لأسباب مختلفة، استبدل الإعلاميون مواقعهم، وبدلا من مهمة إخبار الناس ونقل المعلومات الصحيحة من مصادرها، تحول كثيرون منهم إلى إبداء آرائهم فى كثير من القضايا التى يطرحونها على ضيوفهم فى الاستوديو، ودخلوا طرفا أصيلا فى خصومات وعداوات مع قوى سياسية وحزبية، وصار كثير من المتابعين والمراقبين يتهمون الإعلام بإثارة الفوضى وغياب الحياد المهنية. هنا نبحث عن سياسات اختيار وتوظيف المذيعين وخصوصا مقدمى برامج التوك شو، وما إذا كانت الإثارة واحدة من عوامل الجذب التى يلجأ إليها المذيعون لتسويق برامجهم، وكيف يمكن استعادة المهنية والحياد إلى هذه النوعية من البرامج التى لعبت ولا تزال دورا مهما فى التأثير بالرأى العام. سياسات التوظيف الخبير الاعلامى ياسر عبدالعزيز يقول إن صناعة الاعلام فى مصر تعمل بلا أركان الصناعة الرئيسية، التى من أهمها وجود سياسة توظيف معلنة... » فى أى صناعة إعلام محترمة هناك ركن مهم يسمى سياسية التوظيف، حتى تضمن وصول الشخص المناسب للمكان المناسب، وبالتالى لا يظهر على شاشة القنوات الدولية الا من يجتاز مجموعة من الاختبارات، وتتوافر فيه مجموعة من الشروط تؤهله للعمل فى هذه الوسيلة الإعلامية». ويتابع: أما فى مصر فيتم اختيار مذيعى التوك شو وغيرهم على طريقة «كشاف كرة القدم» الذى يسافر أندية الاقاليم ليكتشف مواهب يضمها للأندية الكبرى فى القاهرة، أو يتم الاختيار عن طريق المحسوبية والولاء، ورغم أن هذا الامر ليس معمما، لأن هناك قنوات تبذل جهدا لكى تضمن اختيارا اكثر جوده للمذيعين والمذيعات، لكن فى النهاية لا أحد يعلم كيف فاز هذا المذيع تحديدا دون غيره بهذا المقعد، لذلك تبقى سياسات التوظيف هى الفريضة الغائبة فى الاعلام المصرى. ولمن لا يعلم، فإن تنفيذ سياسة التوظيف كما تساعد فى منح نفس الفرص للجميع، هى أيضا تضمن للوسيلة الاعلامية ان تختار افضل المعروض فى السوق. وكشف عبدالعزيز عن أن الرواج فى صناعة الإعلام المصرية تحديدا لا يعكس القيمة، وبالتالى النجاح لا يجب قصره على الرواج، فعلى سبيل المثال المذيعون القادمون من تجارب فى القنوات الدولية ملتزمون إلى قدر كبير بالمهنية، ورغم ذلك ليسوا منتشرين بالقدر الكافى، وهذا لا يدل على ان التجربة فاشلة كما يعتقد البعض، بدليل أن مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تجد فيها مطاعم رائجة جدا تحت اسماء من نوع، تلوث ونتانة، وهو الامر الذى يعكس حالة احتفاء بالقيم المضادة. وأوضح عبدالعزيز أن مشكلة الاعلام المصرى أنه يعيش أزهى عصور «القلش»، ويعتمد 5 عناصر للنجاح هى (المفارقة الصارخة، والرأى الحاد، والصوت العالى، والمقاربة الهزلية، والتكرار)، هذه القواعد الخمس تقريبا يعتمدها معظم مقدمى التوك شو.. وختم عبدالعزيز مؤكدا أن صناعة الاعلام فى مصر مريضة، والتوك شو أهم عرض لهذا المرض، واسبابه تتعلق بالإعلاميين أنفسهم، وملاك الفضائيات، والسلطة وبالطبع الجمهور. فالخروج عن المهنية يتناسب طرديا مع الشهرة والرواج، وبالتالى الاجر الذى يحصل عليه المذيع. ورغم ان التوك شو ما زال دره تاج الفضائيات المصرية والبرامج الاكثر تمتعا بالاهتمام والرواج، الا أنها أيضا الاكثر نفاقا وبثا للأكاذيب احيانا، لكن يبقى فى النهاية الجمهور أحد اهم المسئولين عن رواج انماط الاداء الهابطة، فى برامج التوك شو، لأنه الذى يقنع المعلنين ببث اعلاناتهم فى هذه البرامج. الفرق بين الإعلام الدولى والمحلى الاعلامية ليليان داود مقدمة برنامج «الصورة الكاملة» فى قناة on tv والتى كان لها تجربة سابقة فى هيئة الإذاعة البريطانية bbc، تقول: معايير الاختيار مختلفة تماما بين اختيار مذيع فى bbc وبين طريقة الاختيار فى القنوات المصرية بشكل عام. فاختيار مذيع للعمل فى bbc عملية معقدة جدا، حيث تخضع لاختبارين احدهما شفهى والثانى تحريرى، يطلب منك فيه ترجمة وكتابة اخبار صحفية، ويمكن أن تفشل فى ذلك أكثر من مرة حتى تجتاز الامتحان فى النهاية، او تفشل. ولا اريد أن اتحدث على تجربتى الشخصية فى ontv لأنهم اعتمدوا فى اختيارى على خبرتى السابقة. وبسؤالها هل bbc يمكن ان تضم مذيعا إلى شاشتها دون ان يخضع لاختبار فى حالة أنه مشهور او له خبرة سابقة كما حدث معها فى ontv، أكدت ليليان أنها رغم عملها فى bbc 6سنوات قدمت خلالها برامج تليفزيونية واذاعية وحررت أخبارا، عندما تفكر فى العودة ستخضع مره أخرى لاختبار وتعرض على لجنة، وهذا المعيار ليس موجودا فى الاعلام المصرى. وتضيف ليليان أن bbc متشددة جدا فى تنفيذ سياسات التوظيف، حتى اذا كان المتقدم نجما كبيرا فى مجال الاعلام ويعرف عنه المهنية يخضع للاختبار ويعرض على لجنه، ولا يمكن أن يظهر على الشاشة بدون اختبار، وهذا يجعل مذيعين من الاسماء الكبيرة فى مجال الاعلام تتردد فى الذهاب إلى مؤسسة مثل bbc، رافضين ان يخضعوا للتقييم والامتحان بعد عملهم فى مجال الاعلام سنوات، أما وجهة نظر المؤسسة فهى أن من له خبرة سابقة يجب ألا يخشى الاختبار لأنها ستظهر فى النتائج. وتتابع: هذا الامر لا يتوقف عند المذيعين الذين يريدون العمل بالمحطة، ولكنه ايضا يتم تطبيقه على المذيعين الذين تريدهم المحطة، فاذا كانت المحطة ضمت مذيعا ناجحا جدا يجب أن يخضع للاختبار ايضا، فهذا قانون بريطانى لا يجرؤ أحد على تجاوزه ويتم تطبيقه على الجميع، وفى حال تخطاه أحد يعتبر كما يقال بالمصرى «كوسه»، ويتم تصعيد الامر إلى المحاكم ويلاحق من يفعل ذلك قضائيا، لذلك لا فرق بين من يعمل لأول مرة ومن كان له سابق خبرة. وهذا لا يعنى أن كل من يدخل bbc متمكن، لأن هناك اشخاصا يكونون محظوظين ويجتازون الامتحان، لكن فى هذه الحالة المؤسسة لا تهملهم وتبدأ فى تدريبهم حتى يكونوا قريبين من المستوى من زملائهم. صاحب القرار طارق نور رئيس قناة «القاهرة والناس» قال ان اختيار المذيعين يتوقف على الموهبة التى ربما تكون فى الصوت او الشكل او التمثيل او الدم الخفيف، او الجدية والاحترام، او الصحفى الكبير المحترف الذى يدير برنامجه بنفسه كنموذج شريف عامر. واوضح نور أن القبول هو اهم شرط، وانه فى قناة «القاهرة والناس» لجنة تختار المذيع وينزل العمل اذا نجح يستمر، واذا لم ينجح يرحل ونأتى بغيره، فالقناه تبحث دائما عن المواهب. ويضيف: لكن الحقيقة ان المذيعين الموهوبين فى مصر اعتبرهم «مواهب شيطانية» تظهر بطريقة فردية، والقناة لا تملك فعل شيء الا أنها تسخر امكانياتها لهذه المواهب. وعن سبب عدم تنفيذ سياسات التوظيف قال نور: هذا لا يعمل به فى مصر لأن صاحب المحطة يختار بين مذيع سيئ وآخر اقل سوءا، مذيع لم يتدرب ويرى نفسه محترفا، عكس القنوات الدولية التى يذهب اليها مذيع ممتاز وآخر اكثر امتيازا. بحوث الرأى خارج الحسابات الدكتور عمرو قيس مدير شركة «ابسوس» لبحوث الرأى والاستطلاعات فى مصر قال إن اختيار المذيع يشبه اختيار لاعب الكره، ويتوقف على ماذا تريد، هل تريد نجما، أم ناشئ. فالأول يتطلب اختياره الاعتماد على بحوث رأى لمعرفة ان كان هذا المذيع يحقق نجاحا أم لا، أما الثانى فاختياره يتم بطريقة كشاف كرة القدم ثم يخضع لاختبار. وبشكل عام فإن طريقة اختيار المذيعين فى مصر وتحديدا التوك شو، تتم من خلال عدة طرق، هناك بعض القنوات القليلة تعترف بالأبحاث فتستعين بشركة بحوث رأى لتختار بين أكثر من مذيع تفاضل بينهم، فتسأل الجمهور عن المذيع الذى يفضله، والاكثر مصداقيه. وهناك قنوات تختار المذيع بناء على توجهاته السياسية، وهناك اخرين يختارون عن طريق ردود الافعال التى يتابعونها على مواقع التواصل الاجتماعى. وكشف قيس أن عام 2014 شهد تراجعا فى نسب مشاهدة التوك شو، وأن الجمهور اصيب بنوع من التخمة لكثرة اعتماد هذه البرامج على «الخناقات والصوت العالى والمشاكل»، لذلك اتجه إلى مشاهدة البرامج الخفيفة الترفيهية مثل «ذا فويس»، و»اراب ايدول»، و»البرنامج». وختم حديثه بأن البرامج الحوارية الاكثر مشاهده فى مصر حاليا هى «الحياه اليوم» و«هنا العاصمة» و«ممكن» و«بوضوح» و»العاشرة مساء» و»الشعب يريد»، ومؤخرا «الصندوق الاسود».