه المأساة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.