القاعدة الإعلامية التى يحفظها طلبة كلية الإعلام هى «إذا عض كلب إنسانا فهذا ليس خبرا.. لو إنسان عض كلبا أصبحنا بصدد خبر مثير يستحق مساحة من الاهتمام». مع مرور الزمن إذا تكرر أن البشر يعضون الكلاب فلن يعد هذا هو الخبر الذى يستحق النشر ويصبح فى هذه الحالة العكس هو الخبر! الإثارة فى جزء منها تحمل المفاجأة والندرة ولهذا تابعت الصحافة حكاية هالة سرحان عندما اشترط أحد الشيوخ السلفيين أن يحاورها عبر جدار، ومذيعة الإسكندرية إيمان الأشراف عندما اشترط سلفى آخر أن ترتدى الحجاب قبل أن تحاوره! لقد فرضت برامج التوك شو والتى تبث إرسالها فى نفس الفترة الزمنية، على صناع هذه البرامج أن كلا منهم صار يهتم بضربة البداية. يجب أن تضمن أن يتابعك المشاهد فى هذه اللحظة وإلا سوف يذهب إلى واحد من العشرين أو الثلاثين برنامج توك شو التى تنافسك، يجب أن تكون الضربة ساحقة ماحقة.. والسلفيون المنتشرون الآن فى الشارع والفضاء يستطيعون تحقيق تلك الضربة. على الجانب الآخر أصبح الأمر يشكل صراعا داخليا لدى الضيف السلفى فهو ليس الوحيد الذى يمثل هذا النوع فكيف يضمن أن برامج التوك شو تتخطفه دونا عن أقرانه السلفيين فيصبح هو النجم الأول وينتقل من قناة إلى أخرى وكما قالت ريّا «ماحدش بيكالها بالساهل» فإن تحقيق هذا الغرض ليس أيضا بالساهل ولهذا لا بأس من إضافة بعض البهارات بدعوى أن هذه هى الشريعة وبعدها تتخطفه الفضائيات! إنها نفس نظرية شعبان عبد الرحيم فى التعامل مع الإعلام. شعبان صاحب صوت ردىء ليس هو فقط الذى يتمتع بهذه الرداءة ولكنه فى مرحلة ما كان هو الورقة الرابحة فى الفضائيات وكان حريصا على ذلك فهو دائما يصدّر للجمهور باختياره الإجابات والملابس على أنه شخصية مختلفة لها شطحات فى كل شىء ولهذا كان يستضيف صناع هذه البرامج شعبان الذى كان يحقق لهم رواجا. بعد ذلك انتهى مفعول شعبولا وصاروا يبحثون عن شطحة أخرى! لو تصورنا أن الشيخ السلفى الذى طلب إقامة جدار فاصل بينه وبين المذيعة قد كرر نفس الطلب، هو أو سلفى آخر فى قناة منافسة لن يفتح هذا الطلب شهية أحد للمتابعة ولكن من الممكن أن يفتى شيخ آخر بأن إقامة الجدار بين الرجل والمرأة حرام شرعا، وأن الصحيح هو حفر خندق بينهما وأن الشريعة تسمح بهذا الفصل على اعتبار أن الخندق كان عنوانا لإحدى الغزوات الإسلامية. فى هذه الحالة سوف يتم فى الاستوديو إقامة خندق فاصل عميق وفى أسفله تشتعل النيران ومن يحاول عبوره سيسقط فى هوة عميقة ويلقى مصيره حرقا! لا أستبعد كل ذلك خصوصا أن الكل لديه هدف مشترك وهو على رأى المخلوع «خليهم يتسلوا».. أراها برامج بالفعل لتسلية المشاهدين وليست لإرهابهم لأنها فى نهاية الأمر تصبح مادة صالحة للتفكه. هذا النمط من السلفيين تحديدا هم الذين يشكلون الخطورة الأكبر على التيار السلفى وكلما أمعنوا فى شطحاتهم سوف يزداد الناس بعدا عنهم. ولكن يبقى أن هناك حدودا لكل شىء، مثلا السلفى الذى طلب من المذيعة أن تصنع له جدارا أو نفقا أو خندقا أظهرته هذه الطلبات فى حالة غياب عن تفاصيل الحياة العصرية وهو المطلوب إثباته من هذه المحطات، وفى نفس الوقت سوف يُصدّر للمشاهدين صورة ذهنية عن أفكار السلفيين وهذا يؤدى إلى النفور من هذا التيار، إلا أن الباب ينبغى أن لا نفتحه على مصراعيه. لا يمكن مثلا للمذيعة بدعوى السبق الإعلامى أن توافق على ارتداء حجاب، فلو طلب أو اشترط عليها سلفى آخر أن تقف على رأسها أو أن تضرب شقلباظ أو تقلّد نومة العازب قبل أن يجرى الحوار.. هل يخضع المذيع أو المذيعة بدعوى أنه يحقق سبقا أو أنه مجبر لملء ساعات الإرسال؟! سيظل الأمر مرتبطا بالكثير من الاعتبارات، حيث إننا بصدد عامل رئيسى أراه يسيطر على الجميع على الرغم من أنهم جميعا سينكرونه، وهو تقديم «شو» مثير بدعوى أن هذا هو السبق وتلك هى المهنية.. الكل سيتحدث عن المهنية التى أراها أحيانا تبدو هى الوجه الآخر للمهلبية!